نشيد السعادة .. رسالة من بريد الجمعة عام 2002

 نشيد السعادة .. رسالة من بريد الجمعة عام 2002

نشيد السعادة .. رسالة من بريد الجمعة عام 2002


ما أحوجنا لأن نستروح نسائم الوفاق والإخلاص والحب المتبادل بين الأزواج وسط ركام الأحزان والآلام وقصص الغدر ونقض عهود الوفاء والتعاسة الزوجية‏ بقصص من أنعم الله عليهم بالحب ‏والوفاق والعشرة الجميلة ووحدة الأهداف‏ ..‏ ونجابة الأبناء وسعادتهم ورؤية الأحفاد والتمتع بصحبتهم‏.
عبد الوهاب مطاوع
بريد الجمعة

قرأت رسالة مباراة الصبر التي ندم فيها كاتبها على أنه لم يتزوج قريبته التي فسخ خطبتها بعد عقد قرانه عليها‏,‏ وتزوج من أخرى أحبها فحولت حياته إلى جحيم حتى تعرض للمرض وحرمانه من رؤية أطفاله الصغار لأنه رفض أن يكتب لزوجته كل ما يملك في حين أسعدت قريبته التي لم يتزوجها زوجها حتى انه يتيه بها فخرا ويشيد بحكمتها وحسن عشرتها وتدينها ورعايتها لأطفالها منه‏.‏

ورغم اتفاقي معك فيما يجب أن يتخذه كاتب الرسالة من موقف حازم حيالها يخيرها فيه بين الاستمرار معه بما يرضي الله ورسوله أو الانفصال عنه مع تمنياتي له بالشفاء والاستقرار‏,‏ إلا أنني اختلفت معك في كلمة واحدة بدأت بها ردك عليه ولا أدري من هو قائلها وهي أن في حياة كل رجل امرأتين‏ ..‏ امرأة ندم على أنه لم يتزوجها والأخرى ندم أشد الندم على أنه تزوجها فقد أعدت قراءة هذه الكلمة عدة مرات محاولا إيجاد ما يخفف من صيغة التعميم فيها أو حالات استثناء لهذه الكلمة فلم أجد‏,‏ لذا وجدت نفسي مضطرا لأن أمسك القلم لأكتب إليك قصة حياتي وزواجي‏.

 فأنا من أبناء إحدى المحافظات الصحراوية ‏(‏مطروح‏)‏ ومن مواليد عام ‏1940,‏ وكان لوالدتي رحمها الله أقارب بالإسكندرية تقوم بزيارتهم مرة كل عام وتصطحبني معها كطفل‏,‏ وكان لهؤلاء الأقارب ابنة في مثل سني فكنا نلعب معا وشعر كل منا بالألفة تجاه الآخر‏,‏ وأذكر أنني كنت أبكي عند السفر لفراقها وارتبطت بها كطفل ارتباطا شديدا وعندما التحقت بالمدرسة كان كل همي هو ألا تسبقني صديقتي وتنجح هي وأتخلف أنا‏,‏ واستمر ذلك الوضع إلى أن حصلنا علي الثانوية العامة ورغم ظروفي المادية الصعبة بسبب وفاة والدي‏,‏ فقد أصررت على الالتحاق بكلية التجارة جامعة الإسكندرية عندما وجدت أنها قد التحقت بكلية آداب‏,‏ واضطررت للعمل طوال أربع سنوات الدراسة لتدبير نفقات التعليم والإقامة لدى بعض الأقارب قريبا من منزلها‏.‏

 

وبدأت في هذه الفترة مشاعر الإعجاب المتبادل بيننا تنمو‏,‏ وتتطور‏,‏ لتصبح رغبة في الاقتراب ودفعتني هذه المشاعر النامية رغم عملي طول النهار إلى سهر الليل للاستذكار والمراجعة حتى لا أتخلف عنها ولو بسنة دراسية واحدة‏,‏ حتى أتممنا دراستنا معا في نفس العام‏.‏

والتحقت بالعمل بالهيئة العامة لتعمير الصحاري بمطروح وبادرت فور تعييني بتحقيق حلم حياتي بالاقتران بصديقة الطفولة والشباب التي كانت هاديا ومرشدا لي في التطور من مرحلة البادية التي كنا نعيشها إلى مرحلة المدنية والحضارة التي أصبحت عليها‏,‏ وكانت دائما دافعا ومشجعا على النجاح في دراستي وفي عملي‏,‏ والتحقت زوجتي بعمل بديوان عام المحافظة في مطروح وتدرجت في عملها وتدرجت في عملي إلى أن تم اختياري في منصب قيادي ووصلت إلى درجة وكيل الوزارة‏.‏ ورزقنا خلال حياتنا معا بثلاثة أبناء ولدين وبنت رعيناهم على الوجه الأكمل إلى أن أنهوا تعليمهم‏,‏ وأحدهم محاسب قضي‏16‏ سنة في أمريكا وعاد هذا العام ليبدأ مشروعات كبيرة بالإسكندرية والآخر مهندس بشركة بترول بالصحراء الغربية‏.‏ والابنة محاسبة في إحدى شركات التأمين بالإسكندرية‏,‏ وقد تزوج أبناؤنا ولله الحمد زيجات مشرفة ولكل منهم طفل وطفلة أي أننا الآن أجداد لستة أحفاد‏,‏ ولا أذكر ولله الحمد يوما وصل فيه الخلاف العادي بيني وبين زوجتي إلى مرحلة الغضب وعلى مدى أربعين سنة مضت هي عمر زواجنا لم يحدث أن تركت زوجتي المنزل أو غضبت.




ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏

بل ليتك قد أطلت الحديث أكثر وأكثر ورويت لنا كل تفاصيل هذه القصة السعيدة الجميلة‏..‏ إذ ما أحوجنا لأن نستروح نسائم مثل هذا الوفاق والإخلاص والحب المتبادل بين الأزواج وسط ركام الأحزان والآلام وقصص الغدر ونقض عهود الوفاء والتعاسة الزوجية‏.‏
لقد من الله سبحانه وتعالى عليك وعلى زوجتك بأسخى ما تهبه السماء لزوجين محبين وهو الوفاق والعشرة الجميلة ووحدة الأهداف‏..‏ ونجابة الأبناء وسعادتهم ورؤية الأحفاد والتمتع بصحبتهم‏..‏ وكان حبك لقريبتك الذي بدأ منذ نعومة أظفاركما هو الحب الباني والدافع إلى الأمام وليس الحب الهادم أو المعرقل للنجاح فاكتملت بذلك أنشودة السعادة والوفاق‏,‏ وحق لكما أن تشكرا ربكما آناء الليل وأطراف النهار‏.‏

فأما الكلمة التي أفزعتك ودفعتك لكتابة هذه الرسالة الجميلة لكي تنفي انطباقها عليك فهي ليست قانونا من قوانين الحياة ولا قاعدة عامة‏,‏ وإنما هي صيغة من صيغ المبالغة الساخرة التي ترصد إحدى مفارقات الحياة وتسجلها حين تعرض لنا في بعض الأحيان السعادة الحقيقية فندير لها ظهورنا حمقا وجهالة فتذهب إلى غيرنا‏.‏
ولقد روي المفكر الفرنسي مونتسكيو شيئا شبيها بذلك نقلا عن الكاردينال إمبريالي الذي قال‏:‏ إنه ليس هناك شخص لا يزوره الحظ السعيد ولو لمرة واحدة في حياته فإذا لم يجده على أهبة الاستعداد لاستقباله فإنه يدخل من الباب ويخرج من النافذة‏!‏

وكاتب رسالة مباراة الصبر قد زاره الحظ السعيد في بداية حياته ولم يجده على أهبة الاستعداد لاستقباله فذهب إلى غيره‏,‏ في حين تشبثت أنت به وأحسنت رعايته واستقباله حتى أثمر ثماره السعيدة في حياتك والحمد لله‏.‏
كما أن هذه الكلمة وغيرها من صيغ المبالغة من قبيل قول الإمام الشافعي رضي الله عنه في معرض حديث طريف عن زوجته المصرية وغيرتها عليه‏:‏ من لم يتزوج بمصرية فليس بمحصن‏!‏

وهو قول يؤخذ على محمل الإشادة بالزوجة المصرية لكنه لا يعني أبدا أنه ليس هناك زوجة تتوافر فيها فضائلها وتغني زوجها عن غيرها سواها‏!‏ وشكرا لك‏.‏


رابط رسالة مباراة الصبر


·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2002

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات