العاصفة " تتبع رسالة الإصرار" .. بريد الجمعة عام 1998

 

العاصفة " تتبع رسالة الإصرار" .. بريد الجمعة عام 1998

العاصفة .. بريد الجمعة عام 1998

إن عاصفة الموت التي اجتاحت داری وقصفت أبنائی كانت نعمة علي ورحمة فلقد أشعرتني بنقصی ودفعتني إلى طلب الكمال وألهمتني أن العالم لا يفتقد ما يضيع منه، وإنما يواصل طريقه إلى الأمام، أما الموت فهو الكمال المطلق وليس من شيء في الحياة يذهب عبثا، بل إنه يرجع مرة أخرى في العالم الأفضل تاركا وراءه عبرة نتأسى بها عمن فقدناه.

الشاعر طاغور

أكتب إليك عقب قراءتي لرسالة "الإصرار" عن الفتاة المعاقة التي تعيش وحيدة في مسكنها بعد رحيل أبويها عن الحياة، وزوج أشقائها، فقد لا تتخیل مدى تأثري بهذه الرسالة للتشابه بين ظروف هذه الفتاة، وبين ظروفي في جزئية الوحدة التامة في مسكن خال من الأهل والبشر. فأنا مهندس بإحدى الوزارات أبلغ من العمر 36 عاما، ولقد كانت لي ذات يوم قريب أسرة صغيرة وزوجة غير مصرية تزوجتها بالرغم من معارضة أهلي لهذا الزواج، كما كان لزواجي منها بداية العاصفة من الأحزان في حياتي الخاصة فلقد رحل أبي عن الحياة عقب زواجي منها مباشرة ومن بعده رحلت أمي أيضا عن الدنيا يرحمهما الله، ولم يمض بعد رحيلهما وقت طويل حتى سقطت طفلتي التي أنجبتها من زوجتي بسبب إهمالها لها من الدور الثالث من العمارة.

ورحلت الزهرة الجميلة البريئة أيضا عن دنيا الألم والأحزان مودعة فيها بالدمع المرير.. ولم استطع احتمال الحياة مع زوجتي بعد ذلك فانفصلت بالطلاق عنها منذ عامين وبضعة أيام . ومنذ ذلك الحين وأنا أحيا وحيدا تماما في مسكتی بإحدى المدن الجديدة، حيث لم يعد لي من أهل سوى شقيقين يقيمان في أحد أحباء القاهرة البعيدة عن مسكني، ولا تستطيع أن تتخيل حالي حين أرجع في العصر من عملي إلى مسكني في المدينة الجديدة، فأظل به وحيدا حتى صباح اليوم التالي، وإلى أن اخرج إلى العمل، ولولا العمل واختلاطی بالناس فيه لما استطلعت احتمال الحياة يوما آخر، ومنذ فترة وأنا أدعو الله سبحانه وتعالى في صلاة الفجر بهذا الدعاء: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير إلى أن قرأت رسالة "الإصرار" ووجدت في ظروف هذه القناة الكريمة ما أشعرني بأن كلا منا قد يواسی جراح الآخر ويعوضه عن وحدته وأحزانه الماضية، فهل تراها تقبل الارتباط بی على سنة الله ورسوله؟

 

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

قبل أن أجيبك على تساؤلك سوف أروي لك عن شاعر وروائي وفيلسوف عظیم توالت عليه هو أيضا عواصف الأحزان في موجات متتالية في بداية هذا القرن، ففقد زوجته وبعدها بعامين فقد ابنته الكبرى ومن بعدها بعام واحد فقد أباه ومن بعده بعامين فقد ابنه الأصغر، فلم يفقد نفسه بالرغم من كل هذه الأحزان ولجأ إلى قلمه يبثه شجونه وخواطره فكتب إن عاصفة الموت التي اجتاحت داری وقصفت أبنائی كانت نعمة علي ورحمة فلقد أشعرتني بنقصی ودفعتني إلى طلب الكمال وألهمتني أن العالم لا يفتقد ما يضيع منه، وإنما يواصل طريقه إلى الأمام، أما الموت فهو الكمال المطلق وليس من شيء في الحياة يذهب عبثا، بل إنه يرجع مرة أخرى في العالم الأفضل تاركا وراءه عبرة نتأسى بها عمن فقدناه.

ولقد أجمع مؤرخو الأدب فيما بعد على أن عاصفة الموت هذه كانت السبب المباشر لكل ما أبدع بعد ذلك من روائع صوفية وأعمال أدبية راقية رشحته فيما بعد لنيل جائزة نوبل فأما الشاعر الفيلسوف فهو الحكيم طاغور، وأما تساؤلك عما إذا كانت صاحبة رسالة "الإصرار" تقبل بالارتباط بك على سنة الله ورسوله، فجوابی عليه هو أن مرجع هذا الأمر إليها ، وأرجو أن يوفقها الله إلى ما فيه خيرها وسعادتها وسعادة من يرتبط بها بإذن الله، كما أرجو منها أن تتفضل بزيارتي مساء الغد لأعرض عليها ما تلقيته لها من استجابات لرسالتها.

رابط رسالة الإصرار

رابط رسالة حصاد الصبر

  نشرت في جريدة الأهرام باب بريد الجمعة سنة 1998

راجعها وأعدها للنشر/ نيفـين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات