حصاد الصبر "تتبع رسالتي الإصرار والعاصفة".. بريد الجمعة عام 1999
يقول الصوفية فى بعض كلامهم
الجميل إن المحبة هى الموافقة أي الطاعة له فيما أمر، والانتهاء عما زجر والرضا بما
حكم وقدر.
عبد الوهاب مطاوع
أكتب لك هذه الرسالة في مناسبة مهمة في حياتي أردت أن أشركك معي فيها
وأن أذكرك بدورك الذي قد تكون نسيته الآن في إتمامها.. فأنا مهندس شاب
بوزارة الري عمري 38 عاما.. وأما بداية القصة فلعلك تذكر الرسالة
التي نشرتها منذ أكثر من عامين بعنوان الإصرار وكانت لسيدة
متزوجة ولها طفلتان تروي لك فيها عن جارتها الشابة الجميلة البالغة من
العمر29 عاما وتقيم بجوارها في شقة وحدها.. وتقول لك في
رسالتها إن قصة هذه الفتاة قد بدأت منذ سنوات حين كانت في طريقها إلي
كليتها بجامعة عين شمس فصدمتها سيارة مسرعة وحملها المارة إلى المستشفي فتبين أنها
قد أصيبت للأسف بشرخ في العمود الفقري ، وبعد رحلة عناء طويلة بالمستشفيات في
الداخل والخارج ، رجعت إلى حياتها جالسة فوق مقعد متحرك ، ولم
تترفق بها الأقدار فرحلت أمها عن الحياة بعد قليل ، ووجدت نفسها وحيدة في
مسكنها الخالي بعد زواج الإخوة ، وانشغال الأب الذي يقيم في مسكن آخر بحياته
وأعماله ، ولأن كل إنسان مشغول بحياته فلقد أصبحت هذه الفتاة الطيبة
الجميلة تقضي معظم أوقاتها وحيدة تماما في مسكنها المجهز بكل الأجهزة وتقوم
بشئون نفسها وتنظف شقتها وتطهو طعامها ، وتقدم إليها رجل متزوج فرفضت أن تطلب
سعادتها على حساب تعاسة إنسانة أخرى ، وتقدم إليها من جاءها طامعا في مالها وحده
فرفضته لأنها ترجو أن يجمعها ربها بمن يرغبها لنفسه فتحبه ويحبها ، وفي
النهاية طلبت منك هذه السيدة الفاضلة أن تكتب لجارتها الشابة
أن الإعاقة ليست نهاية الحياة وأن أحلامها ممكنة التحقيق حين يأذن الله
بذلك.
ونشرت الرسالة ورددت عليها بما
ألهمه الله لك من كلمات طيبة ومشجعة مؤكدا للفتاة ولمثيلاتها أن نسبة نجاح الزواج
واستمراره في الحالات الإنسانية الخاصة أعلى منها بقدر ملحوظ في الحالات العادية
, وأن خبراء الاستشارات الأسرية في الغرب يرجعون ذلك إلي أن درجة الإصرار على
النجاح تكون عالية للغاية عند الطرف الذي يعاني من الحالة الإنسانية , فيبذل كل
ما في وسعه لإنجاح الزواج ويجد ذلك صداه المتوقع لدي الطرف الآخر فيتجاوز الطرفان
الهنات الصغيرة التي قد يتوقف عندها الآخرون في الظروف الطبيعية.
وفي هذه الفترة كنت أمر بأزمة
نفسية شديدة بسبب عاصفة الأحزان التي هبت على حياتي قبل فترة قصيرة , وليلة نشر
هذه الرسالة كان ألمي قد بلغ مني حدا مضاعفا , وشكوت إلى صديق متدين ما يضيق به
صدري فنصحني بأن أدعو ربي في صلاة الفجر كل ليلة بهذا الدعاء: رب إني لما أنزلت إلي من خير
فقير .. وسألني لماذا لا أمضي
هذه الليلة معه في المسجد حتى نصلي الفجر معا عسى أن يذهب الله عني الحزن ,
واستجبت لما نصحني به وأمضيت تلك الليلة معه في المسجد قائما أصلي .. أو جالسا
أقرأ القرآن الكريم , أو متأملا في صمت.. وفي الصباح المبكر خرجت إلى الشوارع
واشتريت الصحيفة فوجدت فيها قصة هذه الفتاة فشعرت بأنها قد تكون ضالتي التي أبحث
عنها دون جدوى, ووجدت نفسي أكتب إليك معلقا على قصتها.
ونشرت رسالتي بعنوان العاصفة ورويت لك فيها أنني مهندس عمري 36
سنة ـ وقتها ـ وأنه كانت لي ذات يوم قريب أسرة صغيرة وزوجة غير مصرية تزوجتها
بالرغم من معارضة أهلي لزواجي منها , وأن هذا الزواج كان بداية لعاصفة من
الأحزان في حياتي الخاصة حيث رحل أبي عن الحياة عقب زواجي مباشرة , ومن بعده أمي
أيضا يرحمهما الله , ثم لم يمض وقت طويل على رحيلهما حتى سقطت طفلتي الوحيدة من
الدور الثالث بسبب إهمال أمها في رعايتها , ورحلت هي الأخرى عن دنيا الألم
والأحزان , فلم أستطع احتمال الحياة مع زوجتي بعد ذلك وانفصلت عنها بالطلاق ,
وعشت وحيدا في شقة بإحدى المدن الجديدة ولم يعد لي من أهل سوى شقيقين يقيمان في حي
بعيد , وفي ختام رسالتي إليك تساءلت ترى هل تقبل هذه الفتاة الارتباط بي على سنة
الله ورسوله عسى أن يواسي كل منا الآخر ويعوضه عن وحدته وأحزانه الماضية ؟..
وبعد
أيام من نشر الرسالة زارتك هذه الفتاة في مكتبك فوق مقعدها المتحرك يصحبها عمها
, وقمتم بتسليم العم عروض الارتباط التي تلقاها مكتبكم بشأنها , وفوجئت بعد
أيام باتصال من والدها بي يدعوني فيه إلى مقابلته في بيته , فتوجهت إليه مستبشرا
ومؤملا أن يحقق الله لي أمنيتي في السعادة والأمان , فكان لقائي الأول بالأب في
مسكنه الذي يعيش به مع ابنه الأصغر وحدهما ولم أجد الفتاة المقصودة.. وشرحت للأب
ظروفي ورغبتي في الارتباط بابنته فلمست منه التحفظ وعدم الترحيب , ثم طلب مني
الانصراف بعد قليل لأن هناك زائرا آخر عن طريق بريد الجمعة سيحضر لمقابلته بشأن
ابنته !
وانصرفت متخاذلا
ومتشائما وشكوت لصديقي الذي علمني الدعاء المفضل, ما لقيت من تحفظ الأب وعدم
ترحيبه بي.. وأرجعت ذلك إلى ظروفي كمطلق.. فسألني ولماذا لا تطرق بابا آخر
كعمها مثلا , ونفذت النصيحة وتم اللقاء بيني وبين هذه الفتاة لأول مرة في بيت
عمتها , فما إن التقيت بها والتقت بي حتى قضي الأمر الذي كنتم فيه تختلفون..
وشعرت بأنها الفتاة التي كنت أبحث عنها من قديم الزمان , وقالت هي لعمتها عني
أنني الشخص الذي رأته في أحلامها يأتي إليها.. ويملأ فراغ حياتها بالحب
والحنان.. واتفقنا على الارتباط.. لكني علمت أن والدها لا يشعر تجاهي
بالارتياح وأنه يرفضني لأسباب مختلفة منها ظروفي السابقة ومنها أنه تساوره الشكوك
في نيتي في استغلال ظروف ابنته الإنسانية.. والاستفادة من مالها وهو مبلغ حصلت
عليه كتعويض من جامعة عين شمس عن الحادث الذي تعرضت له وتحتفظ به كوديعة في البنك
, ولم أغضب من الأب , لكني حزنت وتعجبت كيف يصد عن ابنته شابا يرغب في الارتباط
بها لمجرد ظنون ليس هناك أي دليل عليها.. وأي مال يمكن أن يسعى إليه شاب مثلي
فقد طفلته الوحيدة قبل عامين ويعاني من وحدته وأحزانه؟!
ولم أدر في حينه
بما دار بشأني بين الأب وابنته , لكني علمت فيما بعد أنه رفضني , وأن ابنته
تمسكت بي بشدة وأعلنته برغبتها في الارتباط بي فاستجاب لها بضغط من شقيقه
وشقيقته. وذهبت للقائه في مسكنه أخيرا وقرأنا الفاتحة , واستجبت لكل مطالبه
بلا ممانعة.. قال لي إن مسكني بعيد وفي الدور الثالث ولا يصلح لابنته, فوعدته
بتغييره وسعيت إلى بيع شقتي بالمدينة الجديدة , وقبلت بيعها بثمن بخس , وحدد
قيمة الشبكة والمهر والمؤخر فقبلت بكل ما أراد ,وطلب مني أن أعطيه ثمن الشقة بعد
بيعها ليودعه في البنك باسمه إلى أن أحضر الشقة الجديدة ولكيلا أتنصل من وعدي
بإحضار شقة أخرى لابنته غير شقتها التي تقيم فيها وحيدة وهي صغيرة , فقبلت بذلك
ووعدته به ونفذته فيما بعد بالفعل.. كل ذلك وأنا سعيد ومتفائل وأشعر بأن كل لقاء
بيني وبين هذه الفتاة يقرب بيننا والأب على ما هو عليه من تحفظ وعدم حماس..
وحددنا موعد عقد القران في المسجد ورفض الأب أن يشتري لابنته فستانا أبيض رغم
قدرته المالية ولا أن يسمح لي بشرائه , وقبلنا بذلك صامتين , ورفض استدعاء
كوافيرة لزينة المحجبات من مثيلات ابنته وقبلنا بذلك راغمين , ورفض أن تذهب معي
لشراء الشبكة , ولم أعترض على ذلك وتم عقد القران في تحفظ أقرب إلى التجهم
والجفاء الصامت منه إلى الفرحة والابتهاج , وانصرف الأب عقب عقد القران وحملتنا
السيارة إلى مسكن زوجتي , فما إن اقتربنا منه حتى بدأ الفرح الحقيقي الذي لم
نجده من قبل.. فلقد التف حولنا جيران زوجتي الطيبون ومنهم السيدة الفاضلة التي
كتبت لك عنها, وبدأ الطبل والزمر والغناء والزغاريد والابتهاج الصادق الصادر عن
القلب بلا شائبة واندفعت السيدات الفاضلات وبناتهن يقبلن زوجتي ويغنين لها
ويداعبنها وانفعل جار طيب على المعاش فأخرج مسدسه وأطلق منه عدة طلقات في الهواء
طربا وابتهاجا بسعادة هذه الفتاة التي طالما تعاطف مع ظروفها من قبل. وحمل إلينا
الجيران الطعام والشراب والتورتة وشاركونا فيها.. ولم يغادرونا إلا عند منتصف
الليل وهم يوصوننا بأن نبدأ حياتنا الزوجية بأداء ركعتي شكر لله عسى أن يبارك لنا
في حياتنا وصحبتنا وسعادتنا.
وبدأنا حياتنا
الزوجية معا وكل منا كالأرض العطشى إلى الحب والحنان والعطف من شريكه الجديد..
ووجد كل منا بغيته لدى الآخر.. فوجدت فيها الطيبة والعطف والاهتمام الزائد بي
والقلق الشديد علي إذا تأخرت عن موعد عودتي إليها ولو لفترة يسيرة, كما وجدت
فيها أيضا ربة البيت الممتازة والطاهية الماهرة , ووجدت هي في ما تقوله من إنني
أعطيتها كل ما افتقدته في حياتها من قبل من حنان وحب ورعاية , وخلال حياتنا
المشتركة معا بعت شقتي في المدينة الجديدة وحصلت على شقة بالدور الأرضي بالإيجار
الجديد أوسع من شقة زوجتي السابقة لكي يتسع مجال الحركة أمامها.. وكتبت عقد
الإيجار باسمها , وفتحت بإذن من المالك بابا من المطبخ إلى الشارع ووضعت مدخله
بحيث يصبح منزلقا ليسمح للكرسي المتحرك بالدخول والخروج , واشتريت بما تبقى معي
من ثمن الشقة سيارة مجهزة لزوجتي وكتبتها باسمها.. وأهديتها مقعدا متحركا
جديدا, وأعطيتها توكيلا عاما عني للتصرف في كل شيء.. وسعدت زوجتي بالمسكن
الجديد وصنعت لنفسها سريعا صداقات جديدة مع جيراننا لأنها تدخل القلوب بيسر,
وتجد دائما من يحبونها ويتطوعون لخدمتها.. واستمرت صداقتها بالسيدة الفاضلة التي
كتبت لك عنها.. ولم تمض شهور حتى كان جنين الحب يتحرك في أحشاء زوجتي, وعاشت
زوجتي تجربة الحمل بمشاعر بهيجة.. واقترب موعد الولادة فحصلت من عملي على إجازة
ودخلت معها المستشفى ولازمتها فيه حتى وضعت مولودنا الأول , ولقد فكرنا جديا في
أن نسميه باسمك لولا أنه كان قد سبق مني النذر إلى الله سبحانه وتعالى أن أسميه
إذا جاء ذكرا عبد الله.. وإذا جاءت أنثى مريم ولقد أنعم الله علينا بعبد الله
منذ 20 يوما.. وكانت هذه هي المناسبة السعيدة التي أردنا أن نشركك معنا فيها
ونذكرك بقصتنا معك.. ولقد عدنا من المستشفى إلى البيت حاملين مولودنا الصغير
فتلقتنا الجارة الطيبة الجديدة التي تناديها زوجتي يا خالتي بالنصائح المجربة في
رعاية الأطفال حديثي الولادة وعلمت زوجتي كيف تتعامل مع مولودها , وكيف ترضعه
, وتغير ملابسه الخ.. وساعدتها في ذلك , وحملته عنها كثيرا, وعرضت عليها
أن ترعاه في غيابها إذا اضطرت للخروج.
وها نحن نكتب إليك
الآن بعد أكثر من عام من زواجنا وأقل من شهر من إنجابنا طفلنا الصغير لنقول لك إن
الإصرار الذي تحدثت عنه في ردك على الرسالة الأولى يدفعنا إلى إنجاح زواجنا
واستمراره.. وان الحب الذي جمع بيننا يترسخ ويتعملق ويتعمق, ولقد غير كل ذلك
من نظرتنا السابقة للحياة.. فأذهب الله عنا الحزن.. والوحدة.. والمعاناة ,
وأنعم علينا بالسعادة والعشرة الطيبة والاهتمام المتبادل.. وتغيرت نظرة زوجتي
إلى كثير من الأشياء, فلقد كانت بتأثير من بعض ما شهدته ولمسته من آلام في
حياتها, تتوجس من الدنيا وبعض الناس.. فأقنعتها بأن الخير في الدنيا إلى يوم
يبعثون , ودعوتها ذات مرة إلى التجربة العملية ونحن نتجول في الشارع وهي على
مقعدها المتحرك, فأبلغتها أنني سأبتعد عنها وأدعها تسأل المارة أن يساعدوها في
عبور الشارع أو في شراء شيء من المحلات أو أداء أي خدمة لها, وابتعدت عنها
بالفعل.. وجلست هي وحيدة في مقعدها ثم سألت أول عابر بها أن يعينها على
أمرها.. فإذا بكثيرين يتوقفون للحديث معها ويبشون في وجهها ويعرضون استعدادهم
لأداء خدمة لها.. فرجعت إليها مبتسما وشكرت الجميع ودفعت المقعد في طريق
العودة..
أما
أنا فلقد انهمرت علي جوائز السماء التي تتحدث عنها منذ تزوجت هذه الإنسانة الطيبة
الجميلة وهطل علي الرزق الحلال من أبواب السماء بلا حساب والحمد لله.. وسافرت في
مهمة مندوبا من وزارة الري إلى أوغندا لمدة 8 أيام لحل مشكلة فنية في بحيرة
فيكتوريا, وحصلت على بدل سفر بالعملة الصعبة لأول مرة في حياتي, كما حصلت منذ
زواجي وحتى الآن على مكافآت تفوق في مجموعها كل ما حصلت عليه من مكافآت طوال مدة
خدمتي.. وحصلت لأول مرة في حياتي على مكافآت بأرقام فلكية بالنسبة لدوائر
الحكومة.. فإن كان لزوجتي الآن من مطلب فهو في أن تواصل الاهتمام بمشاكل
المعاقين وتدعو الدولة للعناية بهم وبرعايتهم والاهتمام بتوفير العلاج الطبيعي
والوظيفي لهم لكي يتكيفوا مع حياتهم, وإلي الاهتمام بإنشاء مداخل منزلقة لهم في
كل المباني العامة والعمارات كما هو الحال في الدول المتقدمة, لكيلا أضطر كما
تقول هي إلي حملها بمقعدها كلما ذهبنا لأداء عمل في احدي الجهات أو زيارة احدي
الأسر..
وختاما.. فإني وزوجتي لا نملك لك في النهاية إلا الشكر والدعاء.. ونرجو أن
تتقبل منا هذا المصحف المرفق وهذه المسبحة المتواضعة رمزا للشكر والحب
والعرفان..
وأنهي رسالتي إليك بهذا الدعاء الحبيب شكرا وامتنانا لله رب العالمين: رب إني
لما أنزلت إلي من خير فقير.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ولكاتب هذه الرسالة أقول :
مازلت أذكر حتى الآن ملامح هذه
الفتاة الطيبة حين زارتني فوق مقعدها المتحرك مع بعض ذويها عقب نشر قصتها. كما
مازلت أذكر أيضا رسالتك التي تضمنت رغبتك في الارتباط بها وقصتك مع عاصفة الأحزان
التي عصفت بحياتك قبلها.
فأية سعادة أن أعرف الآن أن
الأقدار الرحيمة قد مسحت علي أحزانكما معا وجمعت بينكما في بيت هانئ صغير.. أثمر
الحب فيه ثمرته المباركة ووهبكما الله من لدنه غلاما جميلا ؟
إن في العالم كما يقول الكاتب
المسرحي الأمريكي تيرنس راتنجان ظلاما كثيرا ولهذا فهو يرحب بكل شمعة ولو كانت
صغيرة تبدد بعض ظلامه, وهذه التطورات السعيدة في حياتكما هي شمعة صغيرة جديدة
تصحح عن الحياة بعض أخطائها وتزيل بعض ظلامها.
ولقد تأملت قصتكما مليا فلم أجد لها عنوانا ابلغ من هذا العنوان: حصاد الصبر! أي جوائزه التي يعد الله سبحانه وتعالي بها الصابرين في الدنيا والآخرة ويبشرهم بالفوز بها.
ولقد صبر كل منكما على آلامه
وأحزانه الشخصية وظروفه الإنسانية وتعلق أمله برحمة ربه في أن يذهب عنه الحزن
ويؤنس وحشته ووحدته ويهبه السعادة والأمان فصدقت النية في الطلب. وهيأت الأقدار
كلا منكما لأن يكون لرفيقه الأمل.. والعزاء وفدية الأحزان, فروي أرضه العطشى
بماء الحب والعطف والحنان وارتوى من نبعه.
فإذا كنت قد ووجهت في البداية
بتحفظ الأب وتشككه في نيتك تجاه فتاته فلكم يخطئ الإنسان التقدير في كثير من
الأحيان.. ولكم تفسد علينا الظنون والهواجس أحيانا ما كنا جديرين بأن نسعد به
وتسكن أرواحنا إليه لو كنا قد غلبنا لدينا الإيمان بخيرية الحياة وحسن الظن بالآخرين
علي التوجس منهم والتشكك في نياتهم. غير أن فتاتك الطيبة قد حسمت الأمر علي أية
حال بترجيحها لحسن الظن فيك على سوئه.
ولم يخذلها حسها الصادق فيمن توسمت فيه الخير والعطاء والحمد لله. ولكم كان مثيرا للتأمل.. أن تأتي الفرحة الصادقة والابتهاج الغامر بسعادة قلبين جريحين من جانب الجيران والأصدقاء وليس من الأهل وذوي القربى. لكن كل ذلك قد مضي إلى سبيله وأصبح من الذكريات, ولعله قد أصبح أيضا من تحديات السعادة التي تشحذ رغبتكما المشتركة دانما في الحفاظ عليها والدفاع عنها ضد ظنون المستريبين..
والصوفية يقولون لنا في بعض
كلامهم الجميل إن المحبة هي الموافقة أي الطاعة له فيما أمر, والانتهاء عما زجر,
والرضا بما حكم وقدر. ولقد رضي كل منكما بما قدر له ربه وحكم.. فكان حقا على
السماء أن تستجيب لدعائه بأن ينزل إليه ربه من الخير ما هو فقير إليه.. وهذا الدعاء
المفضل لديك بالمناسبة هو من دعاء سيدنا موسي عليه السلام وقد ورد في الآية 24
من سورة القصص, في سياق قصته حين فر من مصر عقب قتله لمن كان يقتتل مع أحد أبناء
قومه وتوجه إلى مدين خائفا يترقب وداعيا الله ان يهديه سواء السبيل, فرأي عند
ماء مدين زحاما غفيرا وامرأتين تتراجعان عنه يائستين من السقيا, فسقي لهما ثم
أوي إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير أي أني في حاجة إلى ما تسوقه إلي من خير
ورزق فكانت هذه الضراعة بداية لما أنزل الله إليه من خير عميم بدأ بزواجه من إحدى
الفتاتين. وتوج بنزول الرسالة عليه في طريق عودته لمصر حين آنسي في الطريق نارا
ناحية جبل الطور فتوجه إليها ليأتي من عندها بخبر عن الطريق أو جذوة منها يستدفيء
بهأ أهله.. فاذا به يسمع نداء علويا يقول له: إني أنا الله رب العالمين
فهنيئا لكما ما أنعم به عليكما ربكما من خير حميم.. وبشري لكما باصراركما.. المشترك علي نيل السعادة والحفاظ عليها وعدم والتفريط فيها ذلك انه بقوة الرغبة في السعادة وبالفهم الصحيح لحقائق الحياة وما يستحق منها أن يتمسك به الإنسان ويسعي إليه ومالا يستحق ذلك, يكون عمق السعادة والهناء في حياته.. ويكون الأمل والعزاء عن كل الأحزان .
تنويه هام
لقد تواصل معنا كاتب الرسالة في 12 مايو 2025 واخبرنا أن زوجته أنجبت بعد ابنهم عبد الله المذكور في الرسالة ولدا آخر اسماه محمد وأن والدها كلمها بعدها بخمس سنوات بعد أن وسط عمتها ليسترضيها ومات سنة 2006 أي بعدما صالح ابنته بشهر وبعدها سارت بهم الحياة ورزقهم الله بالكثير والحمد لله ثم توفيت الحبيبة والزوجة الفاضلة سنة 2015 .. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
راجعها وأعدها للنشر/ نيفـين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر