الأرض العطشى .. رسالة من بريد الجمعة عام 1998

 


الأرض العطشى .. رسالة من بريد الجمعة عام 1998
الأرض العطشى .. رسالة من بريد الجمعة عام 1998

إن أول الانحدار خطوة .. ومن طبيعة هذه الخطوة الأولى دائما أن تكون خادعة وأن تشعرنا في البداية أننا لم نبتعد كثيرا عن قمة الالتزام التي كنا نقف فوقها ، لكننا سرعان ما نكتشف أن هذه الخطوة قد قادتنا بالفعل إلى طريق لم يعد في الإمكان الرجوع عنه إلى نقطة البداية التي بدأنا الهبوط منها بغير خسائر أخلاقية جسيمة تخصم من التزامنا الديني والخلقي  ومن احترامنا السابق لأنفسنا .

عبد الوهاب مطاوع 


تابعت بإعجاب المناقشة التي جرت بين قراء بريد الجمعة و قارئاته حول العلاقة الزوجية وأهمية إظهار مشاعر الحب  والعاطفة بين الزوجين في كل مراحل العمر، و أنا سيدة عمري 42 عاما وعلى قدر كبير من الجمال والجاذبية وأحافظ دائما علي حسن مظهري في البيت وفي العمل وقد تزوجت منذ 18 عاما من رجل طيب القلب وصالح ، وكان زواجنا تقليديا لكني تبادلت مع زوجي الحب والاحترام بعد الزواج ، ومضت حياتنا هادئة لا ينغصها علينا شيئا سوى عدم الحمل والإنجاب ..  وبعد رحلة طويلة مع الأطباء استقر رأيهم على أنه لا يوجد مانع من الحمل ونصحنا بعض الأصدقاء بأن نجري تجربة الأنابيب وتوجهنا لمركز كبير ومتخصص في هذه العملية وأجرينا التحاليل والفحوص اللازمة ، وتم بالفعل تلقيح البويضة وأصبح علينا أن ننتظر لمدة أسبوعين لنعرف النتيجة فمضي الأسبوعين والقلق والخوف ينهشنا .. ثم جاءت النتيجة فكانت صدمة شديدة لنا ، إذ لم يحدث الحمل ولم يتحقق الأمل الذي تعلقنا به طوال الوقت ، وبكيت كثيرا .. واكتأب زوجي كثيرا ثم تغلبنا على المحنة أو حاولنا التظاهر بذلك وسلمنا بما أرادته لنا الأقدار .. وواصلنا حياتنا .. وليست هذه علي أية حال المشكلة التي اكتب لك الآن يشأنها وإن كانت ترتبط بها بشكل أو بآخر .. 


فلقد لاحظت خلال رحلة ترددنا على الأطباء قبل تجربة الأنابيب ، أن زوجي كان يتأثر نفسيا كلما زرنا طبيبا أو أجرينا تحليلا أن هذا ينعكس علىي علاقتنا الخاصة كل زيارة ، أما بعد صدمة فشل الحمل عن طريق الأنابيب ، فلقد توقفت هذه العلاقة الخاصة بيننا على الإطلاق ، لان طبيعة زوجي عملية ويؤمن بأن الحب أفعال وليس مجرد أقوال ، فقد أنصرف منذ البداية عن ترديد كلمات الحب وعن التعبير عن مشاعره تجاهي بالكلمات بالرغم من حبه الكبير لي ولقد كنت أتمنى دائما خاصة في هذه المرحلة من العمر أن أسمع منه كلمة الحب والإعجاب .. فضلا عن أني لم أجد لديه الإشباع العاطفي الذي انشغل عنه بأبحاثه و دراساته حيث حصل خلال زواجنا على أكثر من درجة علمية .

  

والمفارقة التي تستحق التوقف أمامها إنني محبوبة جدا في مكان عملي وكنت اسمع دائما كلمات الإعجاب والانبهار بكل ما افعله من زملائي وزميلاتي الذين تجمعني بهم صداقة حميمة واحترام كامل ومجاملات متبادلة ، غير أن احدهم وهو متزوج وله أبناء قد بدأ في الفترة الأخيرة يشعرني بإعجابه الخاص واهتمامه الزائد بي .. وقد وجدتني أيضا اضمر له الإعجاب لكني لا اعبر عنه ، ثم لظروف العمل قدمت استقالتي لكي أتفرغ لبيتي وزوجي منذ بضعة أسابيع فإذا بهذا الزميل يتصل بي للسؤال عني وطلب مني مقابلته خارج نطاق العمل واعتذرت لزميلي السابق عن عدم الاستجابة لرغبته لكني وجدتني بعد ذلك شديدة الاضطراب والارتباك وتتبادلني الخواطر والأفكار المكتومة .





و لكاتبة هذه الرسالة أقول :


الأرض العطشى تتلهف على أيه قطرة ماء .. وهذا هو سبب ما تشعرين به الآن من ضعف و اضطراب تجاه اهتمام زميلك السابق وإعجابه الخاص بك .. لكن ذلك لا يعطيك الحق أبدا يا سيدتي في الاستجابة لهذا الاهتمام، ولا في استمرار الاتصال بينك وبين في هذا الاتصال بينك و بين من تقولين عنه انك تضمرين له الإعجاب في داخلك حتى ولو كنت مازلت ترفضين الالتقاء به في الوقت الحالي .. لان استمرار هذا الاتصال سوف يضعف هذا الرفض تدريجيا وسوف يصل بك خلال وقت ليس ببعيد إلى القبول على استحياء للالتقاء به في البداية .. ثم بغير استحياء ولا تراجع في النهاية .. فأغلقي هذا الباب قبل أن ينفتح أمامك على مصراعيه .. وتهب عليك من خلاله الأنواء والعواصف .

  

ففي مثل ظروفك هذه حيث لا يجمع بينك وبين زوجك سوى الاختيار الإرادي الحر من جانب كل طرف لان يقضي رحلة عمره في رفقة الأخر بلا حديث عن التضحية بالسعادة من اجل الأبناء ولا مغالبة النفس على القبول بما لا ترضاه طلبا لأمانه واستقرارهم في مثل هذه الظروف يا سيدتي فإن شكواك عن افتقادك للإشباع العاطفي والحسي وسماع كلمات الحب والإعجاب من زوجك لا تعطيك الحق في التطلع لما تفتقدينه معه لدى غيره .. وإنما يعطيك الحق المشروع فقط في شيء أخر هو الانفصال عنه إذا تعذر الإصلاح وفقدت الأمل نهائيا في عودته إلى طبيعته السابقة معك ، وبدء حياة جديدة مع إنسان أخر يتوافر فيها لأرضك العطشى كل ما تفتقدينه في حياتك الحالية ، وأنت في تصوري لا ترغبين في الانفصال عن زوجك ولن تكون لك في تقديري حياة أخرى مع غيره .. فما معنى استمرار الاتصال إذن بينك و بين زميلك السابق في العمل سوي أن تبدئي الانحدار معه تدريجيا إلى طريق الخطأ ؟


إن أول الانحدار خطوة .. ومن طبيعة هذه الخطوة الأولى دائما أن تكون خادعة وأن تشعرنا في البداية أننا لم نبتعد كثيرا عن قمة الالتزام التي كنا نقف فوقها ، لكننا سرعان ما نكتشف أن هذه الخطوة قد قادتنا بالفعل إلى طريق لم يعد في الإمكان الرجوع عنه إلى نقطة البداية التي بدأنا الهبوط منها بغير خسائر أخلاقية جسيمة تخصم من التزامنا الديني والخلقي  ومن احترامنا السابق لأنفسنا ، ولهذا كله فاني قد أتصور انك تريدين في قرارة نفسك بهذه الرسالة أن تلفتي نظر زوجك المنشغل عنك بأبحاثه وإحباطه ويأسه من أمل الإنجاب ، إلى أن أرضك تتلهف على قطرات الماء التي تروي عطشها العاطفي وأنه إن لم يفعل ذلك فقد تضعفين أمام الإغراء الخارجي الذي يشعرك بأنوثتك المحرومة وجمالك الذي يحظي بإعجاب الغير .. فإذا كان الأمر كذلك - وأرجو أن يكون كذلك - فإني أقول لزوجك أن استمرار انصرافه عنك يعرضك بالفعل للخطر والضعف أمام المغريات ، وقد يفلتك للأسف من قيمك الدينية والأخلاقية ويعود عليك بأوخم الضرر .

    

وأقول له أيضا أن مشكلته هي أنه كان يربط نفسيا بين علاقته الخاصة بك وبين رغبته في الإنجاب منك .. ولهذا فلقد كانت هذه العلاقة تتأثر سلبيا بما يسمعه من الأطباء عن ضعف الأمل في الإنجاب عقب كل زيارة لأحد الأطباء ، وحين فقد الأمل نهائيا في الإنجاب بعد فشل تجربة الحمل عن طريق الأنابيب فقد هذا الدافع النفسي الذي يحثه على هذه العلاقة بك .. وكل ذلك خطأ يجب أن يتوقف عنه على الفور ، وأن يراود نفسه على أن يرغب فيك لنفسك ولدوافع عاطفية وغريزية فضلا عن واجبه في تحصين زوجته وإعفائها وليس فقط لدوافع الرغبة في الإنجاب كما كان الحال في السابق .

  

فقولي له كل ذلك يا سيدتي بلا حرج والتصقي به وقربيه إليك أكثر ورددي على مسامعه كلمات الحب والشوق والهيام .. وذكريه بحاجتك إلى سماع مثلها منه في كل 

الأوقات و لسوف تتغير الأحوال إلى الأفضل قريبا بإذن الله .

رابط رسالة الزلزال المدمر "تعقيبا على هذه الرسالة"

رابط رسالة كشف المستور تعقيبا على هذه الرسالة


 *نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1998

كتبها من مصدرها / سالي ياسر
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي



Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات