العسل الصافي .. رسالة من بريد الجمعة عام 1994
أنا سيدة في الخمسين من عمري تزوجت زوجي ورفيق عمري وأنا صغيرة , وأصبت وأنا في هذه السن بمرض خطير صارعته بكل قوتي وظللت طريحة الفراش أربع سنوات سجينة في بدلة الجبس إلى أن منّ علي الله بالشفاء فرحل المرض عني بعد أن أخذ معه جزءا مني, لكن لم أشعر بفقده , لأن زوجي عوضني عنه بالحب والاهتمام والرعاية. ومضت بنا سفينة الأيام في نهر من الحب والاخلاص وإنكار الذات كأسرة سعيدة مكونة من زوجين وأربعة أبناء وتخرج ثلاثة منهم وأوشكت الرابعة على التخرج .. ثم نقل زوجي من عمله إلى قسم آخر .. وزوجي ظريف وخفيف الظل وسريع البديهة ومثقف ومتدين إلى أبعد الحدود ومعروف عنه أن كلامه كالعسل النقي !
لكنه منذ أن أنتقل إلى هذا القسم الجديد تغير حال رفيق عمري , وفي البداية تظاهرت بأني لم ألحظ شيئا إلى أن نبهني الأبناء إلى ذلك فنهرتهم وبعد ذلك صارحته بوساوسي وملاحظاتي على تغيره , فأنكره وظللت عاما كاملا بين أخذ ورد في هذا الموضوع الممل إلى أن جلسنا جلسة مصارحة ودية فاعترف لي بأن هناك زميلة له في العمل على خلاف مع زوجها وأنه حاول أن يصلح بينهما فلم يوفق وأنه واصل محاولاته معها وبالطبع فلكي يكون هناك صلح لابد أن يكون هناك أيضا كلام معسل وجميل وبدلا من أن تنجح مساعي الصلح انجذبت هذه الزميلة إلى زوجي , وقاومها فترة فلم ترجع عن هدفها وانتهت جلسة المصارحة بيني وبين زوجي بصفاء النفوس وعاد زوجي الحبيب إلي وبيته وأولاده , وكان صادقا فيما قال لي فكان كلما أرسلت إليه هدية أطلعني عليها ! وإذا كانت طعاما يعطيه للبواب ثم يقول لها أنه كان شهيا ولذيذا ومع ذلك لم تتوقف الهدايا وأخيرا طلبت من زوجي أن يعرفني بها لكي أنصحها عسى أن ترجع عن عنادها خاصة وأن لها أطفالا , لكن زوجي لم ير لي ذلك مناسبا, ولهذا فكرت أن أرسل إليها رسالة مفتوحة عن طريقك أرجوها فيها بكل الصدق أن ترجع إلى صوابها وتتنازل عن كبريائها مع زوجها قليلا وتسوي خلافاتها معه بشئ بسيط من التنازل والمرونة حتى ينشأ أولادها بين أبوين تنشئة صحية .
مع أطيب تمنياتي لها بحياة سعيدة ومستقرة مع زوجها وأطفالها بإذن الله.
فهل تنشر لي هذه الرسالة انقاذا لسعادتي مع زوجي وانقاذا أيضا لسعادة أطفال صديقة زوجي الكريمة ؟
جميع الحقوق محفوظة لمدونة "من الأدب الإنساني لعبد الوهاب مطاوع"
abdelwahabmetawe.blogspot.com
ولـــكــاتـــبة هــذه الــرســالــة أقـــول:
أنشرها بكل ترحيب حتى ولو كانت مخالفة لطبيعة رسائل هذا الباب , لكن لا بأس بذلك مادامت الغاية شريفة في النهاية .. فكل ما يسهم في إنقاذ سعادة أسرة كأسرتك , واستقرار وسعادة أطفال كأطفال "الأخرى" مطلوب ومرغوب ولو كان خارجا عن المألوف .
غير أن الأهم من توجيه النداء هو أن تستجيب له صاحبة الشأن , ولقد فهمت من رسالتك لها أن من أسباب خلافها مع زوجها تمسكها بكبريائها معه ولهذا فإني أضم صوتي إلى صوتك في مطالبتها "بحرارة" بالتنازل عن هذا الكبرياء على الفور لصالح الجميع وإلى أن تراجع نفسها وتتبصر وجه الحكمة والعدل والصواب ومصلحة أطفالها في ندائك المهذب إليها , وأرجو أن تنصحي زوجك ومن باب الاحتياط بأن يقتصد قليلا في افراز العسل الأبيض النقي من لسانه مع الأخريات تجنبا للمشاكل وتوفيرا للنداءات المماثلة في المستقبل .. وشكرا.
نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" يناير 1994
كتابة النص من مصدره / بسنت محمود
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر