الشروط .. رسالة من بريد الجمعة عام 1991

 

الشروط .. رسالة من بريد الجمعة عام 1991


الشروط .. رسالة من بريد الجمعة عام 1991



أرجو ألا تنتابك الدهشة أو العجب من رسالتي هذه .. لكني صدقني أنني لا أجد لنفسي مخرجا مما أنا فيه سواها .. فأنا شاب أعزب موظف مقيم بالإسكندرية وحاصل على ليسانس الآداب عمري ٣٦ سنة ومرتبي بلا فخر مائة جنيه ادفع نصفها للأسرة مساهمة في نفقات البيت وليس لدي شقة وكل مدخراتي لا تتجاوز بضع عشرات من الجنيهات .. والمشكلة هي أني أريد أن أتزوج بشدة وفي أسرع وقت وبأي طريقة لأني أعاني من فتنة النساء، فماذا أفعل يا سيدي ؟

 إنني أرجوك أن تنشر لي هذا الإعلان مع معرفتي بأنك لا تنشر إعلانات الزواج لكن ظروفي تجعلني أطلب منك استثنائي من ذلك خاصة إذا عرفت شروطي، فیمن اطلب زواجها .. فالحقيقة وبلا أي خجل هي أني اقبل الزواج من زوجة تتراوح سنها بين ٢٠ سنة و60 سنة وأنا جاد في ذلك ولا أهزل صدقني ولا يهم أن تكون مطلقة أو أرملة أو لا تنجب .. أو معاقة ، بشرط واحد هو أن تكون ميسورة الحال ولديها سكن مؤثث لأني غير قادر على شراء كرسي واحد.

 أعرف أن مثل هذه الشروط قد تثير الأقاويل عني لكني شرحت لك أسبابي بصراحة وصدق وهي أني أقدم تنازلات لا يستهان بها في السن والحالة الاجتماعية مقابل أن تكون الزوجة ميسورة الحال وعندها سكن مؤثث .. وليس معنى هذا أني أريد زوجة تنفق علي كما قد يتصور البعض، وإنما معناه فقط أني أريد زوجة لا تكون في حاجة إلى المال وإنما إلى إنسان يسعد أيامها .. وتأكد أني سأكون هذا الإنسان مهما كانت سنها أو حالتها الاجتماعية .. ذلك لأني أريد السعادة بشدة وظروفي لا ترشحني لها إذا اتبعت الطرق التقليدية كما تأكد أيضا أن هناك كثيرات في المجتمع يقبلن الزواج ممن هو مثلي لكن كلا منا لا يعرف الآخر .. فهل تساعدني في حل مشكلتي بنشر رسالتي ؟

 

 ولكاتب هذه الرسالة أقول :

 قرأت رسالتك فابتسمت .. ثم تفكرت فيها قليلا فاكتأبت.

 لهذا أرجو ألا تتعجب أنت إذا قلت لك أني لم أتشكك في جديتك ولا في صدقك وأنت تؤكد استعدادك لرفع سن العروس المنتظرة إلى الستين .. أو وأنت تؤكد أنك لا ترغب في عروس تتولى الإنفاق عليك بل في عروس في غنى عن جنيهاتك القليلة وفى حاجة إلى رجل كما أنت في حاجة ملحة إلى امرأة !

 إنني استطيع أن أقول لك الكثير عن مثل هذا الزواج المقترح واستطيع أن أقول لك أن الزواج لمجرد الإشباع الغريزي لا يضمن استقراره واستمراره ولا يحقق السعادة .. وأن أقول لك إن زواج المصلحة مشروع انتهازي ضد المنطق وضد كل عوامل النجاح والاستمرار وأن ما تفكر فيه هو الحل السهل الذي يراود أحلام الكسالى والعاجزين عن الكفاح دائما.

 كما استطيع أيضا أن أنصحك بأن تبحث عن فتاة اصغر منك تحبها وتحبك وتكافحان معا لبناء عشكما الصغير بعد سنوات تطول أو تقصر حسب الظروف فهذا هو منطق الأشياء .. لكن من قال أن الحياة تلتزم دائما بالمنطق في كل تصاريفها .. وماذا نستطيع أن نقول عن هذه الظروف القاسية التي تطحن شباباً يرغب في التعفف ونيل حقه المشروع في السعادة فلا ترشحه ظروفه إلا للخيار القاسي بين الرذيلة وبين مكابدة الحرمان لآجال غير معلومة .. لهذا فلن أقول لك شيئا من ذلك لأن كل الحقائق ليست غائبة عنك .. وإنما سأقول لك فقط واستثناء من كل ما أؤمن به .. ليكن الخير فيما يختاره لك ربك مع الأمل دائما في رحمته .. وعدله .. والسلام .

نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" أغسطس 1991

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات