تحت المائدة .. رسالة من بريد الجمعة سنة 1993

تحت المائدة .. رسالة من بريد الجمعة سنة 1993

تحت المائدة .. رسالة من بريد الجمعة سنة 1993

رجعت إلى مراجعي وأمضيت يوماً طويلا أقلب في كتب الفقه والتفاسير باحثاً عن ثغرة تجيز لنا إخراج الأب الذي لم يبر أبناءه من زمرة الآباء والأمهات الذين تناولتهم الآية الكريمة فلم أجد، بل وجدت ما يؤكد لي إيماني الدائم بأن حقوق الأبوين على الأبناء واجبة الأداء ولو لم يبروا أبناءهم أو لم يعينوهم على البر بهم في الكبر باستهتارهم وأنانيتهم .. إذ ليس هناك ما هو أبشع من الشرك بالله وقد أمرنا الله بألا نطيعهما فيه وأن نصاحبهما بعد ذلك في الدنيا معروفاً .. وحكمة الدين في ذلك أن بر الأبناء بهم من التكاليف الدينية التي لا يحق لنا أن نتوقف أمامها لنفرز من يستحقون الالتزام بها تجاههم ومن لا يستحقون، كما أن المكلف بذلك لا يؤدي هذا التكليف طلباً لمودة أبيه وأمه وإنما يؤدي إبراء لذمته أمام الله سبحانه وتعالى تاركاً حساب أبويه عما صنعاً به إلى أعدل العادلين .

عبد الوهاب مطاوع


دفعتني رسالة "دوائر الدوامة" للزوجة الشابة التي تشكو من"كسل" زوجها الشاب المدلل واعتماده علي أشقائه في كل شئ , ونومه 12 ساعة كل يوم تاركاً لها وحدها مواجهة المشاكل المادية وحلها نيابة عنه ! للكتابة إليك فقد حركت هذه الرسالة ذكرياتي القديمة .. ثم واجهت منذ فترة قصيرة موقفا "دراميا" آخر أهاج مشاعري, فاعتزمت أن أكتب لك ليقرأ هذا الشاب وأمثاله قصتي ولأستشيرك أيضاً في هذا الموقف الدرامي.

 

 فأنا رجل أبلغ من العمر 44 عاما .. نشأت لأب مغامر يعمل عملاً مهنياً بعد استقالته من الحكومة, ومن أسرة ميسورة, ولأم من أسرة كريمة لكنها فقدت عزها وثراءها في طفولتي المبكرة, وإن لم تفقد قيمها ولا أخلاقها .. وقبل سن التاسعة من عمري تنبهت حواسي على واقع حياتنا فوجدت أمي تفيض علينا عطفاً وتقف عاجزة أمام جموح أبي المغامر الذي "يختفي" عاماً أو عامين تاركاً أسرته بلا مورد .. ثم يعود فجأة وتعرف أمي أنه قد تزوج وطلق في فترة الغيبة بعيدا عن مدينتنا الصغيرة, ورغم ذلك تقابله بالتسامح والاحترام , وتنهي إخوتها الذين يتألمون لحالها عن أن يغاضبوه أو يزجروه أملا في أن يستقر في بيته هذه المرة ويرعى أولاده, فلا يمضي شهر أو شهران .. حتى "يغطس" مرة أخرى بنفس الطريقة ولعام أو عامين قادمين وهكذا .. وأسرف أبي في الزواج فبدد ثروته التي ورثها عن أبيه وأفلس وأغلق مكتبه المهني .. وتوقف عن الإنفاق نهائيا علينا وأنا في التاسعة من عمري, ووجدت أمي نفسها مع أولادها الأربعة قد أصبحوا بلا مورد نهائيا, في نفس الوقت الذي فقدت فيه أسرتها وأخوتها عزهم القديم وحدائقهم المثمرة مع تقلبات الأيام وكثرة الأبناء, وتشاور الأهل في مستقبل أسرتها, وكانت أسرة أبي مازالت ثرية ولها حدائقها في بلدتنا , فاستقر رأي جدي لأبي على أن يضعني أنا أكبر أخوتي إلي أسرته في القاهرة, وأن يعطي لأمي مبلغاً شهرياً متواضعاً تواجه به نفقات أسرتها وفارقت أمي وإخوتي راغما وانضممت لأسرة جدي الذي يعيش مع جدتي وعمتين شابتين لي.

 

وكانت شقة جدي مكونة من ثلاث غرف أحداها للصالون, والأخرى لنوم جدي وجدتي, والثالثة تنفرد بها عمتي الصغرى المدللة الطالبة بالثانوي, أما الصالة ففيها السفرة وإلى جوارها كنبة بلدية .

وجاء الليل بعد أول يوم لي مع أسرة جدي فأعطتني جدتي بطانية ممزقة ومخدة رثة وأشارت إليّ أن أنام على البلاط تحت السفرة رغم وجود الكنبة بالقرب منها, وامتثلت طائعاً لحياتي الجديدة, وأصبحت منامتي الدائمة تحت المائدة, وأصبح يومي حسب تعليمات جدتي لي يبدأ في السادسة صباحاً فأنهض من النوم, وأرفع "فراشي" وأخفيه في المطبخ, وأكنس الصالة وأمسحها بالماء والخيشه, ثم أنزل الشارع فأشتري الخبز والفول وأعد طعام الإفطار "لسادتي" الجدد على مائدة السفرة .. بينما أكل أنا لقمة ببقايا الفول على عجل في المطبخ ثم أعد لهم الشاي, وبعد غسل أطباق الإفطار أرتدي ملابس المدرسة القديمة وأذهب إلى مدرستي وأعود منها في الظهر فأضع كتبي في المطبخ, وأنزل لأشتري الخضار واللحم لجدتي وأساعدها في الطهي .. وأعد السفرة للغداء وأرفع الأطباق وأغسلها وأغسل الأواني , وأكنس الشقة مرة أخرى تحسبا لقدوم زوار, وربما تطلب الأمر مسحها بالماء مرة ثانية وأصنع الشاي ما لا يقل عن 8 أو 10 مرات لمن يريد, وأساعد جدتي في الغسيل على الغسالة القديمة إلى جانب غسل جوارب عمتي ومناديلها, بل وملابسها الداخلية أيضاً على يدي في الحوض كلما طلبا مني ذلك, وفي الليل أختلس بعض الوقت لمذاكرة دروسي وأظل مستيقظاً أغالب النوم حتى ينصرف إذا كان هناك ضيوف ويدخل جدي وجدتي إلى غرفتهما .. وقرب منتصف الليل احضر فراشي من المطبخ وأضعه تحت مائدة الطعام وأنام كالقتيل.

 

وباختصار فلقد وجدت نفسي يا سيدي للأسف "خادماً" صغيراً في التاسعة من عمره يعمل لدى أسرة جده وجدته الميسورة .. مقابل إعانة جدي لأمي وإخوتي بمبلغ شهري بسيط بعد أن تخلى أبي نهائياً عن مسئوليته عنا.

أما الملابس فلقد كان للمدرسة قميص وبنطلون قديمان من مخلفات أطفال الأسرة العديدين للمدرسة .. وللبيت جلباب من قماش الدمور الرخيص الذي تصنع منه أكياس الدقيق, وقد خيط لي بلا اعتناء فجاء "ختم" الشركة الكبير فوق ظهري باديا للعيان كأنما يذكر الجميع بوضعي المؤلم ومأساة أسرتي وأخوتي مع أبينا ! ومع ذلك فلم أكره جدي ولا جدتي ولا عمتي الكبرى ولا حتى عمتي الصغرى المدللة التي كانت ترهقني بطلباتها المتكررة طوال النهار ولا تفعل هي أو أختها الكبرى شيئاً بيديهما أبداً, وإنما يتركان كل شئ إلي.

 

ولقد كانت عمتي الصغرى طالبة متعثرة بالمرحلة الثانوية .. وتحاول أن تسهر للاستذكار وتطالبني بالسهر معاً لأشجعها على المذاكرة , وأيضاً لعمل الشاي والقهوة لها طوال الليل .. وتعطيني أقراصاً منبهة كانت منتشرة وقتها بين الطلبة لكي أقاوم الرغبة القاتلة في النوم التي تنتابني بعد إرهاق اليوم الطويل , فاستجيب لطلبها طائعاً أو راغماً .. وأظل أغالب النوم حتى الثانية صباحاً, كما كانت سامحها الله توقظني من النوم بعد منتصف الليل في ليالي الشتاء القارسة لأعد لها ولصديقاتها الساهرات معها للمذاكرة الطعام والشاي, ومع كل ذلك فقد كانت ترسب وتعيد كل سنة في عامين أو ثلاثة .. في حين كنت أنا "للعجب" متفوقاً في مدرستي ولا أذاكر أكثر من ساعة أو ساعتين وأجي دائماً بين الأوائل, ولعل هذا ما شفع لي في إعفائي من رسوم المدرسة التي لم تكن تزيد علي ثلاثة جنيهات ونصف الجنية سنوياً .. والتي مازلت أعجب حتى الآن كيف كان جدي يستطيع أن يصطحبني معه للمدرسة ليقدم لي طلباً بإعفائي منها للناظر بحجة أني "فقير" ناسيا أنني في نفس الوقت حفيده وهو ميسور وقادر على دفعها !

 

المهم أن أيامي مضت على هذا الحال حتى حصلت على الإعدادية , ورق قلب جدي لي فألح على جدتي أن تسمح لي بالنوم على الكنبة في الصالة بعد أن كثرت أمراضي وآلام جنبي وظهري من النوم على البلاط .. فوافقت أخيراً وخرجت من تحت المائدة لأول مرة بعد 5 سنوات, وبدأت أسرة جدي تبحث مستقبلي التعليمي, فأشار علي المشيرون أن الأفضل لي هو أن أتطوع في القوات الجوية لأتكفل بنفسي, وأرسلوني بالفعل مع أحد الأقارب لتقديم طلب التطوع وصاحبته حتى باب المعسكر, ثم تمردت فجأة لأول مرة على أوضاعي وهربت منه, ورجع القريب إلى جدي ناصحاُ له بأن يسمح لي باستكمال دراستي كرغبتي ولو بإلحاقي بالمدرسة التجارية ووافق جدي على ذلك والتحقت بالمدرسة التجارية , وحصلت على الدبلوم بعد 3سنوات وعملت ببنك الائتمان الزراعي بعاصمة الإقليم الذي تقع فيه مدينتي, وبعد شهر تم تجنيدي بالقوات الخاصة قبل حرب أكتوبر, ومن اللحظة التي تسلمت فيها أول مرتب لي بدأت مسئوليتي عن أمي وأخوتي الصغار.

 

 ولعلك تسألني عن علاقتي بهم خلال فترة معيشتي في بيت جدي فأقول لك أني كنت أراهم مع جدي حين يزور بلدتنا وهي بلدته في نفس الوقت تفيض أمي حباً وحناناً علي ّوترثي لحالي لكنها لا تستطيع أن تفعل لي شيئاً .. وذات زيارة ضعفت ..فرجوتها أن تسمح لي بالبقاء معها وأنام في حضن أخوتي ولو على الأرض مؤكداً لها أن وجودي معهم يخفف من عناء حياتي فبكت وقالت لي عبارتها الأثيرة التي تناديني بها دائماً يا عين أمك! أبق معنا وليفعل الله بنا ما يشاء, لكن جدي زمجر وكان معنى زمجرته أنه لن يتردد في قطع إعانته الشهرية لأمي وأخوتي إذا لم أعد معه .. فرجعت راغماً واستمرت حياتي ببيته إلى أن عملت.

 

أما أبي خلال هذه السنوات فلم أكن أراه وإنما كان يواصل ظهوره واختفاءه كالعادة .. وفي أحد ظهوراته هذه أهدانا شقيقي الأصغر الذي سأحدثك عنه بعد قليل , فأصبحنا خمسة أبناء, وبعد أن عملت في بداية حياتي تكرر ظهوره المتقطع .. ودهشت حين طلبت مني أمي الطيبة ذات مرة مبلغاً من النقود لكي تعطيه هي لأبي المأزوم مالياً حتى لا تجرح "إحساسه" بأن أعطيه أنا مباشرة المبلغ.

وأجبتها إلى ما طلبت إكراماً لها, وانتقلت من عمل إلى عمل آخر بإرادة حكومية ثم حدث أن قابلت إنساناً فاضلاً مع أحد أصدقائي في مناسبة اجتماعية وتحدث معي طويلاً .. ويبدو أنه قد سمع من صديقي طرفا من قصة حياتي .. لأني فوجئت به في نهاية الجلسة يقول لي أنه معجب بشخصيتي وكفاحي ثم أعطاني بطاقة باسمه فإذا به مدير أحد البنوك الأجنبية الجديدة وقتها في مصر , وطلب مني زيارته في اليوم التالي وزرته وفاجأني بترشيحي للعمل معه فامتننت له كثيراً واعتبرت ذلك فضلا له لا تمحوه الأيام..

 

وعينت بالبنك بالدبلوم فوجدت نفسي فجأة في مجتمع جديد وغير مألوف لي, فالموظفون الذين أعمل معهم كلهم من أبناء علية القوم الأثرياء ومعظمهم حديثهم الانجليزية .. وملابسهم مستوردة وفاخرة وسجائرهم أجنبية وكلهم من أصحاب السيارات , فصممت على احترام نفسي معهم وفصلت لي بدلتين لائقتين, وحرصت على ألا أدخن في البنك .. حتى لا أضطر لإخراج سجائري المحلية الرخيصة أمامهم ولم أقبل من أحد سيجارة أو كوب شاي, وأهم من ذلك أنني رأيت أن المحافظة على الكرامة لا تكون بالملابس فقط, وإنما بالكفاءة في العمل وكنت قد سكنت مع صديق لي في شقة صغيرة  بالقاهرة, فأصبحت أدخل البنك وأؤدي عملي المطلوب مني .بإخلاص وبعد انتهائي منه أتطوع لأداء أي عمل زائد , وخلال ذلك كله أنقل في ورقة كل التعبيرات الإنجليزية التي لم أفهمها وأترجمها في البيت من القاموس وأظل أحفظها حتى ساعة متأخرة من الليل.

 

لكني وجدت ذلك غير كاف فالتحقت بالمعهد البريطاني لدراسة الانجليزية ودرستها بدأب حتى تمكنت خلال فترة معقولة من اجتياز أعلى اختباراتها, وأصبحت أجيد الانجليزية قراءة وكتابة وأعمل بها في البنك مما فتح أمامي مجال الترقي فيه .. ثم سألت نفسي بعد ذلك عما ينقصني فوجدت أنه الشهادة الجامعية فانتسبت لكلية التجارة وحصلت على شهادتها بعد 4سنوات , وتفتحت مجالات الترقي أمامي وتلقيت دورات تدريبية في أوروبا وسافرت في مهام مصرفية إلى أوروبا والدول العربية, وحققت خلال وقت قصير نجاحاً كبيراً..أحمد الله عليه, وأرجع الفضل فيه إلى دعوات أمي الصادقة لي ليل نهار, وخلال ذلك كنت قد حصلت على شقة مناسبة بأحد أحياء القاهرة الراقية وتعرفت بزميلة لي بالبنك وتبادلنا الحب وتزوجنا وسعدنا بحياتنا أربع سنوات لم ينقصها شئ حتى ما تأكدنا منه من عدم قدرتها على الإنجاب.

 

 لكن أمها التي لم ترحب بي من البداية على عكس أبيها الطيب رحمه الله , لم تدعنا في حالنا وراحت توسوس لزوجتي بأنني من أصل ريفي وأمثالي يعشقون الأطفال ولا يتخلون عن حلمهم في الإنجاب مهما تظاهروا بغير ذلك ولهذا فإنني "سأغدر" بها ذات يوم قريب..إلخ.

وأثمر فحيحها الدائم ثماره في النهاية ففاجأتني زوجتي بطلب الطلاق وغادرت البيت إلى بيت أمها, ولم أجد مفراً من الاستجابة لطلبها بالطلاق حزيناً لانهيار أول بيت عرفت فيه الاستقرار بعد رحلة العناء الطويلة , وجاء إخوتها لنقل الأثاث, وكنت خلال زواجي منها قد أنفقت معظم ما كسبته على استكمال البيت وتزويده بالتحف والأجهزة حتى لم يكن في حسابي يوم الطلاق سوى 100 دولار فقط.

 

وبدأت أسرتها في إنزال الأثاث فحاولت خالتي العطوف أن تحتفظ لي بالأشياء الثمينة التي اشتريتها من مالي لكني رفضت ذلك وقلت لها لقد خسرت استقراري الذي لم أنعم طوال حياتي, إلا هذه الأعوام القليلة, فما قيمة أي شئ  آخر؟

 

وسمحت لهم بأخذ كل شئ فغادروا والشقة على البلاط, وأنصرف الجميع وبقيت في الشقة الخالية وحدي أتأمل حياتي فأجدني قد عدت من حيث بدأت فبالبلاط .. بدأت .. وإلى البلاط عدت .. وكان من أقسي فترات حياتي , وبعد قليل اشتريت سريراً ثم غرفة نوم وبعد شهور من هذه المحنة زارني عدد من المديرين بالبنك يتوسطوا_مشكورين_بيني وبين زوجتي السابقة, التي تطلب العودة لي بعد أن ندمت على الانفصال وعرفت كم ظلمتني .. لكن نفسي كانت قد تشبعت بالمرارة, وكرامتي قد جرحت جرحاً غائراُ, فرفضت عودتها.

وبعد فترة التقيت في النادي بآنسة جامعية مهذبة رشحها لي أحد الأقارب ثم تعرفت بأبيها التاجر الميسور فأعجبت بشخصيته وتحدثت معه بصراحة مطلقة عن إني لا أملك شيئاً الآن لأني خسرت في زواجي السابق كل مدخراتي , وتأثر الرجل بصراحتي ووافق على أن تتم خطبتي وزواجي من ابنته بلا شبكه ولا مهر لأنه يريد أن "يشتري" رجلاً يحافظ على ابنته, وليس أثاثاً ولا عقاراً فتأثرت بموقفي منه حتى أغرورقت عيني بالدمع , وفي صباح اليوم التالي ذهبت إلى البنك وأنا مهتاج المشاعر, فإذا بي أعرف أني قد أتممت عشرين عاماً من العمل به وأصبح من حقي أن أستبدل جزءاُ من معاشي بمبلغ بالآلاف , ولم أتردد وقدمت طلب استبدال المعاش وحصلت على مبلغ كبير, وأصررت على أن أشتري لخطيبتي شبكة ماسية بمبلغ كبير رغم معارضتها ومعارضة أبيها, لكني تمسكت بشراء الشبكة لأنهما قد قبلاني وأنا علي البلاطة .. وليس جزاء الشهامة إلا التكريم.

 

وتزوجت وأنعم الله عليّ بطفل عوضني مع أمه الفاضلة عن كل ما لاقيت في حياتي من عناء.. وأقفز بك فوق السنين لأقول لك أنني واصلت تحمل مسئوليتي عن أمي وأخوتي التي بدأتها وأنا بالجيش وأني أصررت ربما لمرارة في أعماقي على أن يلتحق أخوتي جميعا بالتعليم الثانوي العام الذي حرمت منه وأنا في بيت جدي, وواصلت تشجيعهم على الدراسة وتلبية جميع مطالبهم المادية حبا وإعزاز حتى تخرجوا جميعاً ما عدا أحدهم تعثر في الطريق لعدم استعداده الدراسي, وعمل بوظيفة لا بأس بها وساعدته بعمل مشروع صغير له إلى جانب الوظيفة, أما آخر العنقود الذي أهداه لنا أبي في أحد ظهوراته الخاطئة , فلقد اعتبرته ابني الذي لم أنجبه وأردت أن أحقق فيه ما لم تتيح لي الأيام تحقيقه فكانت كلمتي له دائماً هي أني لا أتنازل عن كلية الطب!

 

 

 

فكان يذاكر وكلما أحس بالتعب تذكر كلماتي فيواصل الاستذكار أرضاء لي حتى حصل علي الثانوية العامة بتفوق والتحق بكلية الطب فعلا وهو الآن أخر من بقي من إخوتي بالتعليم ولن يمضي سوى عامين ويتخرج .

ولست في حاجة لأن أقول لك أنني قد كفيته كل احتياجاته الدراسية حتى ليرفض قبول المزيد تحرج مني وأراه خجلا أمامي فتفيض مشاعري حبا له ولكل أخوتي ..أرسل الله لي ما ألبيه به من حيث لا أتوقع ولا أحتسب ويفيض عندي ما أوجهه لأسرتي الصغيرة.. أما أمي الوديعة الصابرة فمازالت حتى الآن تغمرني بحبها وعطفها ولا تناديني وأنا في الرابعة والأربعين من عمري إلا بعبارتها الأثيرة "يا عين أمك" ولا يجف لسانها من الدعاء لي بالسعادة في الدنيا والآخرة وقد أصبحت أعطيها زكاة مالي بعد أن أصبح لي مال لتوزعها

على الضعفاء من الأقارب البعيدين وأهل بلدتنا الصغيرة.. فتوزعها عليهم وتضيف إليها مما أعطية لها "شهريات صغيره" لعدد من الأسر الفقيرة في بلدتنا في السر, وترفض أن أتحمل عنها هذه الشهريات. ثم نأتي إلى الحديث الدراسي الذي وقع منذ فترة قصيرة .

 

ودفعني إلى كتابة رسالتي هذه بعد قراءتي لرسالة "دوائر الدوامة" فلقد فوجئت منذ أيام بصوت غريب في التليفون يقول لي صاحبه أنه يريد أن يزوروني في البيت .

فمن تتصور أن يكون صاحب هذا الصوت الغريب؟

 إنه "أبي" الذي انتسب بشهادة الميلاد إليه ولم أره من عشرين عاما متصلة بالرغم من أنه يعيش في نفس الوطن ولم يهاجر منه.. وكانت أخر مرة رأيته فيه وأنا في الرابعة والعشرين من عمري حين عملت بالبنك وطلبت منه أن يعود للاستقرار مع أمي وإخوتي ويكف عن مغامرات الزواج مع استعدادي لمساعدته بمبلغ شهري من مرتبي الصغير وقتها فقال: إن شاء الله .. ثم "غطس" بعد ذلك فلم يره أحد وإن كنا قد عرفنا أنه قد تزوج في الإسكندرية ..ثم طلق ثم تزوج وطلق ثم استقر أخيراً مع آخر زوجاته في مدينة ساحلية ..أبي ؟ ماذا يريد مني بعد عشرين سنة من الاختفاء عنا ؟

عدت إلى بيتي وقد هاجت ذكرياتي القديمة وعلمت أمي بأنه سيزورني فاتصلت بي وأوصتني بأن أحسن مقابلته لأنه مهما كان أبي وجاء في الموعد المحدد فاستقبله باحترام ولكن بمشاعر حيادية تماماً .. وتعجبت من نفسي أنني لم أشعر تجاهه بأية عاطفة .. بل على العكس من ذلك فقد تذكرت فجأة حين مرضت وأنا صبي بالتيفود وأشرفت على الموت وقابله شقيقي الذي يليني في العمر في إحدى شوارع بلدتنا مصادفة وأبلغه بمرضي وبأني علي مشارف الموت فقال له: شفاه الله ثم مضى إلى حال سبيله ولم يظهر مرة أخرى قبل سنوات !

 

وقارنت مشاعره كأب تجاهي بمشاعري وأنا كأب تجاه طفلي الوحيد الذي لا أطيق إذا سافرت للخارج أن يمضي يوم واحد دون سماعي لصوته واتصلت به مرة فوجدته نائماُ ورجتني زوجتي أن أدعه دائماُ ليستريح من شقاوته فتوهمت أنه مريض وأنها تخفي عنى الخبر فأعدت الاتصال ببيت صهري حيث كانت تقيم خلال سفري وتحدثت إلى صهري وقلت له أنني لم أسمع صوت ابني الآن فسوف أركب أول طائرة عائداً لبلدي .. وبكيت فتأثر الرجل وطمأن خاطري وأيقظه من النوم وتساءلت في باطني وأنا أنظر إلى أبي الجالس أمامي الآن في صالون بيتي ألم يكن لك قلب كقلبي يا أبي ؟

ولماذا لم تعطنا من حبك وحنانك بعض ما يعطيه كل أب لأبنائه .. وبعد ترحيب زوجتي به انسحبت إلى الداخل وتركتني معه ففهمت من حديثه أن موارده قد شحت وأنه قد أنجب من آخر زوجاته وهي بالمناسبة أصغر من زوجتي ! ثلاثة أبناء وكثرت المطالب .. ولهذا فهو ينتظر مني دون أن يطلب ذلك صراحة استمرارا "لكبريائه" أن أعينه على مطالب "أسرته" الجديدة بمبلغ شهري محترم أي بالمئات ! ربما لأني أركب سيارة فاخرة وأقيم في مسكن فاخر وقد وسع الله لي في رزقي رغم أعبائي العائلية التي حملتها نيابة عنه.لم يطلب ذلك صراحة لكن حديثة أفاد بهذه النتيجة .. فنظرت إليه وقد تجمعت كل أحزان حياتي داخلي ووجدتني رغماً عن إرادتي أعاتبه بأدب بالغ على إهماله لنا صغاراً وتخليه عن مسئوليتنا وأروي له جانباً من ذكرياتي المريرة في بيت جدي وأنا أمسح البلاط في عز البرد وارتدي الجلباب الدمور وأكل بقايا الطعام في المطبخ وأسير على قدمي ثلاثين كيلو متراً كل يوم على الأقل في مشاوير الأسرة وأمرض بجنبي من نوم البلاط ولا أعالج إلا بالوصفات البلدية..و..و..وأفصل بين كل ذكرى وأخرى بسؤالي له: ألم أكن ابنك أيضاً يا أبي كما أن أبناءك الثلاثة الذين يعيشون في حضنك الآن .. أبناؤك !

 

وتصاعدت انفعالاتي الداخلية حتى غامت الدنيا عن عيني وأنهيت الموقف المؤلم بتقديم هدية مالية مناسبة له دون أن أشير إلى أنها ستصبح مساعدة شهرية منتظمة وانصرف إلى حال سبيله.

ومع أني كنت قد رويت لزوجتي جانباً من قصه كفاحي وذكرياتي المؤلمة إلا أنها يبدو أنها قد سمعت من حديثي إليه ما لم تكن سمعته من قبل ولم تتخيل إمكانية حدوثه في الدنيا وهي ابنة التاجر الميسور التي لم تعرف حرمانا ولا معاناة في الدنيا ففوجئت بها بعد انصراف أبي تحتضنني وهي تبكي بالدمع الغزير ونظرات العطف والإشفاق تطل من عينيها و ازداد تأثري بالموقف وما أثاره من ذكرياتي.

 

والآن يا سيدي فإني أكتب لك هذه الرسالة ليقرأها أخونا الشاب المدلل الكسول الأناني الذي لا يهتم إلا بنفسه ويطالب أشقاءه بحل كل مشاكله المادية بغير طلب منه ودون أن يشكرهم على ما فعلوه معه أو يعترف لهم بفضل أو جميل ,ليعرف أن في الدنيا من تجرعوا العلقم ولم يساعدهم أحد وإنما ساعدوا هم غيرهم حين استطاعوا ذلك.

وثانياً لكي أسألك عن موقف الدين من أب مثل أبي .. وهل هذا الأب يندرج حقا ضمن الآباء الذين قال لنا الله سبحانه وتعالي عنهم, وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما, وقال لنا أيضاً "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً".

هل هذا الأب حقا واحد من هؤلاء؟

 

وهل أنا مطالب بأن ابره وأقدم له مساعدة شهرية كبيرة بعد أن بدد مئات الألوف من الجنيهات على مغامراته, ولكي يربي بها أبناءه من آخر زوجاته وهو الذي تركني أعمل "خادماً" عند جدي وهو ينفق الآلاف دون أن يهتز له طرف !

إنني أبر أمي وأعطيها بغير أن تطلب وعلى استعداد لأن أنزع عيني من محاجرهما لأعطيها لها فهل من العدل أن أعطي هذا الأب مثلها وأسوى بينه وهو الظالم وبين المظلوم والضحايا وهم أمي وأخوتي .. إنني أصارحك القول بأنني لا أحس تجاه هذا الإنسان بأي نوع من المشاعر ..وإذا كانت هناك مشاعر فهي سلبيه للأسف بل ولماذا ندور حول الكلمات ولا أقول لك صراحة أنني كنت قد نسيت وجوده في الدنيا فلما ظهر في حياتي تذكرت كل المرارات ووجدتني أحس تجاهه بكراهية مريرةَ! فتري هل يحاسبني الله عن مشاعري هذه تجاهه..وهل يحاسبني عن رفضي لإعانته بانتظام؟ كما يأمل هو خاصة وقد فكرت جدياً في أن أغير رقم تليفون بيتي حتى لا يتصل بى مرة أخر..ولماذا أقتضي الأمر فلربما فكرت في تغيير مسكني أيضاً ..فما هو رأيك في ذلك.

 

ولكاتـــب هـــذه الـرسـالة أقــــول:

 والله يا صديقي أني لو تركت لنفسي وانفعالي برسالتك المؤثرة هذه لقلت لك على الفور أقبض يدك علي هذا "الأب" الذي لا يستحق من كلمة الأبوة حرفاً واحداً منها وغير رقم تليفونك أيضاً لو اقتضت الضرورة حتى لا يجد إليك سبيلا مرة أخري!

لكن هل يستطيع الإنسان حقاً أن يستسلم لانفعالاته ويعمل بما تمليه عليه وحدها؟ وهل من الحكمة والرشد والمصلحة البعيدة أن يفعل ذلك؟ لا نستطيع ذلك بالطبع ولا هو من الحكمة ولا من الرشد وإنما علينا دائماً أن نرجع فيما يشتبه علينا من شئون الحياة إلى مرجعنا الأرشد وهو تعاليم ديننا وقد رجعت إلى مراجعي وأمضيت يوماً طويلا أقلب في كتب الفقه والتفاسير باحثاً عن ثغرة تجيز لنا إخراج مثل هذا الأب الذي لم يبر أبناءه من زمرة الآباء والأمهات الذين تناولتهم الآية الكريمة فلم أجد, بل وجدت ما يؤكد لي إيماني الدائم بأن حقوق الأبوين على الأبناء واجبة الأداء ولو لم يبروا أبناءهم أو لم يعينوهم على البر بهم في الكبر باستهتارهم وأنانيتهم كما فعل أبوك معكم. إذ ليس هناك ما هو أبشع من الشرك بالله وقد أمرنا الله بألا نطيعهما فيه وأن نصاحبهما بعد ذلك في الدنيا معروفاً..وحكمة الدين في ذلك أن بر الأبناء بهم من التكاليف الدينية التي لا يحق لنا أن نتوقف أمامها لنفرز من يستحقون الالتزام بها تجاههم ومن لا يستحقون, كما أن المكلف بذلك لا يؤدي هذا التكليف طلباً لمودة أبيه وأمه وإنما يؤدي إبراء لذمته أمام الله سبحانه وتعالي تاركاً حساب أبويه عما صنعاً به إلى أعدل العادلين .. وكل عمل الإنسان له بثماره ونتائجه فإن أحسن فلنفسه وإن أساء فعليها..إذن فجناية أبيك عليك وعلى إخوتك وأمك طائر في عنقه يقابل به ربه.

 

لكن برك به وفي الحدود التي تتحملها طبيعتنا كبشر ليسوا ملائكة, طائر في عنقك أنت أيضاً وأني لأري أن أباك هذا بالذات لا يستحق أن يكون سبباً في أن تعلق بصفحتك البيضاء شائبة أمام ربك أو أن يكون سبباً في إنقاص ميزاتك .نعم لسنا ملائكة .. وإنما نحن بشر نحب ونكره ونستعيد طعم المرارة تجاه من جرعونا العلقم في حياتنا.. ونشعر أحيانا بأن من حقنا ألا نمتعهم بما حرمونا منه وقد كانوا قادرين على إسعادنا بما بين أيديهم لو التزموا العدل معنا ولا بأس بأن نحب ونكره ونشعر بما نشاء ولكن بشرط ألا تخرج مشاعرنا عن دائرة صدورنا إذ أنه من رحمة الله بنا أنه لا يحاسبنا عما يعتل في صدورنا من انفعالات وأحاسيس ,وإنما يحاسبنا عما نعبر به عنها من أفعال وأقوال.

 

ونحن في النهاية أمام أمر صريح من الله سبحانه وتعالى"وصاحبهما في الدنيا معروفاً" وأمام أمر آخر يفرض للأبوين علي الأبناء حق النفقة الواجبة حتى ولو كانا قادرين علي العمل .. ولو كان الابن معسراً لا يكسب إلا قوت أولاده , وهذا الأمر لم يستثن منه الآباء والأمهات الذين لم يؤدوا حقوق أبنائهم إليهم أو تخلوا عنهم كما فعل أبوك لا سامحه الله عن سجله المخجل معكم.

 

وأنت تسألني كيف يكون عدلا أن تسوي في برك بين أمك العطوف الصابرة وبين أبيك الأناني المستهتر الذي لم يتحمل تبعات الأبوة وأنا أقول لك أن العدل قائم رغم كل شئ والفرق كبير بين عطائك لأمك وعطائك لأبيك, فالنفقة الواجبة إنما تكون بقدر حاجه مستحقيها,ولهذا فأنت تستطيع أن تعطي أباك الحق الأدنى الذي تراه مبرئاً لذمتك أمام ربك,وتستمر في الإغداق علي والدتك وإخوتك كما تفعل فيكون الفارق شاسعاُ بين عطائك لمن يستحقون العطاء حباً وكرامة..ومن لا تمد يدك إليه إلا صدوعاً بأمر ربك وإبراء ذمتك أمامه,كما أن هناك شيئاً آخر يؤكد الفارق بين الخير والشر وبين من أحسنوا إلينا ومن أساءوا هو أنك تعطي أمك وأنت سعيد بما تعطي وراغب في منح المزيد وقبل أن تطلب وربما أرغمتها بالحب على أن تقبل منك المزيد, وستعطي أباك إذا أعطيت وأنت كاره وتعلم أنه يريد منك المزيد لكنك لا تعطيه إلا ما تراه ملبياً لحاجته, فضلاً عن أنك لن تقدم له إلا العطاء المادي وحده وهو أهون العطاء ..أليس في كل ذلك ما يكفي للتفريق بين الخير والشر؟

 

إنه فارق كبير صدقني .. ولن يخفى علي أبيك ويكفيه عقاباً له أن ألجأته الأقدار إلى طلب معونتك أنت بالذات وهو الذي لم يحفل بك يوماً وأنت تتجرع كئوس الشقاء في بيت أبيه,فإذا وقفت منه الآن موقف المانح..الذي كاد يقول له بغير كلام إنما أعطيك صدوعاً بأمر ربي وليس إكراماً لك فكفى بذلك عقاباً أشد من كل عقاب الدنيا ..ناهيك عما ينتظره من عقاب السماء.

كما أنك إذا أعطيته فأنت لا تعطيه هو ..وإنما تعطي ثلاث ضحايا جدداً له هم أبناؤه من آخر زوجاته, وهم في النهاية إخوتك شئت هذا أم أبيت,ولقد هدتك فطرتك السليمة وطيب عنصرك إلى أن تكون كريماً بعد أن تجاوزت أيام الشقاء..وأن تفيض بعطائك وحبك علي أخوتك لكي تجنبهم شقاء طفولتك وحرمانك ومن كانت له مثل هذه الفطرة السليمة .. لابد أن تهديه أيضاً إلي محاولة تجنيب "إخوته" الجدد هؤلاء بعض ما عاناه هو ليس تكريماً لأبيهم وإنما إشفاقاً على المزيد من ضحاياه.

فإذا فعلت ذلك وأبرأت ذمتك فلك أن تحمل لأبيك من المشاعر ما تشاء ..وإن عفوت لكان أكرم..لكني لا أستطيع أن أطالبك بما لا تحتمله طبيعة البشر,بل إني لاعترف لك إني قد كرهت هذا "الأب" بعد أن قرأت رسالتك من أعماقي غير أني أقول لك أخيراً أنك قد حققت لنفسك فوق كل ما حلمت لها به وفوق ما كانت إمكانياتك ترشحك له حتى ولو كان هذا الأب قد أدى واجبه تجاهك على أفضل وجه وكان فضل الله عليك عظيماً.

 

ولقد انتهت معاناة أيام المعاناة والشقاء وخرجت من تحت مائدة الطعام إلى أفاق النجاح والتوفيق والسعادة..ويبقى أن تخرج أيضاً من تحت مائدة الذكريات المريرة وألا تسمح لها أيضاً بإنقاص موازينك عند خالقك إذا تقاعست عن أداء هذه الواجب الديني البسيط تجاه أبيك حتى ولو كان لا يستحقه,فلنفسك ما تفعل ولخيرك وخير أسرتك الصغيرة وابنك..حفظه الله لك وحفظك له..ولأمك وإخوتك والسلام.



نشرت في ديسمبر 1993بجريدة الأهرام باب بريد الجمعة
كتبها من مصدرها / بسنت محمود
 راجعها واعدها للنشر / نيفين علي
   

Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات