الدواء المر .. رسالة من بريد الجمعة عام 1994
لعلك يا سيدي تذكرني فأنا الطبيب الذي بعث إليك من عامين برسالة "فاتورة الألم" عن الفتاة الصابرة الباسمة "ابتسام" التي فقدت ذراعيها وإحدى ساقيها في حادث قطار ونشرت الرسالة وأحطتها أنت وقراؤك بقلوبهم حتى تم تركيب الأجهزة التعويضية لها وأصبحت بفضل بريد الجمعة بخير وصحة جيدة وأزورها من حين لآخر فأسعد حين أجدها تمشي وتستخدم إحدى يديها وتذكركم وتذكر أصدقاء بريد الجمعة دائما بالعرفان .
أما أنا فقد حصلت على إجازة دراسية لمدة سنة من عملي في مستشفى إيتاي البارود للدراسة في كلية طب الاسكندرية وأزور زملائي في المستشفى من حين لآخر , وفي زيارتي الأخيرة لهم حملوني لك أمانة جديدة هي الشاب "أحمد" الذي يبلغ من العمر18 سنة والذي أصيب أيضا في حادث قطار ففقد فيه ساقيه وتم إجراء بتر لهما أعلى الركبة , ويرقد الآن في مستشفى إيتاي البارود عاجزا عن الحركة تماما .
إنه شاب طيب من أسرة بسيطة والأخ الأكبر لخمسة إخوة ووالده موظف بالسكة الحديد ببركة السبع وأسرته لا تستطيع توفير الأجهزة التعويضية المطلوبة له .. ومنذ عامين وفي مثل هذه الأيام الكريمة أضاء بريد الجمعة شمعة نبيلة في ظلام حياة الفتاة ابتسام حين كانت في مثل ظروفه وقام أصدقاء بريد الجمعة العطشى إلى الخير بإعادة الأمل في نفسها وحياتها وأعانوها على تحمل آلامها .. فهل لهم أن يضيئوا شمعة جديدة في حياة هذا الشاب أحمد الذي يرقد الآن في مستشفى إيتاي البارود بقسم الجراحة .. ولو بكلمات قصيرة يرسلونها إليه على عنوان المستشفى لتخفف عنه آلامه , وأخيرا يا سيدي فلقد شاء القدر أن نلتقي مرة أخرى في عمل من أعمال الخير فإذا كنت أكتب لك هذه الرسالة أملا في مساعدة هذا الشاب فإني أكتبها كدعوة أيضا لبعض الأصدقاء للتداوي بالألم لكل من ظن أن مشكلته ومعاناته هي أعظم الآلام .. إنه دواء شديد المرارة لأنه مصنوع من آلام شاب صغير كان يتطلع إلى الحياة، لكنه مؤكد الفائدة لبعض الساخطين على حياتهم بلا سبب جاد والسلام .
جميع الحقوق محفوظة لمدونة "من الأدب الإنساني لعبد الوهاب مطاوع"
abdelwahabmetawe.blogspot.com
ولـــكـــاتـــب هـــذه الـــرســـالــة أقـــــول:
لأن الظلان كثير فنحن نحتاج إلى ضوء كل شمعة مهما كان صغيرا كما قال صادقا الكاتب المسرحي تيرانس راتيجان , ولاشك أن هذا الشاب الذي امتحنته الأقدار بهذه المحنة القاسية يحتاج إلى ضوء كل شمعة لمن يستطيع زيارته من شباب إيتاي البارود والمدن القريبة أو بكلمة طيبة في رسالة يحملها آلية البريد فيشعره صاحبها بأنه لا يقف وحيدا أمام محنته وأن الجميع شركاء في الحياة , أما الأجهزة التعويضية وما يحتاج إليه الشاب أحمد من علاج طبيعي فيما بعد فسوف يتكفل به بريد الأهرام كاملا إن شاء الله فإذا كنا نحتاج لعون أحد في ذلك فإننا نحتاج فقط لأن يتطوع أحد أحباء الحياة بأن يتابع معنا حالته ويقبل أن يكون راعيه الأمين الذي يتنقل بيننا وبينه ويحضره إلى القاهرة لتركيب الأجهزة التعويضية له أو كلما استدعت حالته ذلك فيقوم بنفس الدور النبيل الذي تطوعت للقيام به سيدة فاضلة من صديقات البريد مع الفتاة ابتسام على مدى حوالي عامين خلالهما خير راعية لها وتتولى كل شئونها نيابة عنا وتذهب لإحضارها من إيتاي البارود إلى جمعية الوفاء والأمل بالقاهرة وشكرا لك على حسن أداءك للأمانة التي حملها لك زملاءك أطباء مستشفى إيتاي البارود وشكرا على سعيهم النبيل للتخفيف عن آلام هذا الشاب الصغير .
وأخيرا لماذا لا يتحرك أحد ليبحث على الأقل سبب تكرار حوادث القطارات فى هذه المنطقة .. إن لم يكن لإيجاد سبيل لتفاديها ومنعها وإنقاذ أمثال هذا الشاب وهذه الفتاة من مثل هذه المحنة المؤلمة !
نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" فبراير 1994
كتابة النص من مصدره / بسنت محمود
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر