حُسن الختام .. رسالة من بريد الجمعة عام 1993
أنا سيدة في السبعين من عمري وزوجي يبلغ من العمر 75 سنة وقد تزوجته وهو موظف صغير فكان دائم الخلاف معي بحق وبغير حق وكان يسبني ويضربني في كل خلاف وأتحمل دائما من أجل بناتي الثلاث كما كان بخيلا ولا ينفق على ملابسي أو ملابس بناته فتساعدني أمي في ذلك إلى أن توفيت ! فواجهت بعد وفاتها أياما صعبة لكن الله كان يرزق بناتي من حين لآخر بما يخفف من عناء حياتنا.
ومضت الحياة بخيرها وشرها وتزوجت البنات والحمد لله من رجال طيبين وهن يساعدنني بإستمرار في شراء ما أحتاج إليه من ملابس وفي تكاليف العلاج بعد أن تقدمت في السن ومرضت بالضغط والسكر والقولون والنقرس والروماتيزم .. والحمد لله على كل حال , وكنت أظن أنني قد تحملت كل أنواع العناء في حياتي الزوجية ولم يعد هناك جديد لم أقاس منه من قبل .. ففوجئت بأن الدنيا تدخر لي عناء آخر لم يخطر لي ببال وفوجئت بزوجي يرسل لي ورقة طلاقي منذ أسابيع بعد عشرة 45 عاما تحملت خلالها كل ما تحملت .. والأدهى من كل ذلك أنه يطالبني بالخروج من الشقة التي عشت فيها معظم سنوات عمري لأني لست حاضنة ولأن الشقة من حقه كما يقضي بذلك القانون ! فأين أذهب الآن وإلى أين أخرج وليس لي ولد يتحمل مسئوليتي .. ويوفر لي سكنا وبناتي ربات بيوت ولا يعملن ؟ وكيف يسمح هذا القانون الظالم بطردي إلى الشارع في هذه السن وبعد كل هذا العمر ؟ إنني لا اطلب مالا ولا مساعدة من أحد وإنما أريد فقط أن أعيش ما بقي لي من عمر في المكان الذي عشت فيه حياتي إلى أن يختارني الله إلى جواره .. فكيف لا يسمح لي بذلك هذا القانون .. وهل هذا ما طلاق به عدالة السماء من الوصية بالنساء والأمهات ؟
جميع الحقوق محفوظة لمدونة "من الأدب الإنساني لعبد الوهاب مطاوع"
abdelwahabmetawe.blogspot.com
ولـكـــاتـــبة هــذه الــرســالـــة أقــول:
أعوذ بالله .. طلاق في سن السبعين ثم يطالبك أيضا بإخلاء الشقة لتفقدي المأوى الكريم بعد أن ضاع العمر ووهن الجسم .. واقتربت الرحلة من نهايتها ؟
لا يا سيدتي لا عدالة السماء .. ولا عدالة الأرض تقضي بذلك أو تقبل به وحين يعجز القانون الأصم عن توفير الأمان لسيدة في مثل عمرك وبعد كل هذا الشقاء يصبح تحقيق العدل منوطا بالضمائر وبالوازع الديني والأخلاقي لا بنصوص القانون الجامدة وحدها والتي لا تفرق بين مطلقة غير حاضنة في الثلاثين من عمرها تستطيع أن تتزوج مرة أخرى أو تعمل وتوفر لنفسها مسكنا بديلا , وبين مطلقة في السبعين لا تستطيع هذا ولا ذاك.
فأين أزواج بناتك وأين بناتك وأين أقاربه وأصدقاؤه ومعارفه بل وجيرانه .. وكيف لا يجتمعون عليه لارغامه أدبيا على الرجوع عن هذا الجنون الذي لا يليق بشيخ في الخامسة والسبعين مثله ؟
إن الرادع الاجتماعي المتمثل في رفض الجميع واستنكارهم لتصرف مشين قد يكون في بعض الأحيان أقوى من ردع القانون .. وفي مثل حالتك فإن هذا الرادع هو ملاذك الوحيد للأسف لأن القانون الأجوف لا يعترض على رغبته في إخلائك للمسكن.
فطالبي الجميع بأن يقفوا إلى جانبك ويتدخلوا بينك وبينه .. ويصلحوا بينكما لتعود المياه إلى مجاريها وتتواصل رحلة العناء بخيرها وشرها إلى أن تصل إلى مرفئها المحتوم .. فإن فشلت الجهود في تحقيق هذه الغاية فليكرمك بتركك حيث تعيشين مدركا بذلك أنه لا يكرمك وحدك بهذا التصرف .. وإنما يكرم قبلك بناته ويحفظ عليهن كرامتهن أمام أزواجهن وعائلاتهم وأمام الجميع فإن تعذر كل ذلك فلا مفر من أن تستضيفك بناتك بالتناوب لبعض الوقت عسى الله أن ينزل هدايته على من يشاء في أمد قريب .. أو عسى أن تسعفنا السماء بحل آخر من لدنها لهذه المشكلة الكريهة؟
نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" أغسطس 1993
كتابة النص من مصدره / بسنت محمود
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر