صوت من الحاضر .. رسالة من بريد الجمعة عام 1992

 

صوت من الحاضر .. رسالة من بريد الجمعة عام 1992


صوت من الحاضر .. رسالة من بريد الجمعة عام 1992 

أكتب إليك بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن مثيلاتي من النساء عامة والمتعلمات خاصة .. والطبيبات على أخص الخصوص .

فأنا طبيبة في السادسة والثلاثين من العمر .. وبداية أقول أنه لن تشعر بمعنى كلامي أي زوجة وأم تتمتع بالزواج والأبناء .. وليس هذا حسدا وإنما غبطة أي تمنى نفس الشئ.

 فأنا والحمد لله أعرف ربي وعلى قدر من الجمال وذات قوام طويل وعقل متفتح ولسان متحدث وخفة دم يشهد لي بها الجميع ولست وحيدة ولا منبوذة من الآخرين، فعملي يشغل نهاري وأنا اجتماعية ومحبوبة من الزميلات والزملاء .. ومشكلتي هي العقل المتفتح أو أقل "المتوقف" عن الزواج .. فكل من يتقدم لي أحس دون غرور أني في مكان أعلى وأفضل منه .. وأرجو الله أن يرزقني بطبيب مثلي.

 والمشكلة هي أن كل من هم مثلي وفي مستواي من الأطباء إما أنهم تزوجوا أو يبحثون عن زوجات أصغر مني .. وقد حاولت أن أتنازل وأتزوج إنسانا أقل مني ففشلت مع نفسي في قبول ذلك مع بعض من تقدموا لي .. بل ووصل الحال إلى زواج استمر لمدة سنة وفشل بسبب مشكلة احساس الرجل بأنه أقل مستوى من زوجته .. وأنا أؤمن بأن الرجال قوامون على النساء وأن الرجل يجب أن يكون أعلى من المرأة عقلا وفكرا ومركزا. 

 وعدد النساء اللاتي بين 30 و40 سنة وبلا زواج كثير وخاصة بين الطبيبات والمتعلمات.


 

ولــكــاتــبة هــذه الــرســالــة أقــول :

 

وكيف استطيع اهمالها يا سيدتي .. وهى تفجر قضية أكاد أتسمع دوى انفجارها من الآن داخل كثير من البيوت الآمنة ؟ إنك تطلبين تقييم رأيك الخطير هذا .. ولست أريد أن استبق الآراء أو أؤثر على رأي أحد, لهذا فلن أعلق على رسالتك سوى بتسجيل 3 خطوط عامة سريعة ربما أعود إليها بالتفصيل فيما بعد .

الأول أن من حكمة تعدد الزوجات فعلا أنه يدرأ عن المجتمع شرور الانحلال والفساد حين يزيد عدد النساء زيادة هائلة على الرجال خاصة في أعقاب الحروب الطاحنة والأوبئة وغيرها.

والثاني أن تعدد الزوجات ليس أمرا إلهيا كما يفهم من ظاهر الآية الكريمة "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع " وكما تزعم قلة ضئيلة من هذا الشأن .. بل أنه حتى ليس أمرا واجبا ولا مندوبا أي مفضلا كما جاء في فتاوى الأزهر الشريف ويمكن الرجوع في ذلك إلى كتاب بيان للناس الجزء الثاني الذي أصدره الأزهر مؤخرا .. وغاية القول في تعدد الزوجات أنه رخصة تؤتى حين يكون هناك ما يبرر اللجوء إلى الرخص والحالات التي تبررها معروفة ولا داعي لإعادة الحديث عنها .

والثالث .. إن القاعدة الشرعية المعمول بها هي دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر فإن ترتب على إتيان الرخصة ضرر أكبر من عدم اللجوء إليها فإن الأقرب إلى روح العدل هو التعفف عن إتيانها .

 

هذه هي الخطوط العامة .. أما كلمتي الأخيرة فهي أن رسالتك تعكس واقعيا خطيرا ومشكلة أصبحت من مشاكل مجتمعنا المزمنة .. لكن تعميم مشكلتك الشخصية التي يبدو لي أنك لم تعيني نفسك على حلها باستخدام الحكمة الكافية وتقديم التنازلات الملائمة لسنك ووضعك وقبول ما تسمح به الظروف عند الضرورة بدلا من التطلع لأزواج الأخريات بدعوة أنهم وحدهم اللائقون للمكانة والسن.

أقول إن تعميم هذه الحالة على جميع النساء ليس أمرا صائبا في تقديري ولا يصلح أن يكون أساسا لاستصدار حكم يبيح لك الحديث بالنيابة عن كل النساء مثلك والمتعلمات منهن خصوصا .. والطبيبات منهن على وجه الخصوص !

فلقد استشهدت في الأسبوع الماضي بقول الكاتب الفرنسي اندريه موروا الذي يقول فيه : إن كل ما يتفق مع ميولنا ورغباتنا يبدو في نظرنا حكيما ومعقولا .. أما ما يناقض رغباتنا وأهواءنا فهو يثير غضبنا !

ويبدو أنه قول يصلح للاستشهاد به فى كل وقت وكل حين .

تعليقات القراء والقارءات بعد نشر الرسالة 

مازالت تعليقات القراء والقارئات على رسالة الطبيبة التي "دعت" إلى أن تسمح الزوجات لأزواجهن بالزواج من زوجة ثانية كحل لمشكلة وجود أعداد كبيرة من الفتيات والسيدات فى مجتمعنا الآن بغير زواج "تتوالى" على بريد الجمعة .

وبالرغم من كثرة تعليقات القارئات عن تعليقات القراء فإني لم أتلق حتى الآن رسالة من قارئة واحدة تؤيد الفكرة سواء أكانت متزوجة أو غير متزوجة .. أما تعليقات القراء وهى أقل فإن بعضها يشجع الدعوة ويحيى كاتبتها على شجاعتها في إعلانها .

ومن بين التعليقات العديدة اختار هذا الأسبوع بعض فقرات تمثل وجهات النظر المتباينة مستبعدا منها بالطبع اللهجة الحادة في الهجوم على الفكرة وصاحبتها وكلها من زوجات " مكافحات" يعترضن بشدة على الفكرة ويهاجمنها.

 

فمن رسالة لسيدة وقعتها بإمضاء : زوجة غيور على أسرتها اخترت هذه السطور :

لماذا لم تقبل الطبيبة كاتبة الرسالة أن تبدأ حياتها مع إنسان بسيط تكبر معه ويكبر معها في منصبه .. كما فعلنا نحن مع أزواجنا ولماذا تريد رجلا جاهزا صنعته زوجة أخرى بكفاحها معه وتضحياتها من أجله فيكون رد الجميل لها من جانبه كما تريد الطبيبة هو أن يأتي إليها "بضرة" تسرق منها ثمرة كفاحها والحلم الجميل الذي صنعته بشقائها ؟

 

أما السيدة هدى زكريا من مصر الجديدة فتقول في رسالتها :

سبحان الله سمعنا عن كل أنواع السرقات لكننا لم نسمع من قبل عن دعوة منظمة وعلنية لسرقة كفاح زوجين وتضحياتهما المشتركة .. لمجرد أن الأخرى لا تقبل أن تتزوج ممن يقل عنها في المستوى العلمي والاجتماعي قليلا ولا تريد كما فعلت غيرها أن تبدأ السلم من أوله وتشقى وراء رجل لتصنع نجاحه .. وكل ذلك تحت ستار تعدد الزوجات الذي له مبرراته المعروفة.

 

ويقول القارئ السيد كمال الساخي :

 أوافق على أن الزواج من ثانية وثالثة ليس مندوبا أو مستحبا على إطلاقه لأن صيغة الأمر هنا لها استعمالات كثيرة كما يقول الأصوليون وهي الآية المقصودة "فانحكوا ما طاب لكم من النساء" للتخيير أو الإباحة على الأرجح , وفي مواضع أخرى قد تكون للوجوب أو الندب أو الاستحباب , لكني أوافق كاتبة الرسالة من ناحية أخرى على أنه قد يكون من حكمة تعدد الزوجات في ديننا استيعاب مثل هذه الحالات "واعفافها" فالأمر مباح إذن فإذا عرف الفرد من نفسه أنه لا يستطيع أن يوزع شتات نفسه على أكثر من جهة أو أنه لن يستطيع أن يعدل بين زوجتين فضلا عن العوامل المادية الأخرى فقد يكون من الأفضل له ألا يقدم على ذلك .. وإذا كان غير ذلك فلا بأس .. ولا بأس أبدا بأن تعلن كاتبة الرسالة عن نفسها فقد فعلت ذلك نساء مؤمنات عرضن أنفسهن على الرسول الكريم .. وأؤيد بشدة إنشاء مكتب للزواج.

 

أما الدكتورة نادية رضوان من جامعة قناة السويس فقد كتبت "دراسة" فى 5 صفحات فولسكاب لا أستطيع نشرها للأسف لطولها واجتزئ منها هذه السطور:

إن الزواج بواحدة هو الأصل في الفطرة وهو الذي حدث عند بدء الخليقة ممثلا في آدم وحواء اللذين خلقهما الله ذكرا وأنثى , ومن خلال وحدانية الزواج يتحقق الحب والعطاء بحيث تتركز مجهودات كلا الزوجين لتنشئة الأبناء التنشئة الكاملة , وحين أباحت الشريعة التعدد فإنها أباحتها بشرط القدرة على العدل , إذا كان الرسول الكريم صل الله عليه وسلم رغم عدله وسلوكه المستقى من نبوته كان يدعو الله تعالى ألا يلومه في ميله القلبي تجاه إحدى نسائه دون الأخريات .. فمن رجالنا الأقدمين أو المعاصرين يتجاسر على أن يزعم أنه يستطيع أن يكون كالرسول في عدله بين زوجاته ؟

 

وفى موضع آخر من رسالتها تقول : ولو أن هذا النداء الذي توجهت به الطبيبة إلينا تطلب منا فيه مشاركتنا في أزواجنا قد تم في ظل انخفاض أعداد الرجال عن أعداد النساء بدعوى أن ذلك يفسر حكمة تعدد الأزواج، لكنت قد التمست لكاتبة الرسالة العذر .. لكن ما القول والتعداد الأخير في مصر يشير إلى أن أعداد الذكور تزيد على أعداد الإناث بمليون و164 ألف ذكر ؟!

ألا يعني هذا الإحصاء أن صاحبات مثل هذه الدعوة من الطامحات في الحصول على زوج ناجح جاهز بدلا من الكفاح مع زوج بسيط هو "سر أزمة الزواج" التي يعاني منها كثير من الشباب الواعدين بمستقبل متفتح ولا يجدون من فتياتنا من لهن الاستعداد للأخذ بأيديهم فى رحلة كفاح مشتركة !

 

أما القارئ الأستاذ سامي سيد عزت فيقول في رسالة طويلة :

 إن كاتبة الرسالة قد طلبت الحلال في زمن لا يعز فيه الحرام لهذا فهي شجاعة ولا جناح عليها في أن تخطب لنفسها وعلى من يستجيب لها أن يكون عادلا متفهما لأمور دينه و"بالنيابة" عن أبناء جنسي من الرجال المتزوجين فإني أوافقها على رأيها لأنها لم تطلب إلا الحلال وإن كنت أنا شخصيا لا أفكر في الزواج مرة ثانية .

 

أما الصيدلانية مها محمد علي من الإسكندرية فتقول ردا على سؤال الطبيبة للزوجات هل يفضلن أن يكن زوجات أخريات لرجال متزوجين أم أن يكن وحيدات بلا أزواج ولا أبناء :

أريد أن أقول لها أني اخترت أن أكون زوجة واحدة لرجل واحد وأن عقلي كان متفتحا وأنا اختار شريك حياتي فلم أحس أني أفضل منه كما أحست هي بالنسبة لمن تقدموا لها .. لأن المفروض هو أن يبنى الاختيار على أساس التماثل معا في نفس الدرجة من المؤهل والمكانة المهنية ذلك أن الزواج تضحية ومن لا تفهم التضحية في البداية لن تفهمها فيما بعد سواء أكانت زوجة وحيدة أم زوجة ثانية . 

واكتفى بهذا القدر من التعليقات واعتذر لمن لم أنشر رسائلهم بعد ولعلي أنشر بعضها في مرة لاحقة . 

رابط رسالة مفتاح الأسرة تعقيبا على هذه الرسالة

نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" يناير 1992

كتابة النص من مصدره / بسنت محمود

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات