الثمن .. رسالة من بريد الجمعة عام 1992
كتبت لك رسائل عديدة سابقة أروي
لك عن مشكلتي مع والد زوجتي الذي حرمني منها ومن طفلي الوحيد الذي لا يزيد عمره
على 4 سنوات , وطالبني بأن أدفع له مبلغ عشرين ألف جنيها ولما استفسرت منه عن
السبب أجابني بأنه ثمن تربيته لها ومقابل مرتبها حين عملت معي بالدولة التي أعمل
بها مع أني لم أخذ راتبها ولم أفرض عليها المساعدة في نفقات البيت ولا فرق بين مال
الزوجة ومال الزوج وبل إن كل ما عندي ملك لها ولابنها وأنا رجل مسئول عن أسرتي،
فأثار المشاكل ورفض إعادة زوجتي لي .. ورفضت هي العودة معي إلى مقر عملي بعد الأجازة
بتأثير أبيها الذى افتعل معي "سامحه الله" مشكلة قانونية ورفع علي قضايا
طلاق ونفقة واضطررت للعودة إلى عملي وحيدا لأعيش في مسكني الصامت أبحث فيه كل يوم
عن زوجتي وطفلي فيه فلا أجدهما .. وكل ذلك بسبب طمع الدنيا والعناد سامح الله
الجميع.
واليوم لا أكتب لك عن مأساتي وإنما
أكتب لك بعد أن قرأت رسالة "الطرقات الثقيلة" للمحامي الشاب الذي توفيت
زوجته ومرض بالكبد ويخشى على طفله الوحيد اليتيم من أن ينشأ وحيدا في الحياة والذي
روى لك كيف يتشبث به ابنه وينام وهو يحتضنه كل ليلة خوفا من أن يفقده كما فقد أمه
الراحله من قبل .. وصدقني يا سيدي أنه قد انسابت دموعي وأنا أقرأ هذه الرسالة
وتذكرت طفلي الحبيب الذي حرموني منه .. وتذكرت تعلقي به .. وتعلقه بي وكيف كان لا
ينام أيضا إلا في حضني ولا يفارقني لحظة واحدة في البيت أو حين أخرج لشراء شئ من
الخارج .. فيركب إلى جواري بالسيارة وأحيانا فوق ركبتي ويمسك معي بمقودها .. ويضغط
على بوقها ويحذرني من إيقاظ الناس النائمين .. ثم حرموني منه فجأة ومن سماع صوته
وأخذه صهري وأخذ زوجتي أيضا وحرمني من الاثنين معا ورفع القضايا ضدي .. وها أنا
الآن أعيش في الغربة وحيدا على ذكريات ابني وزوجتي وحاولت وتوسلت لوالد زوجتي أن
ينهي هذه المشكلة وكتبت لطوب الأرض أن يساعدني في ذلك دون جدوى .. وعدت للحياة
وحيدا تقتلني ذكريات أسرتي الصغيرة .. وأشتري لعب الأطفال لابني الغائب وأضعها في
البيت.
إن حزني على فراقه وفراق زوجتي لا ينقطع .. وصمت
البيت يقتلني وقد أحسست بمرارة هذا الشاب كاتب رسالة "الطرقات الثقيلة"
وتخيلت حال ابني وهو لا يجدني بجانبه .. وأرجو أن تنصح هذا الشاب بألا يفارق ابنه
ابدا وألا يتركه بدعوى أن يعوده على غيابه كما يقول أو من اجل العمل في الخارج .
ولــكــاتــب هــذه الــرســالـة أقــول :
لم أنشر رسائلك السابقة لأنها
تضمنت تفصيلات مؤسفة لا أريد أن أشير إليها عن نزاع بينك وبين صهرك ولا أعرف وجه
الحق فيها فضلا عن أن النزاع برمته معروض أمام القضاء . كذلك فإني لم استرح لعبارة
تكررت كثيرا في رسائلك عن أنه "لا فرق بين مال الزوج ومال الزوجة" وذلك في
معرض ردك على مطالبة صهرك لك بذلك المبلغ .. ولأني لست قاضيا فإني لا أريد أن أبدي
رأيا قاطعا في النزاع .. لكني أقول لك فقط أنه ليس هناك أب يستطيع أن يمنع زوجة
وأما من أن تعود مع زوجها إلى بيتها إذا رغبت هي في ذلك .. فإذا كانت زوجتك قد
رفضت السفر معك إلى بيت الزوجية بعد إنقضاء الأجازة فلأنها قد أرادت ذلك وليس
أباها قد أرغمها عليه كما قلت لي في رسائلك السابقة.
والأمر ببساطة هو هل لزوجتك
حقوق مادية عليك أم لا ؟
فإذا كان لها حقوق مادية من
حصيلة رواتبها خلال عملها في الغربة فهي لا تحل لك وينبغي أداؤها سواء عادت إليك
زوجتك أم لم تعد .. وليس يجدي هنا مبدأ أنه لا فارق بين مال الزوجة ومال الزوج أو
إن كل ما تملكه هو ملك لها .. ولا يغير من الأمر شيئا .. فللزوجة أن تحتفظ بعائد
عملها لنفسها إذا أرادت ذلك ولا يحق للزوج شرعا ارغامها على المشاركة في نفقات
الأسرة مادام قادرا على الوفاء بها .. وما لم تبادر هي بهذه المشاركة حبا وكرامة
وتطوعا وليس اجبارا وإذا كانت صعوبات الحياة تقتضي من الزوجين أن يتعاونا معا على
مواجهة أعباء الحياة .. فإن هذه الضرورة تنتفي إذا كان الزوج ميسورا وقادرا على
تحمل مسئولية الانفاق على الأسرة وحده كما هو الحال معك.
والواضح أن هناك خلافا ماديا
كان من الممكن التفاهم حوله بخطوات عملية وليس بالنوايا الطيبة وحدها .. وهذا في تقديري
هو السبب الأساسي الذي أدى إلى تفاقم الخلاف ووصولة إلى ساحات المحاكم .
إنني مرة أخرى لا أقضي بينكما لأني
لم أسمع وجهة نظر الطرف الآخر في النزاع ..
لكنك إن كنت صادقا فيما نسبت
إلى صهرك من مطالبته لك بثمن "تربيته لابنته" وتحريضه لها على هجرك لهذا
السبب وحده فلا شك أنه مخطئ في ذلك وقد أجرم في حق ابنته وحقك وحق حفيده وحق
الحياة والدين .
أما إذا كانت المطالبة أساسا
بمجموع رواتبها عن فترة عملها معك في الخارج فتأكد أن زوجتك هي المسئولة أولا عن
هذه المطالبة وهي حق مشروع لها وبالتالي فإن طريق التسوية لابد أن يبدأ من إعادة
الحق لأصحابه .
يا صديقي إن بحر الخلاف بلا
شطآن .. ولست أحترم كما قلت مرارا من يتعجل طرح خلافاته العائلية أمام القضاء وقد
كان من الممكن بقليل من المرونة أن يلتقي الطرفان عند حل وسط للمشكلة ولاشك أنه من
الحمق أن يتمادى إنسان في نزاع يستطيع حله بقليل من الانصاف لنفسه وللآخرين .. وأنت
تعاني وحدتك وغياب طفلك وزوجتك ولا شك أن زوجتك وطفلك يعانيان أيضا نفس المعاناة
.. فلماذا هذا العذاب والحل بين أيديكما ؟ بل وكيف يقبل هذا الاب على نفسه أن يحرم
حفيده من أبيه ولا يساعد على حل الخلاف بدلا من توسيعه ؟
إنني أنصحك بأن تركز محاولاتك
للصلح على زوجتك لأنها الطرف الأساسي وليس أباها رغم كل شئ .. وبأن تكون عادلا
معها .
كما أنصحها أيضا بأن تضع مصلحة طفلها الصغير في اعتبارها وألا ترضى له باليتم المعنوي وأبوه على قيد الحياة ويحترق شوقا إلى ابنه وزوجته .. وأن تؤمنا معا بأن كنوز الأرض كلها لا تعدل لحظة صفاء واحدة لأسرة صغيرة يرفرف عليها الحب والوفاق .. فماذا أنتما صانعان؟؟
نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" يناير
1992
كتابة النص من مصدره / بسنت
محمود
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر