الحلقة الحديدية .. رسالة من بريد الجمعة عام 1992

الحلقة الحديدية .. رسالة من بريد الجمعة عام 1992

             الحلقة الحديدية .. رسالة من بريد الجمعة عام 1992 

كتبت إليك رسالتي هذه بعد أن ضاقت الدنيا حولي ولم أجد بعد الله سبحانه وتعالى من ألجأ إليه غيرك .. إنني فتاة في الواحدة والعشرين من عمري أحمل مؤهلا متوسطا .. رحلت أمي عن الحياة وأنا في عامي الأول، وتزوج أبي من أخرى وأنا في التاسعة .. ولن أروي لك عن عذابي وحرماني طوال عشرين سنة لأنني لم أكتب إليك لهذا السبب .. وإنما كتبت لك لأني أواجه مشكلة أكثر صعوبة.

فقد توفي أبي منذ شهور وتحولت معاملة أرملته إلى معاملة وحشية بعد أن انفردت بي وعرفت أنه لن ينقذني منها أحد, ورغم ذلك فقد صبرت على معاملتها لي لأني وحيدة في هذا العالم البغيض وقد فر القريب قبل الغريب من قبول استضافتي عنده إلى أن يرحمني الله برحمته .. ورغم ذلك فقد تحملت ظروفي وقدري .. ولم أشك لأحد ثم جاء اليوم الذي كنت أخشاه طوال حياتي وأفكر فيه في نومي.

فقد طلبت مني أرملة أبي أن أغادر البيت الذي ولدت وتربيت فيه لكي تتزوج هي فيه وأعطتني مهلة لمغادرته وأنا الآن لا أعرف إلى أين أذهب ولا كيف أواجه هذا العالم الواسع أو أتعامل معه ولا أهل بجانبي ولا أقارب .. والمهلة تقترب من نهايتها وكلما مضى يوم منها أحسست كأن حلقة حديدية تضيق حول رقبتي شيئا فشيئا وتخنقني وتحبس أنفاسي. إنني أرجوك ألا تتركني وحيدة في هذه الدنيا القاسية فهل تفعل؟

 
ولــكــاتــبة هــذه الـرسـالـة أقـول :

 

بل يفعل ربك يا آنستي .. وهو الفعال لما يريد .. فاتصلي بي مساء الاثنين القادم .. فلقد تلقيت عقب نشري لرسالة "نظرة الانكسار" في الأسبوع الماضي وخلال ثلاثة أيام فقط 64 عرضا لتشغيل بطلة القصة, كان بعضها يتضمن الاقامة واخترت لها أنسب هذه العروض لظروفها وقدمته لها, ولا يتسع المجال هنا لأروي لك عن الفضليات والفضلاء الذين اتصلوا بي وبعضهم من أهل القمة في الدين والدنيا والوجاهة الاجتماعية الصادقة المتواضعة .. يطلبون مني أن أتيح لهم فرصة مؤازرة تلك السيدة على الطريق الصحيح الذي اختارته لنفسها, ولا عن الفضليات اللاتي طلبن بإلحاح أن ادعوها لزيارتهن ليتعرفن إليها ويشددن من أزرها ويعتززن بصداقتها, وإنما أشرت إلى ذلك فقط لكي أقول لك أن في الدنيا فضلاء كثيرين يرون في مناصرة الضعيف واجبا عليهم وعبادة يتعبدون بها, ولا شك أن أحد هذه العروض التي تتضمن الإقامة يمكن بعد استئذان مقدمته أن أقدمه إليك.

 فتفضلي بالاتصال بي لتعرفي أنك لن تكوني بأمر ربك وحيدة بعد الآن في الحياة ولتتأكدي أن الدنيا ليست دائما "بغيضة"  إلى هذا الحد .. ولن تكون إلى يوم الدين إن شاء الله.

رابط رسالة نظرة الانكسار

نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" يناير 1992

كتابة النص من مصدره / بسنت محمود

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات