طريق الجنة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1993
سأبدأ بسرد المشكلة مباشرة كسبا للوقت .. شقيقة زوجتي سيدة فاضلة عمرها 42 سنة تزوجت منذ 15 عاما من أخ فاضل يعرف ربه وأنجبت منه ستة أولاد وضعتهم جميعا بعمليات قيصرية مؤلمة .. وفي بداية حياتهما الزوجية كان الزوج مازال طالبا في كلية عملية فكان يقوم ببعض الأعمال التي تدر عليه دخلا بسيطا , وتساعده زوجته بأعمال الخياطة في البيت وتحصل من عملها على دخل طيب ولا تبخل بمال أو جهد في إسعاد زوجها وأولادها فساعدته كثيرا في حياته وحافظت على صورته أمام الآخرين وعاشا والحمد لله حياة سعيدة ساعدهم عليها أنهما متدينان ويرعيان حدود الله في حياتهما والمشكلة هي أن الزوج قد فاجأ زوجته منذ فترة صغيرة وبلا مقدمات بأنه يريد أن يتزوج من زميلة شابة له في العمل وأسبابه لهذا التفكير هي أنها مريضة بالقلب وقد تقدم لها شبان كثيرون فكانوا إذا ماعرفوا بمشكلتها الصحية ينصرفون عنها بلا عودة , ولهذا فهو يريد أن يتزوجها لكي يريحها من العمل تقربا إلى الله وطلبا لدخول جنته.
وعندما صارح زوجته وصارحني بذلك رفضت زوجته موافقته على هذا التفكير وحزنت له وامتنعت منذ ذلك اليوم عن أعمال الخياطة ومنطقها في ذلك هو أنه مادام قادرا على فتح بيت جديد , فلينفق إذن على دخله على بيته الأول ويلبي احتياجات أولاده الستة الذين تحملت العناء الشديد في إنجابهم وتربيتهم دون انتظار لمساعدتها في ذلك .
وهكذا دب الشقاق وتكدر صفو حياة هذه الأسرة الطيبة , وقد حاولت مناقشته في هذا الأمر حتى من ناحية الأعباء المادية وهو الذي يعمل صباحا ومساء في عملين ولا يفي باحتياجات أولاده الستة فلم أستطع التوصيل معه إلى نتيجة مرضية , وأخيرا استأذنته في أن أعرض عليك هذا الأمر لتكون حكما عادلا بيننا فرحب بالفكرة .
فأرجو أن تشير علينا بالرأى السديد فيه .. وأن توضح لزوجته ما ينبغي عليها أن تفعل دون أن تغضب ربها , وله بل ولي أنا شخصيا هل ما يريده حقا عملا يمكن أن يتقرب به الإنسان إلى الله .
ولــكـــاتــب هــذه الــرســالــة أقـــول:
أما وأن مثل هذا العمل مما يتقرب به الإنسان إلى الله ويطلب به جنته فهذا صحيح ولكن إذا لم يترتب عليه ضرر أكبر من الخير الذي استهدفه به , فإذا كان ضرره على نفسه ومن يعولهم ومن يشاركهم حياتهم مؤكدا كما في مثل حالته , فإنه لا يصبح أمرا مفضلا ولا مطلوبا .. ولا إنسانيا .. فليدع إذن هذه القربى لمن يقدرون عليها دون إيلام لأحد كمطلق يحتاج إلى رفيقة حياة تؤنس وحدته وتشاركه رعاية أطفاله أو أرمل يطلب نفس الغاية أو شاب تأخرت به سن الزواج وقد يجد في هذه الزميلة عوضا إذا عرف مشكلتها الصحية .. أو حتى لزوج تقبل زوجته الفكرة برضا ولا تعارضها ولا تحزن لها وتسمح له إمكانياته المادية بتحمل أعباء هذه القربى دون إضرار بزوجته وأولاده .
أما زوج لسيدة اختارته وهو طالب وأعانته على أمره ومازالت تعينه بعملها وعطائها على أعباء تربية أبنائه , وأب يعمل فى عملين فلا يفي عمله باحتياجات أبنائة الستة وما أكثرها فهو آخر من يصلح لهذه المهمة الإنسانية .. خاصة وأن شرط التجرد من أى رغبة دنيوية من ورائها ينفيه على الفور إقدامه عليها ضد موافقة زوجته ورغبتها كما هو الحال في قصته .. وهو كما تقول رجل يعرف ربه , ويعرف بالضرورة أن من حق الزوجة شرعا وقانونا إذا رغب زوجها في الزواج من أخرى أن ترفض الموافقة على ذلك ولها أن تطلب الطلاق إذا تمسك به الزوج فإن فعلت ذلك زوجة صديقك تمزق ستة أولاد بين أبويهما وتعرضوا لضرر بالغ .. فكيف يكون مثل هذا العمل "رغم نبله" عملا يطلب به صديقك جنة ربه؟
إن العبرة دائما ليست بالسيف وإنما باليد التي تحمله .. وهذا العمل عمل نبيل وإنساني حقا وصدقا .. ولكن في يد من يصلح له ومن لا يترتب على إقدامه عليه إيلام لزوجته ولا إضرار بأبنائه , فقل كل ذلك لصديقك وطالبه بأن يتعقله ويراجع نفسه فيه كما ينبغي لرجل منصف مثله.
أما زوجته فهي لا تغضب ربها إذا رفضت زواجه من زميلته وأصرت على موقفها هذا إلى حد الطلاق , فقد رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن لعلي بن أبى طالب بأن يتزوج على فاطمة إبنة عمرو بن هاشم حين هم علي بزواجها على مألوف عادة الرجال في زمنة وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على المنبر أن بني عمرو استأذنوه في أن يزوجوا إبنتهم عليا "ألا وأني لا آذن .. ثم لا آذن .. ثم لا آذن إنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها " وأقر فاطمة على رفضها .. ولا يغير من الأمر كثيرا هنا أنه كره لها أن يتزوج عليها علي ابنة عدوه أبي جهل بالذات فإن كان هذا سببا رئيسيا فسبب أهم منه هو أنه كأب رحيم قد رأى في هذا الزواج أذى لفاطمة فغضب لغضبها وحزن لحزنها , رغم مشروعية تعدد الزوجات وانتشاره إلى حد العرف في زمانه .
فإذا كان "الأذى" يعطي الزوجة حق الرفض وطلب الطلاق فكيف يكون الحال مع مسئولية ستة أبناء .. وقلة الدخل وكثرة المسئوليات وتضحيات الزوجة التي تجعل من زواجه الإنساني هذا هو ما هو أكثر من الأذى وأبلغ من الضرر ؟!
نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" فبراير 1993
كتابة النص من مصدره / بسنت محمود
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر