هموم الآخرين .. رسالة من بريد الجمعة عام 1988
أكتب إليك من مونتريال بكندا
حيث أعيش الآن لأهنئك على هذا الباب شاكرا لك اهتمامك بمشاكل القراء ومحاولتك
دائما مساعدتهم بالرأي وبالتعليقات النافعة .. وها أنا على بعد آلاف الأميال من
وطني أعيش مع ابنائه مشاكلهم من خلال هذا الباب واتأثر بآلامهم .. ورغم أن عمري 61
سنة إلا أني تلقيت درسا بليغا فى الإيمان بالله من كاتب رسالة "سر
الحياة" والد الطفلة رشا التى سلبها المرض اللعين نورعينيها أعانها الله
وحماها , لهذا فإني أريد عند زيارتي قريبا لمصر بعد غيبة طويلة أن أصافحك, وأن توافيني
مشكورا بعنوان والد رشا لأني أريد أن أهنئه على إيمانه كما أرغب فى ارسال هدية نافعة
لهذه الطفلة اللطيفة المحبوبة, وبهذه المناسبة فإني أقرأ هنا بابا مماثلا في جريدة
الجازيت بمونتريال تشرف عليه السيدة آن لندرز، ترد على مشاكل قرائه لكنه شتان ما
بين مشاكل بابكم ومشاكل بابها لأن مصر بخير دائما بفضل قيمها وإيمانها رغم كل شئ.
وهاك بعض الأمثلة لما ينشر هنا
فى باب الجازيت لتدرك الفارق.
*
أب وأم يستشيران آن لندرز الولد بلغ سن 19 سنة ونرغب فى أن يترك البيت ويذهب إلى
حال سبيله لكنه يتغابى و"يطنش" ومقيم إلى الآن فى البيت يأكل ويشرب
وينام ولا نعرف ماذا نفعل معه .. فهو لا يحس !
**
الرد هذا شئ لا يحتمل السكوت عليه لابد من أن تتحدثا معه بصراحة لكي يغادر البيت
.. والخ
* استشارة أخرى من أم ابنتي
عمرها 14 سنة وقد وجدتها مع صديقها منفردين وأخشى عليها من الحمل في مثل هذه السن
المبكرة ماذا أفعل ؟
**
الرد : أحسن حل هو حبوب منع الحمل ولابد أن تعرفيها بضرورة تناولها بانتظام وهي
فعالة جدا يا سيدتي ويمكن أن تحصل عليها مجانا من الممرضة التي تعمل بالمدرسة .
*
مشكلة ثالثة مشاجرة بين زوجين لأن الزوج يريد أن يدفن بعد وفاته بين زوجتيه
السابقتين والزوجة الثالثة تقول أنها تحبه جدا وضحت من أجله كثيرا ولا يمكن أن
توافق على ذلك .
**
أما الرد فلا داعى له لأنه من نفس نوع المشكلة!
وأخيرا أهديكم تحياتي وسلامي
وأقول لكم أن قلبي معكم دائما رغم البعد وطول الاغتراب والسلام.
ولــكـاتــب هــذه الـرسـالـة أقــول :
شكرا لك يا سيدي على معايشتك
لهموم أبناء وطنك الآلام على البعد .. وهذا ما ألاحظه كثيرا فى رسائل المغتربين
المصريين في كل مكان, لكأنما يزيدهم البعد قربا من هموم بلادهم وإحساس بمشاكلها.
ولا عجب في ذلك لأن البعد يؤجج
المشاعر ويخلصها من رواسب المعاناة اليومية فلا يبقى في النفس إلا الحب صافيا
لتراب هذه الأرض على نحو يعرفه جيدا من نأى عنها بجسمه واقترب منها بقلبه ووجدانه ..
أما رغبتك النبيلة فى اهداء رشا هدية نافعة فإني أشكرك عليها وأرجو أن يكتب إلي
والدها بعنوانه مرة أخرى لأبعث به إليك .. وأما تحيتك لبريد الجمعة فشكري لك عليها
بلا حدود .. وإن كان هناك ما يقال عما أرسلته من نماذج لما تقرؤه من مشاكل الناس
في مهجرك .. فهو أن هموم البشر دائما هي نتاج المجتمع الذي يعيشون فيه والقيم
السائدة به . فنحن هنا مثلا نحزن إذا فكر الابن الشاب في مغادرة بيت الأسرة ليعيش
وحيدا.
ولا نقبل ذلك إلا إذا كان سيغادره إلى بيت الزوجية , أما هم فالوضع الطبيعي عندهم
هو أن يغادره في مثل هذه السن ليعيش وحيدا فى مسكن مستقل وليكسب رزقه ويواصل
تعليمه إذا أراد .. وهكذا تختلف الأحزان بين مجتمع وآخر في مواجهة نفس المشكلة !
وبصفة عامة فإن مشاكلنا في
غالبيتها أكثر مأساوية وجدية وأكثر ارتباطا بالمشاكل الأساسية في حياتنا من همومهم
التي تعتبر في غالبيتها هموما ترفيهية وسلوكية أكثر منها هموما اجتماعية .
ومع أني قد اعتدت أن أحترم آلام
الآخرين مهما كان نوعها فإني أرجو مخلصا ألا أعيش إلى اليوم الذي تصبح فيه مشكلة
كالمشكلة رقم 2 فى رسالتك من هموم أبواب المشاكل في مجتمعنا وإن كنت أوقن صادقا أن
مثل هذا اليوم لن يجئ لعمق جذور القيم الدينية في أعماق هذا الشعب وأهلا بك فى
القاهرة حين تجئ إليها وإلى اللقاء .
نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" أكتوبر 1988
كتابة النص من مصدره / بسنت
محمود
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
تعليقات
إرسال تعليق
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وشكرا