المسائل .. رسالة من بريد الجمعة عام 2002
وقد أثارت هذه القصة في نفسي شجوني واستأثرت باهتمامي فعندما قرأت تعليقكم عليها
وجدته يعدها بتعويض المولى عز وجل لها بزوج آخر يؤنس وحدتها ويملأ عليها الحياة,
وفي قسوة وحدتي وظروف حياتي أحسست أن الأمر لا يفرج من شدته فعلا إلا ذلك الحل أو
هذا الطريق.
ولكني أريد أن أتساءل عن موقف الراحل الحبيب في النفس في حالة الزواج بعده وهل تعد
ذكراه خطأ في حق الزوج الجديد, وهل استمرار الدعاء له وأداء الصدقات على روحه
والاعتمار والحج له وكل الأشياء التي نعرف أنها تفيد الموتى بعد الرحيل هل تصبح
حراما في وجود حياة جديدة ؟! وهل بهذه البساطة نلغي من وجداننا أعز ما نملك
ويحرم علينا التفكير فيه وهل يمنع زواجي الجديد إذا حدث أن أكون زوجة لوالد أبنائي
في الجنة, حيث سمعت أن الزوجة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا ؟!
أعتذر للإطالة في الاستفسار لكنها أمور تؤرقني وأرجو
أن تهتم بها, ومسألة أخرى هي الأطفال الأيتام وهل إذا تمت تربيتهم مع أمهم فقط
آمن لأنفسهم وتكوينهم أم أن وجود الأب البديل الزوج الثاني في حياتهم أصح نفسيا أم
لا ؟!
ومسألة ثالثة : إن ابتلاء الله سبحانه وتعالى لنا وصبرنا على البلاء يجزينا الله
عنه خير الجزاء برحمته تعالى, فما جزاء الأطفال الذين يخرجون للدنيا محرومين من
الأب أو الأم وهم مازالوا تحت سن الإدراك أو الحساب وماذا أعد الله لهؤلاء من جزاء
بعد هذا الحرمان الكبير؟!
لست أدري إن كان كلامي واضح بشكل كاف أم أنه مضطرب مثل كياني الآن بعد رحيل أعز
الناس عن الدنيا فجأة ؟!
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
ولقد ظل الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه وفيا
لذكرى زوجته الأولى السيدة خديجة رضي الله عنها بعد رحيلها وحتى انتقل هو إلى جوار
ربه.. وقد غضب من السيدة عائشة رضي الله عنها ذات يوم حين نوهت بدافع الغيرة
الإنسانية إلى أنها لم تكن سوى امرأة عجوز وقد أبدله الله خيرا منها.. فظهر
الغضب على وجهه وقال لها ما معناه : والله ما أبدلني الله خيرا منها فلقد آمنت
بي حين كفر بي الجميع, وواستني بمالها حين حرمني الجميع, وأنجبت لي الولد.
فأما رفقة الزوج الراحل في العالم الآخر فلقد جاء في
بعض الفتيا أن الأزواج يلتقون في الآخرة إذا كانوا صالحين وأما نشأة الأطفال في
أسرة أمومية الطابع أي تكون ربتها هي الأم وحدها لرحيل الأب أو الانفصال عنه..
فإنها قد تحقق أهدافها المنشودة إذا اتبعت الأم أصول التربية السليمة وأعانها ربها
على رسالتها, لكنها ليست الاختيار الأفضل لهؤلاء الأطفال, وخير منها بكل تأكيد
الأسرة الطبيعية التي يتشارك فيها الأبوان في رعاية الأبناء والحدب عليهم.
ولقد يكون الأب البديل إذا كان صالحا ويرعى حدود ربه
أفضل للأطفال الصغار من انفراد الأم وحدها بالمسئولية عنهم .. والحكمة البوذية
القديمة تقول إن الطفل بلا أب كالبيت الذي بلا سقف, لاشيء يحمي سكانه من وهج
الشمس أو مطر الشتاء, وأما جزاء الأطفال الصغار من حرمانهم من أبيهم في
صغرهم.. فكبير أيضا يا سيدتي ولقد يسوقه الله سبحانه وتعالى إليهم في الدنيا أو
يدخره لهم في الآخرة أو يجزيهم عنه خير الجزاء في الدارين.
فتماسكي يا سيدتي لكي تستطيعي القيام بمسئوليتك الإنسانية عن أبنائك.. والله
المستعان دائما علي كل شئ.
تنويه هام
تواصلت
معنا السيدة الفاضلة كاتبة الرسالة بتاريخ 26 أكتوبر 2024 وعرفنا منها أن زوجها
الراحل رحمه الله توفي عن عمر 36 عاما فقط وكان رجلا فاضلا عطوفا لا يمكن أن تنساه
وكان أطفالها وقت وفاته في فبراير 2002 أعمارهم الابن 6 سنوات والابنة 3 سنوات .. واليوم الابن قد أصبح مهندسا كوالده ووالدته والابنة طبيبة حديثة التخرج نسأل الله
أن يبارك لها فيهم ويحفظهم .. وعرفنا منها أيضا أنها لم تتزوج وكرست حياتها لأبنائها
وتحدت ظروفا صعبة كأرملة شابة لا يرحمها المجتمع في طريقها الذي اختارته بالاكتفاء
بأطفالها وحفظا لذكرى زوجها الحبيب الذي تعلقت روحها بروجها رحمه الله.
خالص الاحترام والتقدير لها والشكر على تواصلها معنا ودعاء من القلب أن يديم عليها
وعلى أبنائها نعمه وان يجازيها خيرا ويربط على قلبها ويرحم توأم روحها.
ملاحظة : عدد الابناء في الرسالة 3 وليس 2 فقط لتعمد الكاتبة وقتها اخفاء شخصيتها .
نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" في أكتوبر عام 2002
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر