أفراح .. محزنة ! .. بقلم عبد الوهاب مطاوع "كتاب وحدي مع الآخرين"

 

أفراح .. محزنة ! .. بقلم عبد الوهاب مطاوع "كتاب وحدي مع الآخرين"

أفراح .. محزنة ! 


سألتني المذيعة الشابة : هل تتأثر بمآسي بريد الجمعة التي تكتبها كما نتأثر بها نحن .. وهل تبكي مع سطور بعضها .. كما نبكي نحن مع كثير منها ؟ فأجبت : من لا يتأثر ..لا يُؤثِّر ! فإذا كانت بعض رسائل بريد الجمعة تؤثر في قرائه وتستدر دموعهم .. فلابد أنها قد أثرت فيّ من قبل أن تؤثر فيهم .. ولو لم تفعل ذلك لما أهاجت مشاعري ودفعتني لأن أكتبها وأعرضها على القراء وأشركهم مع صاحبها في أشجانه وآلامه , بل إني لاحظت من خبرة السنين في التعامل مع هموم الآخرين , أن ما أتوقف عنده متأملاً ومتأسياً وأحياناً دامعاً في قصص هؤلاء المهمومين , يكون هو نفسه ما أسمع من القراء فيما بعد أنهم قد بكوا عنده أو تألموا له , فكأنني بذلك قد اكتسبت خبرة التنبؤ بمواطن البكاء في رسائل من أنشر قصصهم ببريد الجمعة , لكنها خبرة بدائية لا تعتمد على أجهزة حديثة ولا تكنولوجيا متقدمة , وإنما تعتمد على الغدد الدمعية وعلى ضيق الصدر أو انفراجه تأثراً بما أقرأ .. فإن كان للخبرة دور في ذلك فهو دور نسبي يقلل من المعاناة أحياناً بسبب الاعتياد وعامل التكرار لكنه لا يحول دونها .

 

عادت المذيعة الشابة تسألني : لكن لماذا تؤثر فينا معظم رسائل بريد الجمعة .. وتستدر دموعنا أكثر مما تفعل أحياناً بعض الأفلام الميلودرامية في كثير من الأحيان .. هل عندك تفسير لذلك ؟

فأجبت : نعم .. لأن النائحة الثكلى ليست كالمستأجرة ! ففي الأفلام والقصص نقرأ تجارب إنسانية وفنية قيمة تؤثر فينا .. وقد تستدر أحياناً دموعنا , لكن عقلنا يعي طوال الوقت أننا نقرأ أعمالاً فنية مؤلفة , أما في أبواب البريد بصفة عامة فنحن نقرأ قصصا نعرف أن أصحابها أشخاص حقيقيون يعيشون بيننا وينزفون آلامهم على الورق أمامنا ..وحيث أنه " لا يعرف الشوق إلا من يكابده " فإن كلماتهم تلقي صدى أعمق لدينا , لأنهم " ينوحون " بالأصالة عن أنفسهم وليس بالوكالة عن أحد آخر كما تفعل النائحة المستأجرة !

 

رجعت المذيعة الشابة تسأل : ما هي أكثر المواقف الإنسانية التي تأثرت بها أنت شخصياً في رسائل بريد الجمعة خلال السنوات الماضية ؟

فكرت قليلاً ثم قلت : تمس قلبي المواقف الإنسانية البسيطة أكثر مما تؤثر في المواقف الميلودرامية الصاخبة . وتبكيني عبرة الرجل الصامتة .. أكثر مما يؤثر في عويله , وتهزني الدموع الحبيسة في عيني المرأة وهي تقاوم النزول أكثر مما تهزني دموعها المدرارة كفيضان النهر .. ويؤلمني إحساس الإنسان بالقهر والعجز أمام أقدار لا حيلة له فيها ولا طاقة له بها أكثر مما تؤلمني بعض فواجع القدر نفسها .. ويرق قلبي لمن يشكو لي همومه الإنسانية كوحدته أو افتقاده للأهل والرفيق ..أو مرضه ..أو تعاسته الخاصة .. أو انقطاع صلة رحمه أو غدر الأحباء به أو جحود الأبناء له , أكثر مما يرق لمن يشكو لي هموماً تجارية أو مالية أو هموماً تتعلق بالنزاعات بين الأفراد أو الطموح لتحقيق حياة أرقى ..وتدمع عيني في بعض مواقف السرور كما تدمع في مواقف الألم ..ومازلت حتى الآن وقد بلغت من العمر ما بلغته ..أختنق أحياناً بدمع حبيس كلما شاهدت زفة فرح لعروسين من البسطاء كل ما حولهما بسيط ..ورخيص .. وبائس فأتردد بين الابتهاج بهما والرثاء لهما بدلاً من أن أبتهج ! وهذه طبيعة " اكتئابية " يبدو أنني قد اكتسبتها من طول معاصرة الهموم والتعامل معها .

 

قالت المذيعة الشابة : ما هي أكثر الرسائل التي أثرت فيك خلال السنوات الماضية ؟

أجبت : كل الرسائل الحزينة .. وكل الرسائل التي تشكو من تصاريف القدر وفقد الأعزاء .. وانهزام الإنسان أمام المرض .. وانهزام الحب أمام الظروف المادية .. أو الغدر وانعدام الوفاء ..لكن بعض مواقفها أثرت في أكثر من غيرها , فإذا استرجعت ذاكرتي وجدتني أتوقف أمام مواقف مثيرة للتأمل لا تتكرر كثيراً في الحياة ..وحين تقع تترك في نفوسنا أثراً كالحزن البنفسجي الشفيف .. مثل موقف الشاب المكافح الذي كان يدرس بكلية طب الإسكندرية ويواجه ظروفاً اجتماعية قاسية .. ولا يجد قوت يومه ولا تكاليف دارسته فعمل في أعمال عديدة بعيداً عن منطقة كليته ليوفر لنفسه الحد الأدنى من نفقات الحياة , وقد عمل في البداية كبائع سمك فترة , فكان يخرج في الفجر ويشتري السمك من الصيادين ويطوف به الشوارع ليبيعه ويكسب قروشاً قليلة ثم يعود إلى بيته ويغير ملابسه ويذهب إلى كليته , ثم أعجبت به زميلة له لاحظت عليه إرهاقه الدائم وجديته واستقامته فاقتربت منه ..واقترب منها ..وأتاحت له الظروف أن يعمل عاملاً لتوزيع البوتاجاز , فكان يبدأ يومه بالذهاب إلى المستودع ويحمل على عربة يد صغيرة 20 أنبوبة بوتاجاز يطوف بها الشوارع في الصباح الباكر , ويحمل الأنابيب الممتلئة على ظهره إلى الشقق وينهي عمله قبل العاشرة صباحاً , فيغير ملابسه ويذهب إلى الكلية .

واستمر يمارس هذا العمل عامين تعمقت خلالهما المشاعر بينه وبين زميلته , إلى أن مرض زميل له فأضاف صاحب المستودع إليه مهمة التوزيع في منطقة الزميل المريض , وأدى عمله في سلام , ثم طلب منه ذات يوم بواب إحدى العمارات بالمنطقة الجديدة أن يحمل أنبوبة إلى إحدى شقق العمارة ففعل ..ودخل إلى المطبخ وقام بتركيب الأنبوبة واختبارها ثم حمل الأنبوبة الفارغة على ظهره وغادر المطبخ إلى باب الشقة , واستدار ليتقاضى أجره ففوجئ بزميلته تقف وراء ربة البيت تتأمله صامتة ومذهولة , فتجمد في موقفه لحظات ثم أحنى رأسه خجلاً وتسلم أجره ..وهرول على السلم وهو في قمة الحرج والألم ..ورغم أن الفتاة حاولت بعد ذلك أن تقنعه بأنها معجبة به وبكفاحه إلا أن واقعه الاجتماعي قد حال بينه وبين الارتباط بها بعد التخرج فقد رفضته أسرتها ..ولم تكافح فتاته طويلاً لإقناع أهلها به , واستسلمت بعد مقاومة قصيرة لرغبة الأسرة في أن تتزوج من عريس مناسب اجتماعياً ومادياً ..وتزوجته فلم تسعد به .. ولم تستقر معه أكثر من ثلاثة أعوام ذاقت خلالها أهوالاً من التعاسة والمرارة وعادت إلى بيت أسرتها مطلقة حزينة تحس بأنها قد أخطأت في حق نفسها وحق شريك أحلامها السابق حين لم تتمسك به إلى النهاية , وبعد فترة من التفكير ومراجعة النفس قررت أن تصلح خطأها , وبحثت عن الفتى المكافح القديم وركبت القطار إليه في أقصى الصعيد حيث هاجر إلى هناك هارباً من تعاسته , ورفع الطبيب الشاب رأسه وهو جالس إلى مكتبه في عيادته البسيطة فوجدها أمامه فجأة ...تنظر إليه في خجل ..وتوجس ..وتنتظر كلمته ..في مصيرها ..هل يعفو عنها , ويستكمل معها القصة الناقصة أم يستسلم للمرارة القديمة ويرفضها ؟

فلم تمض ساعتان حتى كان المأذون يعقد قرانهما في شقة صاحب البيت الذي تقع فيه العيادة , وكان صاحب البيت الشهم يحتفل بزواجهما ويتصل بأهلها في الإسكندرية ليبلغهم الخبر ..ورغم أن القصة انتهت نهاية سعيدة , فلقد تأثرت بأحد مواقفها أبلغ التأثر , وهو اللحظة التي التقت فيها عين طالب الطب المكافح وهو يرتدي ملابس العمال ويحمل أنبوبة البوتاجاز على ظهره ..بعيني فتاة القلب الذاهلة التي تنظر إليه في دهشة ..وانزعاج ! وقد تأثرت بها لأنها " لحظة انكسار" إنسان أمام واقعه الأليم أحس فيها بالحرج والألم ..والعجز والهوان , ولاشيء يمس قلبي كما يمسه انكسار الإنسان الذي كرمه ربه ورفعه فوق كل الكائنات , أمام ظروف أقوى منه ..أو واقع يخجل منه ..كما تأثرت أيضاً باللحظة التي رفع فيها هذا الطبيب الشاب رأسه في عيادته على بعد 600 كيلو متر من المدينة التي شهدت هزيمة حبه , فرأى أمامه فتاة القلب التي لم ينسها لحظة واحدة خلال السنوات الماضية .. تنظر إليه متوجسة من أن يكون رد فعله للقائها مخيباً للآمال .. إنها لحظة انكسار أخرى لكنها تختلف عن الأولى لأن صاحبتها تحس بالندم على ما فات وليس بدافع العجز أمام الظروف القاهرة .

باختصار قلت للمذيعة الشابة .. كل ما يُشعر الإنسان بالهوان والعجز وضآلة الشأن ..والمرارة ...يؤلمني ويثير مواجعي .

رابط الرسالة المذكورة بعنوان صورة تذكارية

 

قالت المذيعة الشابة : هل يرتبط عندك التأثير بالمواقف الحزينة أو المؤلمة فقط ؟

أجبت : ليس دائماً ..فهناك بعض المواقف " البهيجة " التي تثير من الألم أحياناً أكثر مما تثيره بعض المواقف الحزينة , بل إن هناك من البشر من قد يبكيني فرحهم بأكثر أحياناً مما قد يبكيني حزنهم , وهؤلاء هم الأشخاص الذين نستطيع أن نقول عنهم : إن أحزانهم كثيرة وأفراحهم قليلة , فإذا رقّت الحياة لهم ووهبتهم لحظة فرح طاغ مباغت ..استدروا بفرحهم الصادق من الدموع أكثر مما استدروا من قبل بآلامهم .

إن فرحة " قليل البخت " تبكيني ولا حيلة لي في ذلك ولا تفسير له منطقياً أو علمياً عندي ! ! وإذا سألتني عن مثال لذلك فسأحكي لك موقف الشاب الذي نشرت رسالته منذ 7 سنوات أو أكثر بعنوان "الفصل الأخير" في زفاف شقيقته الوحيدة , فقد نشآ يتيمين في رعاية أبيهما وتوفي الأب وهما في المرحلة الثانوية فتساندا في الحياة شقيقين يتيمين لا خال ولا عم ولا قريب واضح القرابة لهما , كأنهما مهاجران إلى مصـر من قارة بعيدة , يعيشان على معاش الأب وكلما اشتدت عليهما ضغوط الحياة بكت الشقيقة فواساها الشقيق وهو يجفف دموعه ! .. ومضت بهما الحياة حتى تخرجا وعمل الشقيق وعملت الشقيقة , ثم تقدم لها شاب أحبها فقدم لها شقيقها كل ما يملكه من إمكانات وباع حلي أمها واستدان من عمله لكي يزفها إلى زوجها بشكل كريم يعوضها عن يتمها وانعدام الأهل , وجاء حفل الزفاف فسعد الشقيق بفرحة شقيقته سعادة طاغية , وغلبته مشاعره فأمسك بالعصا ورقص مبتهجاً بين يدي شقيقته وعريسها ..ثم التقت عينه صدفة بعيني شقيقته فوجدها تصفق له ضاحكة ودموعها تسيل كالنهر , فعز عليه ألا يشاركها دموعها فجاوبتها دموعه وهو يرقص طرباً ووصف لي هذا المشهد معلقاً عليه بعبارة لم انسها حتى الآن هي " وكأننا لا نعرف في حياتنا إلا البكاء " ! وفي القصة تطورات أخرى مؤلمة ..لكني لا أتوقف دائماً إلا أمام هذا المشهد الفريد ..إنها فرحة ذوي الأفراح القليلة والأحزان الكثيرة التي تثير الـتأمل .. وتوجع القلب !


 

ومن أمثلتها أيضاً فرحة الشقيق الأصغر في رسالة " أوراق الشجرة " وقصته أنه الابن الأصغر لطبيب كبير شهير ..أراد أن يكون كل أبناؤه من الناجحين مثله فحققت البنت الكبرى والابنان الأولان آماله وتخرجا في كليات مرموقة وتعثر الابن الأصغر سيئ الحظ الذي رحلت أمه عنه وهو صغير وفشل في الحصول على الثانوية العامة وهال الطبيب الكبير الذي تزوج بعد وفاة زوجته أن يكون له ولد " فاسد " لم يكمل تعليمه فطرده من بيته وقاطعه نهائياً وحرمه من جنته لرفضه أن يبدأ من جديد , ويدرس الثانوية العامة بنظام المنازل .. وفشل الشاب في استرضاء أبيه وإقناعه أن هذه هي قدراته التي تختلف عن قدرات أشقائه وأنه لا يريد منه شيئا سوى ألا يحرمه من أبوته , لكن قلب الأب أوصد في وجهه رغم تعاطف أشقائه معه , فخرج الشاب إلى الحياة يكسب رزقه بأعمال صغيرة ..وعمل بائعاً في محل أحذية .. ورضي عنه صاحب المحل لأمانته وأخلاقه لكنه فوجئ به ذات يوم يستدعيه ويعطيه أجره مضاعفاً ويصرفه فوقف الشاب مبهوتاً ومختنقاً بالدمع وسأله بصوت خفيض : لماذا تقطع رزقي يا سيدي ..هل رأيت مني شيء ؟ فيجيبه صاحب المحل متألماً : لا والله لم ألمس منك إلا كل خير وجدّ وأمانة وأخلاق كريمة ..ولكن ! ويسكت صاحب المحل ..ويفهم الشاب أن أباه قد " وصل " إليه وأرغمه بنفوذه على طرده ليجبره على تحقيق حلمه المستحيل في إعادة الثانوية العامة , ويظل الشاب ينتقل من عمل إلى عمل ويحرص على صلته بأشقائه الذين هاجر احدهم إلى أمريكا ليحصل على الدكتوراه وتزوجت الكبرى وهاجرت إلى أوروبا مع زوجها إلى أن جمع الله بينه وبين فتاة مكافحة من أسرة صغيرة فتزوجا وساندته أسرتها البسيطة وأعانته على فتح محل صغير لبيع السجائر والحلوى في أسفل بيتها , ويحرص الأشقاء المرموقون على صلتهم الأخوية بشقيقهم ضئيل الشأن أبيض القلب الذي يحمل لهم في قلبه أعمق مشاعر الحب والعرفان , في حين يواصل الأب القاسي رفضه له ومقاطعته حتى النهاية , ثم يكون الشاب المكافح واقفاً في محله الصغير ذات يوم فتتوقف سيارة أجرة أمامه ويفاجأ بشقيقه الدكتور المهندس الغائب في أمريكا منذ سنوات ينزل منها ومعه زوجته الأمريكية وابنه الطفل الوليد فتنتابه فرحة هستيرية برؤية شقيقه وحضوره مع أسرته لزيارته , فيعانقه مرات ومرات ويرحب بزوجته بحرارة طاغية ..ثم يحمل طفل شقيقه الذي لم يره من قبل فوق رأسه وتغلبه مشاعره فلا يدري إلا وهو يرقص به في الشارع سعيداً ..والطفل آمن باسم مستسلم له كأنه كما قال في رسالته " يعرف أنني عمه " ! ثم يصطحب الجميع إلى شقته البسيطة فوق المحل ..ويمضي الجميع معاً وقتاً سعيداً صافياً ويكتب الشقيق لشقيقه بعد عودته إلى أمريكا أنه قد زار في مصر أماكن فخيمة كثيرة , وأقام في أفخر الفنادق , وتناول طعامه أغلى المطاعم " فوالله" إني لم أشعر في مكان منها بمثل ما شعرت به من أمان وسلام وصفاء وأنا في بيتك الجميل الصغير ولم أستطب طعاماً .. كما استطبت طعام زوجتك المهذبة الودودة , فحتى الماء كان له في بيتك طعم خاص لا مثيل له .. وزوجتي تشاركني في هذا الرأي.

 ولقد أوجعت هذه القصة قلبي بإحزانها وأفراحها معا .. فتوقفت أمام اللحظة التي يسأل فيها الشاب المكافح صاحب محل الأحذية بانكسار عن سبب قطع رزقه .. وتوقفت أطول أمام فرحته " المؤلمة " بمجيء شقيقه المرموق مع زوجته الأمريكية وطفلهما ليزوروه في عمله الصغير وسكنه المتواضع ,وكان أكثر ما آلمني فيه هو إحساسي بأن جزءا كبيرا من أسباب هذه الفرحة الطاغية يرجع إلى سبب مؤلم إنسانياً , هو استشعار الشاب البسيط " للتكريم " الإنساني له من جانب شقيقه اللامع باصطحاب زوجته وطفله إليه كأنما يقول له إنك شقيقي مهما اختلفت حظوظنا في الحياة ..لقد كانت فرحة " عرفان " إلى جانب كونها فرحة الشقيق برؤية شقيقه الغائب ..وقديماً قالوا : إن من " يعرف " أكثر " يحزن " أكثر لأنه يفهم أكثر الأبعاد المؤلمة لبعض تصرفات الإنسان المعذب بالبحث عن سعادته منذ الأزل .

رابط رسالة أوراق الشجرة

 

وأخيراً قلت للمذيعة الشابة : إني قد تعبت من الاجترار واستعادة المشاهد المؤلمة , ورجوتها أن يتوقف الحديث عند هذا الحد , فقالت : سؤال أخير .. لمن تكتب باب بريد الجمعة في " الأهرام " بأحزانه ومآسيه هذه ؟ تفكرت في سؤالها طويلاً ثم قلت : عندي جوابان كلاهما يكمل الآخر الأول من إنشائي وهو أني اكتبه لمن يريدون أن يشاركوا الآخرين أحزانهم ويخففوها عنهم ولو بالتعاطف والمشاركة الإنسانية معهم .

اكتبه أيضاً لمن يريدون أن يثروا خبراتهم بالحياة بتجارب الآخرين وخبرة الآلام الثمينة في حياتهم ..وأيضاً لأصحاب المشاكل والهموم أنفسهم الذين قد يؤدي جهدي المحدود إلى إضاءة بعض الطريق لهم أو إلى إعانتهم على تقبل أقدارهم .. والتواؤم معها أو إلى تفادي بعض أشواك الحياة وبعض عثرات الطريق .

أما الجواب الآخر فلقد قاله الأديب السويسري العظيم فردريش دورنمات لمن سألوه نفس السؤال وهو : إنني أكتب دائماً للذين إذا استمعوا إلى محاضرات في الفلسفة أغرقوا في النوم , كما اكتب لهؤلاء الذين يشاركونني الاعتقاد أننا نستطيع أحياناً أن ننقذ الإنسان ..من مخالب الإنسان !

وما أطول مخالب الإنسان في بعض الأحيـــان .. وما أطول شقاء الآخرين بها .

نشرت في كتاب وحدي مع الآخرين

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات