هموم الآخرين .. رسالة من بريد الجمعة عام 1988
أنا من قراء
بريد الجمعة بالرغم مما يسببه لي من آلام نفسية لذلك فإني أناشدك أن تقول لأصحاب
هذه الرسائل المؤلمة أن هناك في الدنيا من هم أتعس منهم كثيرا .. ومن هؤلاء أنا
على سبيل المثال .. وأنا أتساءل ماذا يفعل الإنسان حين يجد نفسه بين زوج أم وزوجة أب
في وقت واحد ؟ إن هذا هو حالي بين أبي وأمي الحقيقيين الآن .. فهما - وليغفر الله لي
ما أقول - بلا قلب ، وقد وفقهما الله تماما إلى بعضهما البعض .. لكن المشكلة أنهما
أنجبا ٦ أبناء أنا واحدة منهم يحتاجون إلى ما هو أكثر من النقود والطعام .. فأبي
وهو تاجر غني يرى أن مسئوليته تنتهي عند حدود عمله .. وأمي ترى أن مسئولیتها هي الإشراف
على إعداد الطعام فقط .. أما فلسفتهما في تربيتنا فهي ملخصة في هذه العبارة : "عقلك
في راسك .. تعرف خلاصك"
ومن "مبادىء" هذه الفلسفة الآتي
:
· من
يمرض فليمرض .. إذا لم يكن قادرا على الذهاب بنفسه إلى الطبيب فليبق إلى أن يشفى تلقائيا
.. أما هما فلا يتدخلان إلا إذا اشتد المرض أو وقعت كارثة.
· من يرد أن ينجح في الدراسة فلنفسه .. ومن لا يرد فلنفسه .. لذلك فليس مهما أن يذاكر الأولاد أو لا يذاكرون .
· من
يحتاج إلى إجراء جراحة لنفسه فليذهب إلى المستشفى ويتعاقد مع الجراح فماذا يريد إلى
جانب ذلك مادام قد تسلم ثمن العملية.
· من
يأتها عريس وتوافق عليه يصبح زوجها على مسئوليتها .. ومن ترفض عريسا يقفل الباب في
وجهه بلا مناقشة لأسباب القبول أو الرفض ولا يتعدى الأمر مجرد السؤال .. عايزاه ..
واللا لا ، أما ماذا سيحدث لها بعد ذلك فعلى رأسها وحدها.
وبالرغم من كل
ذلك فأنا محسودة من الناس لأن أبي غني والجميع يعتقدون أننا في غاية السعادة .. يبقى
أن أقول لك أنني في الثلاثين من عمري وقد فكرت في الانفصال عن أبي وأمي وأنا قادرة
على ذلك لكني لم أقدم على هذه الخطوة .. لأنها ليست حلا .. ولأن الحل الذي أريده
هو الحنان والعطف ورعاية الأب والأم فأين أجدها ؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول :
ورغم تحفظي
على ما يمكن أن تحمله ملامح الصورة من تجن على الأبوين وتحفظي أيضا اعتبارها مأساة
أشد إيلاما من مآسي الحياة الحقيقية .. فإني اتفق معك في أن إنفاق الآباء والأمهات
على الأبناء هو اقل مهام الأبوة والأمومة شأنا إلى جانب واجبات الرعاية والعطف
والحنان .. لكن الأمر ليس كارثة كما تتصورين فما تفتقدينه من عطف الأبوين يمكن أن
تجديه مع من سوف تشاركينه حياتك إذا أحسنت الاختيار ووفقك الله إلى إنسان جاد عطوف
.
أما الحديث عن
الهموم الحقيقية وغير الحقيقية فالمشكلة أن كل إنسان منا لديه ميل خفي للرثاء
للنفس ويزداد هذا الميل عنده للعجب حين تخلو حياته من المشاكل الحقيقية فيلتمس
فيما يصادفه من هموم بسيطة ما يقنعه بأحقيته للرثاء والتعاطف معه ، لكن هذه قصة أخرى
.. فإذا أردت أن تتعرفي على هموم الحياة الجادة فاقرئي القصة المنشورة إلى جوار
رسالتك هذه "رسالة العش الخالي - رابطها أسفل الرسالة" أو تفضلي بزيارتي ذات يوم لتقرئي في
ملفات المعذبين ما يقنعك بأن الحياة رحيمة بك إلى أقصى حد ولتسجدي لله شكرا على ما
انعم به عليك
ولتدعه بقلب شكور أن يتم نعمته عليك بالشريك الذي يعوضك اهتمام الأبوين ورعايتهما على أن تستفيدي من تجربتك الشخصية في أن تؤدي واجبات الأمومة كاملة لمن سوف تهدينهم إلى الحياة .. وبذلك تحولين خطأ أبويك إلى درس يستفيد منه أبناؤك لكيلا تدور الدائرة ويكتب عنك أبناؤك ذات يوم رسالة قاسية كهذه الرسالة إلى أحد أبواب البريد في الصحف .. مع تمنياتي لك بالسعادة والتوفيق.
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر