بذور الوفاء .. رسالة من بريد الجمعة عام 1987
ولهذا القارئ أريد أن أروي قصة أسرتي
لعل فيها ما يفيده, فلقد توفيت زوجة أبي الأولى وتركت له 3 بنات أكبرهن فى الرابعة
عشرة .. فتزوج من شقيقة صديق له وهو في الأربعين من عمره وكانت طالبة بمدرسة
المعلمات فتوقفت عن الدراسة ورعت زوجها وبناته الثلاث وانجبت منه ولدين أنا أحدهما
فنشأت فى أسرة تضم 5 أخوة ويظللها الحب والاحترام, وتزوجت أختي الكبرى فأصبحنا
أربعة وتدرجنا فى مراحل التعليم إلى أن رحل عنا أبونا فجأة وأمي في الثانية
والثلاثين من عمرها شابة جميلة توافد عليها الخطاب يطلبون يدها فماذا فعلت أمي يا سيدي
لقد أغلقت الباب فى وجه الجميع, وحنت علينا نحن الأربعة تربينا وتنشئنا وتتابع
تعليم الفتاتين بنفس الاهتمام الذى تتابع به تعليم الصبيين, وتتقاسم معنا قسوة الحياة
بالمعاش الضئيل الذى تركه أبي حتى تخرجت الفتاتان وبدأ الخطاب يطرقون أبوابهما
فاختارت لهما من ترضاه وتم زفافهما, وواصلنا نحن التعليم حتى تخرجت أنا من كلية
الزراعة ووصل أخي الأصغر إلى السنة النهائية من كلية التجارة , ولعلك لن تصدق أني
لم أعرف أن أخواتي الثلاث لسن شقيقات لي إلا بعد أن وصلت إلى المرحلة الثانوية ..
وعرفت ذلك من أقارب أبي وليس من أمي وكذلك أخي .. فلقد سقتنا أمنا العظيمة حب
اخواتنا منذ الصغر بل واشعرتنا بالمسئولية عنهن رغم أننا الأصغر باعتبارنا رجالا, وهن
فتيات مسكورات الجناح على حد تعبيرها فنشأنا نحب بعضنا البعض ولا نتحمل أن يجرح
الهواء أحدنا , وكنا صغارا فلم أسمع أخواتي البنات ينادين أمي إلا بلقب الأم, ولم
أر منهن إلا الحب لها والعرفان.
وقد تزوجت الآن وانتقلت كل منهن
إلى بيت زوجها فلم تنس لها أحداهن فضلها, ولا يقطعن في أمر من أمور الحياة إلا بعد
استشارتها ولا يلدن إلا فى بيت ماما لكي ترعاهن وتستقبل مواليدهن بيديها
الطاهرتين.
وأنا أكتب لك هذه الرسالة من
بيت أختي بالقاهرة حيث عملت مهندسا زراعيا وجئت لاستلام العمل فاصرت أختي ومعها
زوجها على أن أقيم معهما فى الشقة وكلما حاولت الانتقال إلى سكن خارجي مع أحد
زملائي بكت أختي وأصرت على ألا أغادر بيتها إلا إلى بيت الزوجية حين أتزوج إن شاء
الله فقل لهذا القارئ يا سيدي أن الدنيا بخير فليتزوج على بركة الله , فلعل الله
يرزقه بأم لطفلته من نوع أمي الغالية وهن كثيرات والحمد لله.
ولكـاتـب هـذه الرسالة أقول:
لعلها يا صديقي رمية من غير رام
أن تجئ رسالتك هذه لتقدم الوجه الآخر للصورة لكل من يعينه الأمر وليس لكاتب رسالة
الأسبوع الماضي وحده فها هي أم عظيمة حفظت الله فيمن وضعن تحت رحمتها فحفظها الله
واسعدها بهن , ومثيلاتها كثيرات لأن الأصل فى الدنيا هو الخير والاستثناء هو الشر
كما نقول مرارا وسنظل نؤمن ونكرر إلى أبد الآبدين .. ولأن من يبذر بذور الرحمة يجني
الحب والتعاطف والعرفان, ومن يبذر بذور القسوة لا يجني إلا الكراهية فبالعطاء نأخذ
يا صديقي على عكس ما يتصور البعض وبالغفران يُغفر لنا..
فشكرا لك على رسالتك المضيئة
بالحب والخير والوفاء وغفر الله للجميع وهداهم سواء السبيل.
نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1987
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر