شعاع الفجر .. رسالة من بريد الجمعة عام 1987
أنا سيدة
تخطيت سن الأربعين موظفة ومتزوجة من موظف مثلي ولي ابنة شابة في ربيع العمر كانت
وحيدتنا طوال خمسة عشر عاما لأني مريضة بالقلب وقد نصحني الأطباء بعدم الإنجاب مرة
أخرى حرصا على حياتي واستجبت لنصيحة الأطباء لكن شاءت الأقدار أن تمنحنا بعد كل هذه
السنوات طفلا جميلا سعدنا به وأصبح أملنا في المستقبل أن يكون العصا التي نرتكز
عليها في شيخوختنا عندما تتزوج أخته وتفارقنا.
ولا تتصور مدى
الاهتمام الذي أوليناه لهذا الطفل حتى قبل أن يصل إلى الحياة ثم بعد أن جاء ..
فلقد جاء ممتلئا صحة وحيوية وذكاء صعدنا به وهو يحبو ثم يمشي ثم يجري ويتكلم ويملأ
الحياة ضحكا ولعبا وسعادة وقد فاق في ذلك كل أترابه حتى بت أخشى عليه غدر الزمن به
.
وذات يوم من
شهر ديسمبر الماضي وكان ابني لم يكمل عامه الثاني بعد وقع على أرجل کرسي صغیر
مقلوب كان يلعب به كبقية الأطفال ثم بدأت رحلة المعاناة التي لم تنته حتى الآن،
فلقد تسبب هذا الحادث البسيط في ظهور ورم في بطنه قيل أنه تجلط دموي وبعد زيارة
عديد من الأطباء وإجراء العديد من الفحوص والإشعات تقرر إجراء جراحة عاجلة له ، وأجريت
الجراحة الكبيرة في بطنه الصغير وأخذت العينات وانتظرنا نتائج التحليل بقلوب
مرتجفة وإذا بالصاعقة الكبرى تنزل على رؤوسنا.
وبدأت رحلة العذاب مع طفلنا الصغير الذي لم تعد
ساقاه تقويان على حمله .. وأهملنا عملنا وبيتنا وحياتنا وابنتنا رغم أنها كانت في
الثانوية العامة وتحتاج إلى الرعاية وأصبحنا نطوف على الأطباء والمعاهد والمعامل .
وفي الشهور الأخيرة
بدأ المرض يشتد ويهاجم كالوحش الكاسر، ونحن لا نفقد الأمل ونطارد الأطباء في عياداتهم
ومستشفياتهم وبيوتهم .. فكان بعضهم يشفق علينا ولا يريد أن يصارحنا بالحقيقة التي
تعلمها جيدا وكنت أظل الليل كله مسهدة بعد أن ينام صغيري بالمسكنات التي لم تعد تسكن
آلامه من كثرة تعاطيها وبعد أن أصبح يطلبها بنفسه لكي تخفف الألم عنه .. أظل ساهرة
أتسمع أنفاسه ودقات قلبه إلى أن يجئ الفجر مع دعواتي التي جف حلقي من ترديدها
لانتظار فجرا جديدا يعني أملا جديدا في يوم جديد من عمره.
إن الاسم العلمي لحالة ابني هو نيرو بلاستوما ،
وكل ما أريده هو ان يقرأ ماساتي هذه عالم أو طبيب مرت به حالة مشابهة وتماثلت
للشفاء ولو حالة واحدة في المليون تمدنا بأمل جديد وفجر آخر.
وأخيرا أقول لك اعذرني على سوء التعبير فقد
خانتني الكلمات - وخانتني العبرات.
إنني اقرأ
ردودك اللبقة خصوصا على الرسائل التي ليس لها بارقة أمل لتمسح
لأصحابها دموعهم فهل تستطيع أن تفعل ذلك معي أنا أيضا.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول :
إنني رغم محاولتي دائما تجنب نشر رسائل الحالات
المرضية بالتفصيل في بريد الجمعة مفضلا دائما نشرها موجزة في البريد اليومي طلبا
للعلاج من اقصر الطرق ، فإني لم استطع في هذه المرة إلا تلبية نداءك الملهوف بنشر
هذه الرسالة بعد حذف بعض أجزائها الأشد إيلاما للنفس ولولا خوفي من أن تفقد هدفها
لحذفت أيضا الاسم العلمي للحالة لكيلا أجدد آلام أحد ممن تعاملوا معها من قبل .
لقد خانتني أنا
أيضا الكلمات يا سيدتي فلم استطع أن أطيل في ردي عليك ولم أعد قادرا إلا على أن أناشد
كل عالم أو طبيب مرت به حالة مشابهة و يرغب في إحياء الأمل في نفس هذه الأم
المعذبة أن يكتب إلي أو يتصل بي تليفونيا ليبلغني بما يعرف وبما يود أن يسهم به في
انقاذ هذا الطفل وسوف أبلغك على الفور بما أتلقاه من استجابات الأطباء وأرجو أن تمكنني
الظروف من الإسهام بأي قدر في جهودكم لعلاجه.. أعانكم الله على آلامكم .. وأضاء
بنور من عنده شمعة الأمل في قلوبكم إلى أن يبزغ الفجر الجديد على حياة طفلكم
وحياتكم جميعا بإذن الله .. إنه على كل شيء قدير.
رسالة العطر الاخاذ والتى تطلب فيها كاتبة الرسالة تبنى طفل مجهول الهوية نوه عنه طبيب من قراء البريد
نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1987
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر