القرار .. آراء قراء بريد الجمعة في رسالة الاختيار عام 1984

 

القرار .. آراء قراء بريد الجمعة في رسالة الاختيار عام 1984

القرار .. آراء قراء بريد الجمعة في رسالة الاختيار عام 1984

رابط رسالة الاختيار


خلال أربع أيام فقط من نشر قصة الطبيبة التي تواجه الاختيار الصعب بين الرضا بنصف زوج أو الطلاق في نفس الوقت الذي تنظر فيه جراحه هامة تعيد إليها البصر والتي نشرت في الأسبوع الماضي بعنوان الاختيار.

 تلقيت أكثر من مائتي رسالة من قارئات وقراء أفاضل يشاركون بالرأي وبالتفكير في حل مشكلة هذه السيدة الحائرة, بعد أن طلبت المشورة من قراء البريد رسائل بعث بها قراء قرأوا المشكلة وتأثروا بها وفكروا في إبداء النصح للطبيبة الحائرة من بينهم مستشارون ومهنيون من كل التخصصات وطلبة وطالبات وأيضا ربات بيوت ومس قلبي أن كل الرسائل التي تلقيتها يتعاطف أصحابها مع بطلة المشكلة ويتمنون لها نجاح الجراحة القادمة وعودة بصرها إليها, وأن عددا كبيرا من أصحاب الرسائل يطلبون معرفة نتيجة العملية ويطالبون الطبيبة بأن تكتب للبريد بعد نجاح الجراحة بإذن الله لتزف لنا جميعا بشرى عودة النور إلى عينيها .. وأظنها ستفعل بإذن الله .

 

أما أكثر ما مس قلبي فهو أن من بين هذه الرسائل وجدت رسالتين يعرض فيهما شابان علي الطبيبة التبرع لها بكميات الدم اللازمة للجراحة تقديرا لوفائها وتضحياتها.

وقد واجهت مع هذه الرسائل مشكلة إحصائية من نوع جديد هي كيف أعرض الاتجاهات التي تمثلها هذه الآراء إزاء المشكلة بالدقة الاحصائية المطلوبة.

لكني جازفت بعرض عينة من الآراء مدفوعا برغبتي في مساعدة بطلة المشكلة على اتخاذ القرار في مشكلتها ومدفوعا برغبتي في أن أنهي إليها أن أصحاب هذه الرسائل قد اجهدوا فكرهم وشاركوها بالرأي في محنتها الحالية وهذه في حد ذاتها قيمة كبرى أن يجد الإنسان من هو على استعداد للتفكير في حل مشكلته, ولإبداء الرأي فيها في زمن "الأنا" وفي زمن فرار الإنسان من أخيه الإنسان لمجرد أنه مهموم بمشكلة قد يرهق أعصابه سماعها أو معايشتها ناهيك عن احتمال التورط في أية أعباء نفسية أو مادية لحلها .. إنها قصة أخرى على أية حال.

 

 المهم أنني قد اخترت 100 رسالة وقرأتها بعناية لأستخلص آراء أصحابها والاتجاهات التي تمثلها وسأعرض هذه الاتجاهات الأساسية بدون ترتيب وأؤجل إلى حين إعلان عدد أصحاب الرسائل الذين أيدوا كل اتجاه منها:

 

* أما الاتجاهات الأساسية فهي تنصح الزوجة بالآتي :

أن تنتظر أولا الجراحة لكي لا تتأثر معنوياتها قبل الجراحة الهامة ثم تواجه زوجها وتخيره بينها وبين الزوجة الثانية فإذا ندم وطلق زوجته الأخرى .. قبلت ندمه وواصلت حياتها معه خاصة وأن كلمات رسالتها تشير إلى أنها راغبة فيه.

* أن تربط بين نتيجة الجراحة وبين القرار الذي تتخذه بشأن حياتها معه فإذا نجحت الجراحة واستردت بصرها طلبت الطلاق وبدأت حياتها من جديد بعيدا عنه فإذا فشلت لا قدر الله واصلت حياتها معه ما دام يرعاها .

* لابد من عودتها لعملها بعد نجاح الجراحه بإذن الله سواء انفصلت عن زوجها أو واصلت حياتها معه فلقد أخطأت حين استقالت من عملها كطبيبة من أجل زوج لم يقدر هذه التضحية ولا باقي تضحياتها الأخرى.

* أن تنفصل عنه بالطلاق سواء استردت بصرها أو لم تسترده لأن زوجها جاحد وناكر للجميل ومخادع وقد تخلى عنها سريعا في أحلك الظروف.

* أن تتكتم الأمر ولا تطلع عليه زوجها أو أهلها وأن تواصل حياتها معه تاركة للأيام تداوي الجراح .

 

أما نماذج الرسائل فسأعرض منها هنا ما تسمح به المساحة المحدودة ومن بينها رسالة تصلح بالفعل لأن تكون نموذجا لعدة إتجاهات بعث بها إلي اقتصادي كبير يرأس حاليا أحد البنوك الكبرى وقد طلب مني عدم نشر إسمه مكتفيا بالمشاركة في حل مشكلة إنسانة تواجه الاختيار الصعب تقول رسالة الاقتصادي الكبير م.ص.م :

"كنا ثلاثة محام .. ومهندس .. واقتصادي تناقشنا في مشكلة هذه الطبية الفاضلة فأبدي كل منا رأيا مختلفا رأيت أن أكتب لك بها.

الأول ألا تصارحه بعلمها بزواجه لا قبل الجراحه ولا بعدها ويبرر ذلك بفلسفة القسمة والنصيب ورضائها بنصيبها أمام الله وأن حسن معاملتها له في الماضي والحاضر كفيل بأن يقف الله سبحانه وتعالى في جانبها بأن يصحح زوجها هذا الخطأ ويعود لها وحدها يوما ما جزاء لها على صبرها ورضاها .

(رأي المحامي)

 

الثاني أن تصارحه بعد العملية وتستمع إلى مبرراته فقد يكون الدافع أمله في الإنجاب وقد تكون نزوة عارضة وعليها في الحالتين أن تقبل استمرار الحياة الزوجية معه ما دام يحسن معاملتها ويرعاها وعلة هذا الرأي أن هناك من الرجال من يسع قلبه أكثر من زوجة ويعدل في معاملتهن فضلا عن أن خطابها ينم عن حبها الشديد له .

(رأي المهندس)

 

الثالث وهو رأي كاتب هذه الرسالة (الاقتصادي) .. أرى أن تصارحه بعد العملية سواء نجحت أو فشلت مع دعائي لله من قلبي أن يعيد لها بصرها. والمصارحة هنا علتها التحقق أولا من واقعة الزواج وثانيا للاستماع لمبرراته لهذا الزواج ولأن الزواج يجب ألا يقوم على الغش وسواء أكان زواجه لارضاء المتعة لديه أو كان محاولة منه للانجاب فيجب أن تطلب منه تفسيرا لاقباله على الزواج بعد أن فقدت بصرها ألم يكن من الواجب عليه نحو زوجته التي يحبها وتحبه تأجيل الزواج وهي مريضة وفاقدة البصر وفي انتظار عملية جراحية محتمل نجاحها بنسبة أكثر من 90% وإن لم يقدم مبررا يقبله العقل ويقبله القلب وتقبله الإنسانية فهو إنسان أناني كان حبه لها حب تملك لجمالها وثقافتها ولما فقدت بصرها ( لم توضح إذا كان جمالها قد شوه أم لا) لم يعد يحتمل ولم يصبر عليها ولم يراع احساسها وشعورها وهي مريضة وأقدم على الزواج من عروس أخرى جميلة يتملكها .

أقول إنه إن لم يعط مبررا غيرعادي وغير متصور فإن الطلاق منه هو الإجراء الحكيم عقلا وقلبا.

*****************

وتقول القارئة سهير إبراهيم عليوة مخاطبة الزوجة : لا تترددي دقيقة واحدة في الانفصال عن زوجك مهما أظهر لك العطف والحنان والحب فلو كان صادقا في مشاعره ما أقبل على الزواج من أخرى أبدا.. ولا تنتظري إجراء العملية .. فأنت لست بعمياء "فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" آيه 46 من سورة الحج .. وقد أبصرت بقلبك ما لم تدركه عينا زوجك فأثرت البقاء بجواره رغم حرمانك بسبب عقمه من الأمومة ورغم أن الشرع يبيح لك طلب الطلاق ولن يلومك أحد أبدا.. إلا أنك تفانيت حبا له ووفاء فكان رده جحودا ونكرانا حينما أتاح له القدر الفرصة بأن يرد لك جميل إخلاصك له وهذا الزوج لا يستحق حبك ولا تمسكك به.

*****************

ومن بين الرسائل العديدة التي تلقيتها توقفت طويلا أمام هذه الرسالة الممرورة العجيبة .. بعد كل هذه السنين إنها رسالة بتوقيع أم صابرة كتبت تقول للطبيبة الحائرة :

أنا عاتبة على الطبيبة بنت الأسرة الكبيرة المثقفة أن تضع نفسها في هذا الموقف .. قل لي بالله ماذا يربطها بهذا الإنسان الغادر وكان غدره قاسيا لأنه طعنها وهي في محنة وكان له جزء من الذنب في حدوثها وهي التي لم تفرط في حبه والاخلاص له وصبرت معه كريمة عفيفة وكان من حقها أن تكون أما ولكنها كبرت وتعاظمت على الموقف وهي تعلم أنه السبب فلم تتركه وهي الغنية عن ماله.

وفي نظري أنه إنسان لئيم لأنه اقنعها بأن تبقى في المنزل وتستقيل من عملها وهي طبيبة وفي العمل متعة وتحقيق لكيان الإنسان .. وهي غبية فكيف لم تكتشف تخطيطه ودفعها للاستقالة ماذا تنتظر ولماذا تصبر عليه .. الأجل الأولاد؟ لا يوجد! ألحاجتها للمادة ؟ ليست محتاجة .

لابد أن تتركه قبل العملية لأني لا أرضى لها أن تفتح عينيها على بشاعة منظره أمامها .. وليتني يا سيدتي الفاضلة سمعت كلام أهلي منذ أربعين سنة لكنت الآن شيئا آخر وما كنت قاسيت كل هذه الآلام النفسية والصحية وليتني فضلت العقل على العاطفة في زمن كانت فيه العاطفة لها قيمتها أما الآن والدنيا تغيرت وكل شئ بثمن فلا أتمنى لك أن تعودي له .

أخرجي من حياته بكرامتك قبل أن يخرجك هو بوحشيته.

*****************

 

وأكتفي بهذا القدر من الرسائل .. ويبقى بعد ذلك أن أقول أنني من خلال المائة رسالة التي اعتبرتها عينة لآراء القراء أحصيت الآراء المؤيدة لكل اتجاه من الاتجاهات السابقة .. فوجدت أن الذين طالبوها بأن تتكتم المشكلة عن أهلها وعن زوجها وأن تترك للأيام وحدها أن تداوي الجراح قد بلغ عددهم 34 قارئا ووجدت أن الذين طالبوها بأن تربط بين نتيجة العملية وبين قرارها بمعنى أنه إذا نجحت العملية انفصلت عنه وإذا فشلت_لا قدر الله_ واصلت حياتها معه, قد بلغ عددهم 14 قارئا ووجدت أن الذين طالبوها بتأجيل اتخاذ أي قرار إلا بعد الجراحه لكي تكون أكثر قدرة على الاختيار السليم فهم 3 قراء.

أما الذين طالبوها بالانفصال وحكموا باستحالة استمرار هذا الزواج فقد بلغ عددهم 49 قارئة وقارئا , معظمهم من القارئات بالطبع!

ولا تعليق لدي .. فلقد اكتفيت هذه المرة بدور المحلل الاحصائي فقط وأرجو يا سيدتي أن تضعي كل هذه الأراء أمام بصيرتك وأنت تتخذين القرار في ضوء ظروفك وحدها مستعينة بعقول كل هؤلاء الأصدقاء وأرجو أن نلتقي معك مرة أخرى حين يرد الله إليك بصرك .. وحين تزفين إلى قراء البريد هذا النبأ السعيد.

 ·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1984

كتابة النص من مصدره / بسنت محمود

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي

 


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات