الحلم القصير .. رسالة من بريد الجمعة عام 2001

 

الحلم القصير .. رسالة من بريد الجمعة عام 2001

                        الحلم القصير .. رسالة من بريد الجمعة عام 2001


أنا رجل في منتصف الأربعينيات من العمر تخرجت في إحدى الكليات الجامعية‏,‏ وأعمل موظفا وأمارس عملا حرا بعد مواعيد العمل الرسمية وأقيم في مدينة ساحلية .. ولقد كانت ثقتي الزائدة في نفسي تعينني دائما على أن أواجه أية مشكلة تعترضني فأجتازها بفضل الله تعالى‏,‏ حتى جاء يوم زلزلت فيه الأرض تحت قدمي بابتلاء الله عز وجل لي بفقد حبيبتي وشريكة عمري زوجتي الفاضلة والتي إن وصفتها في كلمات قليلة ـ فإنني أقول إنها كانت بحق ملاكا‏,‏ ومضت حياتها معي سريعة كأنها حلم قصير جميل أنجبت لي من البنين والبنات أربع زهرات هم أغلى ما عندي‏,‏ ولقد كان الباعث والحافز على كتابة رسالتي هذه هو قراءتي لرسالة الأخ الفاضل صاحب رسالة "فيض القلب" فحين قرأتها شعرت بأنني أقرأ قصتي‏,‏ حيث مررت بنفس ظروف الأخ الفاضل حين مرضت زوجتي فجأة بعدما كانت شعلة نشاط وحيوية وجمال‏,‏ ولم تتحسن حالتها وصارعت المرض خلال أربعة أشهر‏,‏ ولم تفلح محاولات الطب في إنقاذها إلى أن لبت نداء ربها وصعدت روحها الطاهرة إلى بارئها وعمرها ستة وثلاثون عاما وسبعة أشهر وثمانية أيام فقط رحلت وأنا راض عنها‏,‏ ولقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ أيما امرأة ماتت وزوجها راضي عنها دخلت الجنة‏,‏ وقد حكي لنا بعض الأهل والأقارب ممن رأوا لها رؤى جميلة في نومهم كيف رأوها سعيدة ومسرورة‏..‏ فرأتها إحداهن في شقة جديدة واسعة ورأتها أخرى في طائرة وحولها غلمان صغار وثالثة رأتها ترتدي ثوبا به ورود وعلى رأسها شيء أخضر‏,‏ وغير ذلك من الرؤى الجميلة المبشرة‏..‏ فاللهم يا ذا الجلال والإكرام أجمعني بها في مستقر رحمتك وأجزها عني خير الجزاء لقاء ما قدمت لي من فضل وجميل‏,‏ فلقد كانت نعم الزوجة المدبرة المتعاونة المجتهدة‏,‏ وكانت على خلق كريم وحياء جم‏,‏ وخدوما تحب الخير للناس ـ كل الناس ـ ومحبوبة من زميلاتها في العمل‏,‏ ومن كل من يعرفها‏..



ولا أنسي في نهاية رسالتي أن أقدم تعزيتي إلى الأخ الفاضل كاتب رسالة فيض القلب فحالي من حاله وأنا بذلك إنما أقدم تعزيتي إلى نفسي‏,‏ وإني لأشكر له أنه كان سببا وباعثا لي على أن أتحدث عن شريكة حياتي الغالية في هذه الرسالة بما هي أهل له‏,‏ وكأن كلامي عنها حفل تأبين لها‏,‏ وأسأل القراء الأعزاء الدعاء لها بالرحمة‏,‏ ولا نقول في الختام إلا ما يرضي ربنا عز وجل‏..‏ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.

 

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏

الزهور النادرة قصيرة العمر دائما يا صديقي‏..‏ لكنه يعوض قصر عمرها في أن ما تنشره من أريج في الجو المحيط بها خلال حياتها الخاطفة يبقى أثره وذكراه الجميلة لفترة طويلة في النفوس‏,‏ وكذلك يفعل البشر الذين يمرون بالحياة كالطيف العابر فلا يطول مقامهم فيها‏,‏ ولكن جمال عشرتهم وسمو أرواحهم يخلف وراءهم أبلغ الأثر فيمن عرفوهم واقتربوا منهم .

ومن الوفاء لأمثال هؤلاء أن نتذكرهم دائما ونشيد بفضائلهم وكريم شمائلهم ونستمد من أصداء عشرتنا القصيرة الجميلة لهم بعض ما يعيننا على احتمال الحياة واستكمال المشوار.

رابط رسالة فيض القلب

·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2001

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات