حاشية الرسالة .. رسالة من بريد الجمعة عام 2002
قرأت في
بريدكم رسالة النفق المظلم لأب يشكو من إصابة ابنه بمرض الوسواس القهري, وكيف
تسبب ذلك المرض في اضطراب حياتهم خاصة وأن الابن تلميذ بالمدرسة, وقد كتبت لك
وقتها رسالة عن حالة ابني المشابهة لحالة ابنه رويت لك فيها كيف أصيب وهو في
الثالثة عشرة من عمره بهذا المرض فجعل حياته وحياتنا معه شديدة الصعوبة, لأن هذا
المرض يجعل من يكابده يشك في نظافة كل ما حوله ويضطره لغسل يديه بالماء الساخن
والصابون بعد كل نشاط يمارسه ولو كان مصافحة أحد, كما أنه يجعله يشغل حمام
المسكن نصف ساعة على الأقل كل مرة, ويحرك انفعالات شديدة بالمخ تجعل المريض شديد
العصبية كثير الوسوسة, سريع التوتر, مما تسبب لنا في مشاكل كثيرة.
ففي البيت
كان ابني يثير المشاكل العديدة مع إخوته ووالديه وفي المدرسة كان ينفعل على مدرسيه
وزملائه, فإذا كان يجد التسامح الضروري لدى أسرته فلقد كان بعض مدرسيه لا
يستوعبون حالته, فقررت أن أذهب مع ابني إلى مدرسته لحل بعض المشاكل التي
يواجهها, واستشرت طبيبا فكان من رأيه ألا أطلع المدرسين على حالته المرضية لان
كلمة واحدة عن هذا المرض تفلت من أحدهم سوف تحرج ابني بين تلاميذ صغار لا يدركون
طبيعة المرض النفسي, ونصحني الطبيب بأن أكتفي بأن أطلب من المدرسين الصبر عليه
فقط لإصابته ببعض القلق والتوتر.
فذهبت إلى المدرسة وأنا خائفة وقابلت ناظرة المدرسة التي سترتب لي مقابلتي مع
المدرسات, ووجدتها سيدة فاضلة ومؤمنة.. ومتفهمة وشرحت لها الحالة فاستمعت الي باهتمام
شديد وسألتني عن رأي الطبيب في كيفية التعامل مع هذه الحالة ورتبت لي لقاء مع
المدرسات وشرحت لهن بلغة بسيطة أسباب توتر ابني فكن والحمد لله علي مستوى المسئولية
وعاتبنني أنني لم أوضح لهن الحقيقة من البداية, واستدعت الناظرة ابني وطلبت منه
أن يلجأ إليها في أي وقت لحل أية مشكلة تواجهه, ووفت بوعدها أكرمها الله وكانت
خير معين لابني خلال العام الدراسي, وخير سند له في أزمته الصحية.
وإني لا أكتب لك هذه الرسالة الآن بسبب مرض ابني
فلقد اجتاز مرضه والحمد لله بفضل الله وبفضل متابعة طبيب مختص لحالته, وإنما
أكتبها لك وفاء بحق هذه السيدة الفاضلة ناظرة المدرسة التي وقفت إلى جوار ابني على
محنته وساعدته على تخطيها, فلقد علمت أنه قد أجريت لها جراحة خطيرة منذ فترة قريبة
وأنها ترقد الآن في بيتها في فترة النقاهة من مرضها, فإذا لم تسنح لي الظروف
بزيارتها في منزلها فاني أرجوك أن تتيح لي أن أرسل إليها عبر بريدكم دعواتي
الصادقة لها وأرجو قراء بريد الجمعة أن يشاركوني الدعاء لها بالشفاء التام بإذن
الله وأن ترجع بكامل صحتها لأبنائها وتلاميذها.
حاشية:
كتبت لك هذه الرسالة يوم 15 أكتوبر الماضي .. وبعد كتابتي لها اكتشفت
إصابتي بنفس المرض وأجريت لي جراحة مماثلة لجراحة السيدة الناظرة واستعد الآن
لمرحلة العلاج المؤلم بعدها.. فأرجو من قرأتك الأفاضل أن يشملوني معها بالدعاء لأننا
قد أصبحنا الآن في قارب واحد عسى أن يكون من بينهم من هو شديد الصلة بالله سبحانه
وتعالى فيستجيب لدعائه ويرفع عنها وعني البلاء.. والسلام عليكم ورحمة الله
وبركاته.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
هكذا تجري المقادير في كثير من الأحيان يا سيدتي.. فالمرء في رحلة الحياة زائر ومزار وعائد لمريض ذات يوم ومعاد من الأصحاء في يوم آخر والحمد لله علي كل حال.. وقدر الله كما شاء فعل وقديما قال أحد الحكماء مناجيا ربه: رب إن جردتني من نعمة الصحة فاترك لي نعمة الإيمان فإنها كفيلة بأن تعينني على الصمود للمحنة, والاقتراب من الشفاء بإذن الله.عجل الله لك ولهذه المربية الفاضلة الشفاء ورفع عنكما هذه الغمة وكساكما بثوب الصحة والعافية واعادكما سريعا إلى عملكما وحياتكما وذويكما من الأهل والأبناء.. آمين يا رب العالمين..
· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2002
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر