أسرة سعيدة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1984
بعض الرسائل أقف
أمامها عاجزا.. لكني قد أنشر بعضها تسجيلا لواقع أليم أكبر من قدرتي .. وقد أنشرها
استجابة لرجاء أصحابها.. وقد أنشرها أخيرا إرضاء لضميري وإلقاء تبعتها المرهقة عن كاهلي
الذي لا يتحملها وحده.. ومن هذا النوع من الرسائل .. هذه الرسالة :
أكتب إليك هذه
الرسالة .. وأنا أعلم أن الأمل الذي أجري وراءه هو في حكم المستحيل.. لكني أكتب إليك
استجابة لرجاء أمي التي تلح علي أن أكتب لعلك تجد لنا مخرجا مما نعانيه.
وها أنا أكتب.. وأمي تجلس بجواري .. وإلى جوارها
إخوتي البنات الأربع.. وإلى جوارهن شقیقاي .. ولهما قصة سأرويها بعد حين!
فنحن
یا سیدي أسرة مصرية سعيدة .. لكننا نشكو من بعض المتاعب.. كغيرنا من الناس! فأبي
عامل ليس له مورد سوى راتبه، وراتبه هو موردنا الوحيد للطعام والشراب والأدوية
ومصاريف المدارس.. وأنا كبرى إخوتی في العشرين من عمري وقد حصلت على دبلوم التجارة
هذا العام ولم أجد عملا بعد، ونحن نعيش في غرفة و"خزنة"، وهو سكن ضيق
للغاية فضلا عن أنه مشترك ولا داعي لأن أروي لك ما نعانيه من مشاكل وخلافات.. فأنت
تعرف ما تسببه المشاركة في السكن من مشاكل حول أشياء تافهة! والحجرة التي نعيش
فيها ضيقة وهي عبارة عن حجرة معيشة ومطبخ في نفس الوقت، وإخوتي جميعا وهم ستة غيري
في مراحل التعليم المختلفة ويعانون صعوبة كبيرة في مذاكرة دروسهم.
فالحجرة لا تكاد تسعنا ونحن جلوس .. فكيف تتسع لمن يذاكرون؟ وحياتنا یا سیدي مليئة بالمشاكل والعذاب.. وليسامحني الله لو قلت لك إننا لم نر من الدنيا منذ ولدنا سوى العناء والتعب والحرمان والألم في كل مراحل حياتنا فقد جاء أخي إلى الدنيا وهو يعاني من وجود مياه زرقاء في عينيه وقد فقد بسببها بعد فترة من الوقت بصره نهائيا بعد أن "دخنا" به على العيادات الخارجية بالمستشفيات وعلى أطباء الأحياء الشعبية لكن إرادة الله شاءت أن يفقد بصره، وهو الآن عمره ۱۲ سنة يمضي أيامه سجينا في هذه الحجرة الضيقة ومحروما من كل شيء يمارسه الأطفال في سنه.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول :
هذه هي
الرسالة التي تلقيتها.. ولا أعرف على وجه التحديد ماذا أستطيع أن أقول لكاتبتها.. فما
ترويه الرسالة واقع يعيشه الكثيرون وينبغي أن نركز عليه دائما وألا تشغلنا عنه
الصور الملونة على شاشات التليفزيون.. فأي تقدم نحققه في بلادنا لن يكون حقيقيا ما
لم ينعكس على حياة هؤلاء البؤساء.. وما لم تتوافر لهم أساسيات الحياة، وأولها
المسكن الملائم.
إن هذه هي مسئوليتنا المشتركة جميعا .. لذلك فإني لن أقول لك يا آنستی: صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة ! لكني سأقول لك أن المسكن من حقوق الإنسان الأساسية فلمن يكون المسكن الشعبي إذن أن لم يكن لأمثالكم! وإذا كنت لا ألوم والدك لفشله في الحصول على مسکن شعبي حتى الآن مع علمي أن المشكلة فوق طاقته فأني قد ألومه - وأستغفر الله لذلك - في أنه أيضا أسهم في تعقيد حياتكم، حين لم يراع "ظروف المكان" في حجم عدد أسرته، فأتمكم سبعا من البنات والبنين في غرفة و"خزنة" كما تقولين ! ولعله غفر الله له كان يسعى وراء الولد فرزقه الله من البنات خمسا قبل أن يجئ الولد، وحين جاء كان مأساة وحده.. أعانه الله على ما يعانيه من الظلام والحزن والاكتئاب و عسى الله أن يفرج كربه .. وأن يعوضه عما حرمه منه ولعله يكرر لنا قصة فتى شهير كان يجلس نفس جلسته في غرفة ضيقة يجتر حزنه واكتئابه.. فإذا به يتفجر موهبة وعلما ویدوي اسمه بين العاملين.. على أية حال.. فإني قد استطيع أن أساعدك في إيجاد عمل لك، فلقد نشرت من قبل مشكلة "موظفة قطاع خاص" وتفضل اقتصادي كبير يرأس شركة معروفة بالاتصال بی عارضا حل مشكلتها وتشغيلها.. ثم تبين لي عند الاتصال بكاتبة الرسالة أنها تعيش في مدينة المنصورة ولا تستطيع أن تعمل خارجها .. فإذا كانت استجابة هذا الاقتصادي الكبير مازالت قائمة وأظنها كذلك لأنها استجابة إنسانية أساسا .. فإني سوف أعرض عليه مشكلتك ولعله يفتح لك بابا من أبواب الأمل، أما مشكلة السكن.. فلا أملك لها حلا إلا إذا شاء الله .. والله المستعان في كل الأمور.
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر