الخيانة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1994
أنا سيدة مسنة
في السبعين من عمري أعيش في مدينة ساحلية، وقد مضت رحلة العمر بأفراحها وأحزانها
وزوجت كل أبنائي وبناتي ويعيشون الآن جميعا في استقرار والحمد لله، وبقيت معي في
وحدتي الآن صغری أولادي وهي فتاة في الثانية والعشرين من عمرها تمتلئ جمالا وحيوية
وقد تخرجت من إحدى الكليات النظرية وعملت بوظيفة لا بأس بها ثم رزقها الله بمهندس
شاب تقدم لخطبتها وسعدت به وسعد بها وراحا يرسمان معا خطتهما للمستقبل المشرق .. وفجأة
يا سيدي حدث ما لم يكن في حسبان أحد.
فلقد
أصيبت ابنتي بدون أية مقدمات بانفصال في الشبكية وأجريت لها عدة عمليات جراحية عند
أشهر الأطباء فلم تنقذها من الظلام للأسف.. فسلمت أمرها لله ولم تفقد الأمل في
الحياة وعادت إلى طبيعتها المرحة وراحت تقوم بالأعمال المنزلية بلا مشاكل، لكن
خطيبها سامحه الله تركها وتخلى عنها وأثرت فيها هذه الخيانة، غير المتوقعة أكثر
مما أثر فيها ما حكمت به الأقدار عليها وبعد فترة من الألم والحزن تمالكت نفسها
واستعادت ثقتها في الله وقالت لنفسها قدر الله وكما شاء فعل، ثم عاشت حياتها
طبيعية وقمت بكتابة الشقة التي أعيش فيها معها باسمها احتياطا للمستقبل.
وبفضل روحها المرحة وإيمانها بالله راح جيراننا الطيبون يحاولون مساعدتها على أن تشق طريقها ويقدمون لها خطابا مناسبين من جميع النواحي وبعد أن يتقدموا لها يتراجعون ولا يستكملون المشوار، ثم تصادف أن تقابلت مع أحدهم وكان مدرسا لابنة الجيران.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
جرح الخذلان قبل بداية الرحلة وإن كان مؤلما للنفس إلا إنه أخف وطأة عليها من جرح التخلي بعد
الإبحار في المياه العميقة وتشابك الروابط واعتمادنا في حياتنا على من ليسوا على
استعداد للوفاء لنا حتى نهاية الرحلة.
وخيانة خطيب
ابنتك المهندس الشاب لها وتخليه عنها بعد ما امتحنتها الأقدار، وإن كانت قاسية بحق
إلا أنها تبدو منطقية مع شخصيته ومع ضعف استعداده للتضحية وقدرته على العطاء .
ولكل إنسان يا
سيدتي حدوده التي يعجز عن تخطيها في العطاء من نفسه للآخرين، وليس من حقنا أن
نطالب الآخرين بما لا تسمح لهم طبائعهم بالاستجابة له.. وإنما علينا أن نقبل ما
تسمح به هذه الطبائع ونشكر لهيب الاختبار الذي جلا لنا معادنهم الحقيقية قبل بداية
الرحلة فعرفنا أنهم لا يصلحون لنا.. ولا نصلح لهم.
وتصرف المهندس
الشاب مع ابنتك بهذا المفهوم لا تفسير له إلا أن روابطه العاطفية معها لم تكن قد
ترسخت وتأكدت حين فاجأتها نيران المحنة فصهرتها .. وإحجام الخطاب الذين يتقدمون
إليها بعد الخطوة الأولى لا معنى له أيضا إلا أن ابنتك لم تلتق بعد بمن يرتبط بها
عاطفيا ويكتشف جوهرها ويتمسك بها .. فلا تفعلي شيئا أكثر مما فعلت وثقي من أن
ابنتك سوف تنال نصيبها العادل من السعادة حين تلتقي بذلك
الفارس المجهول الذي سيتعامل مع روحها الطيبة وجوهرها الأصيل ولا يتوقف أمام أي شيء آخر وحين يأذن لها بذلك لن تكون إقامتك معها أو بعيدة عنها موضوعا للنقاش أو الخلاف وإنما سيتم تسوية كل الأمور بروح الفهم والتعاون.. وربما كانت إقامتك معها من أسباب سعادتها مع زوجها وليس العكس.
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر