الفوازير .. رسالة من بريد الجمعة عام 1998

 

الفوازير .. رسالة من بريد الجمعة عام 1998

الفوازير .. رسالة من بريد الجمعة عام 1998


قرأت رسالة "الخواطر" للزوج الذي يشكو من أحوال زوجته وقد ألهمتني هذه الرسالة أن أعرض عليك فكرة مسابقة على طريقة الفوازير ينال الفائز فيها جائزته من السماء بإذن الله .. أما أسئلة المسابقة فهي كالتالي:

 

·       من هي الفتاة التي جلست إليها منذ سنوات بعيدة أول مرة فكانت في منتهى البشاشة والوداعة والطاعة ثم توالت جلساتي معها حتى وجدتني أوقع أمام شاهدين على ورقة تربط بيني وبينها للأبد .. وبعد بضع سنوات فقط من هذا الارتباط تحولت إلى نمر مفترس لا هم لها إلا نفسها وأهلها وأولادها فقط لا غير ولا شأن لها بزوجها أو راحته أو مصلحته في شئ.

·       ومن هي التي تحولت حياتها كلها إلى مطالب وطلبات فقط فلا تعرفني ولا تتصل بي في العمل إلا لإحضار طلب يومي لها أو للبيت وبلا أي حوار يحمل إلي قدرا من المشاعر!

·       ومن التي تحولت مع الأيام إلى تمثال متجهم بلا كلام ولا سلام فإذا مررت بها اشتد انقباض بوزها.. وإذا مر بها غيري أنفرجت أساريرها؟

·       ومن هي التي إذا كانت لدينا مناسبة فلابد أن يشارك فيها أهلها أولا ثم يتوجه كل الإهتمام والكلام لهم ولآرائهم وأتوارى أنا في الظل لا يشعر بي أحد؟

·       من التي إذا رجعت للبيت إتصل الكلام من جانبها بالتليفون مع الأهل والصديقات والأبناء .. أما معي فالصمت والصمت الرهيب وحده.

·       من التي إذا ثارت بيني وبين أحد أبنائي مشكلة إتخذت جانبه ضدي مهما يكن مخطئا فضلا عن أن تؤيد الأولاد على مطالبهم دون أي محاولة من جانبها لشرح ظروفي لهم وعجزي عن الاستمرار في العمل الإضافي لتغيير الأحوال .. وأنه لا حيلة لي في رزقي بالرغم من أنه ليس محدودا والحمد لله.

·       من التي لم تغفر لي كلمة أو همسة جرت بيني وبينها خلال خلافاتنا ولو كان قد مضي عليها 25 عاما حتى الآن!

·       من التي قطعت كل إتصال من جانبها مع أهلي وأصدقائي وتحرص في الوقت نفسه على اتصالاتها بأهلها وأصدقائتها وأحافظ أنا أيضا على اتصالاتي بهم.

·       من التي تتهامس مع الأولاد حتي إذا ظهرت أمامهم توقف الهمس وسكت الكلام حتى أغادر المكان!

·       من التي إذا ائتمنتها على سر أذاعته ونشرته بلا تردد ولا وازع ولا احساس بالمسئولية عن شريك الحياة.

·       من التي تقارن بين دخل أسرتنا وهو أعلى مما كانت تحلم به وبين دخول أسر أخرى ولقنت الأولاد أيضا ذلك.

·       ومن التي تتمارض حين نكون معا وتكون في أتم صحه في أي مكان آخر.

 

إذا عرفتم الحل أرجو إفادتي به لأنني قد يئست من كل شئ .. وبعد كل ما كسبته طوال حياتي فإني لا أملك أية ممتلكات وليس لي رصيد في البنك ولقد فكرت جديا في أبغض الحلال إلا أنني رجعت عنه وقلت لنفسي لعل الله سبحانه وتعالى يمنحني في الدنيا ويدخر لي السعادة في الآخرة , وختاما فإني أقول لكل إنسان وإنسانة إذا أخطأ في حق شريك حياته وآلمه وظلمه فليرجع عن ظلمه ويعتذر له ويكون كريما وعادلا معه حتى لا يدفع الثمن الرهيب لكل ذلك في الحياة الآخرة.

وبهذه المناسبة فإني أضيف سؤالا أخيرا هو :

·       من هي التي سوف تدفع الثمن الرهيب في الحياة الآخرة لظلمها وافترائها وتنغيصها الحياة على شريكها وبعدها نهائيا عن العدل والرحمة والانصاف معه!

 
ولـكـاتـب هـذه الـرسـالـة أقــول:

شر البلية ما يضحك يا سيدي .. أعانك الله على أمرك .. وعوضك عما تكابده من تعاسة بالنعيم المقيم في الدار الآخرة بإذن الله.

والحق إنني أتأمل بعض أحوالنا فاتوقف أمام هذه الصورة الشائعة إلى حد ما من صور العلاقة الزوجية في حياتنا فلا أجد مهما أجهدت نفسي في البحث عن الكلمات ما أصفها به إلا بأنها علاقة زوجية "عدائية" بكل ما تحمله كلمة "عدائية" من معان حيث لا يلتزم الطرفان أو أحدهما على الأقل ولو بشرف  الخصومة الذي يفرض عليه ألا يحارب خصمه بالوسائل القذرة وألا يوجه إليه الضربات تحت الحزام .. وألا يفتري عليه ما لم يفعله أو يقله.

 

ومن عجب أننا قد نرى مثل هذه العلاقة العدائية التي لا يأتمن أحد طرفيها الآخر على أسراره أو ماله .. ولا يأمن غيبته له حتى مع أبنائه , ومع ذلك فإن الطرفين لا يفكران في إنهاء هذه العلاقة الفاسدة, ولا يفكران في الوقت نفسه في إصلاح علاقتهما أو تحويلها على الأقل إلي علاقة حيادية آمنه تستهدي بروح العدل والرحمه إن لم تستهد بروح الحب والإخلاص .

وفي مثل هذه العلاقة قد لا يتبادل الطرفان المشاعر .. لكنهما يحترمان على الأقل روابطهما ومسئوليتهما العائلية ويحرص كل منهما على أداء واجبه ولو شكليا تجاه الآخر ويتفادى إحراجه ويطلب السلام معه .. أليست هذه هي العلاقة الإنسانية العادية التي تقوم بين المعارف وزملاء العمل في بعض الأحيان!

فكيف إذن تتدنى العلاقة الزوجية التي تمازج فيها عرق الطرفين وآمالهما وأحلامهما ذات يوم عن هذا الحد الأدنى للعلاقة الإنسانية العادية.

وكيف نفسر استمرارها وعدم قابليتها للإصلاح في بعض الأحيان مع عدم استعداد طرفيها للتخلص منها في الوقت نفسه حتى وبعد أن كبر الأبناء وفهموا حقائق الحياة؟

وكيف يتعاشر طرفان ينكر كل منهما على الآخر مثل ما ينكره كاتب هذه "الفوازير" على زوجته.

وبالرغم من ذلك فالحياة مستمرة .. والعداء قائم .. ولا أمل في الإصلاح ولا في وضع نهاية لمثل هذه الحياة الكئيبة!

 

إنني أطرح تساؤلات تستحق التأمل والتفكير فيها ويبدو أن أسلوب كاتب الرسالة قد استهواني بغيرأن أشعر فانجرفت مثله إلى طرح الأسئلة بدلا من الإجابة عليها.

فعسى أن يستطيع أحد أن يقدم إجابات شافية لها .. وعسى أن تتخلص حياتنا ذات يوم قريب من مثل هذه العلاقات المرضية التي لا تورث الإنسان إلا الكآبة والسقم والمرض وترشحه بما يتعرض له من ظلم وما ينجرف هو إليه بالضرورة من ظلم مضاد لأوخم العواقب في الدنيا وفي الآخرة.

رابط رسالة الخواطر 

رابط رسالة نظرية الأرض تعقيبا على هذه الرسالة

·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1998

كتابة النص من مصدره / بسنت محمود

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي

 


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات