الشموس الصغيرة .. رسالة من بريد الجمعة عام 2002
أنا سيدة أعمل موظفة مند
ثلاثين عاما, خطبت لشاب كان جارا لنا وسيرته حسنة ومعروف لدى الجميع بأخلاقه الكريمة
وأدبه, وكان وقتها مجندا على خط النار, وقد علمني كيف أحبه وكانت أجازته تأتي
كل 35 يوما ولمدة خمسة أيام فكنت أقضيها معه في سعادة لا توصف وعندما عبرت قواتنا
القناة كان هو بين أول دفعة عبرت القناة, وحين حوصر مع الجيش الثالث في الضفة
الشرقية عشت أياما قاسية مرضت خلالها, وساءت حالتي وبكيت ليلا ونهارا إلى أن
رأيته أمامي بسلامة الله بطلا من الأبطال ففخرت به وكانت سعادتي بعودته لا تدانيها
سعادة .
وبعد خروجه من الجيش تزوجنا
وكان يوم زفافي أسعد أيام حياتي لأني سأتزوج من أحببته وأحبني وعشت معه أجمل أيام
عمري وبعد الزواج تعمق حبنا وازداد قوة, ورزقنا الله بستة أبناء وعشنا أسرة
سعيدة متعاونة يدا واحدة نحب بعضها بعضا خاصة أن رب الأسرة إنسان عظيم يشغل مركزا
مرموقا في التربية والتعليم وإنسان مثقف ثقافة عالية دينيا وسياسيا وفي كل
المجالات, وكنت أنا وأبناؤه فخورين به كأب عظيم وزوج عظيم يحب كل أفراد
أسرته ويحنو عليهم ويسهر الليالي يذاكر لهم ويجهز لهم الطعام والمشروبات وحكيم في
تصرفاته وله شخصية تؤثر في كل من حولها من احترام وحب, وقد حفظ القرآن وحفظه لنا
وأوصل أبناءه إلى كليات القمة.
كان حبيبي ـ أقصد زوجي ـ
يخاف علي كما يقولون من النسمة العابرة وإذا تأخرت في عملي يتصل ليسأل عني زملائي
وحين مرضت بالقلب تعاون معي في كثير من الأعباء التي كنت أقوم بها وحين أتعرض
لأزمة قلبية يطلب لي الطبيبة وينزل ليحضر العلاج ويعد لي كوب اللبن الدافيء ويأتي
لي بالطعام في سريري, ويظل بجواري طوال الليل يضع يده على قلبي ليطمئن علي.
عشت معه أسعد أيام عمري
وكأني في الجنة, وكنت أجد فيه الأخ الذي حرمت منه وحنان الأم التي حرمت منها
أيضا والصديق الوفي والرفيق الحنون وشريك الحياة المخلص, كان إنسانا خيرا مع جيرانه
وأصدقائه وأهله بارا بوالدته لدرجة أن أول مبلغ جمعه في حياته أصر على أن تؤدي به
والدته فريضة الحج.
ثم وأنا في قمة سعادتي رحل
عني زوجي اثر حادث أليم, وأصيب ابني الذي لم يبلغ من العمر11 عاما في نفس
الحادث إصابة خطيرة ونجا من الموت بأعجوبة ومازال يعالج من أثر الحادث.. فأحسست
أن الدنيا قد أظلمت حولي وأن زلزالا هز أرضي وفقدت الزوج والأخ والحبيب واليد
الحانية والكلمة الطيبة والقلب العظيم.
والآن أعيش إنسانة محطمة
أسمع هسيس أنفاسه إلى جواري ودعواته لي تتردد في أنحاء الشقة وهي التي كنت أسمعها
وهو يصلي الفجر أشعر بيده الحانية تربت علي لتشعرني بالحنان.
لقد ضاع عمري مع
ضياع زوجي. ضاعت السعادة التي عشتها معه 31 عاما لم تفتر أبدا, بل ظل حبنا
قويا كما بدأ لم تؤثر فيه طول المدة ولا مشاكل الحياة.
فكيف أعيش الآن بعد هذا
الحب العظيم, وقد حرمت من أجمل ما في الحياة؟!
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
تعيشين بدفء هذه الذكريات الجميلة.. وبحرارة شموسك الست التي خلفها وراءه هذا الزوج الحبيب, فلقد ترك لك مجموعة شمسية صغيرة وبديعة تضيء قلب الزوجة المكلوم, وتدفع عنه ظلمات الحزن بإذن الله.فالأبناء هم أقوى دوافع الرغبة في الحياة والاستمساك بها وأنت لديك باقة طيبة منهم, فليحفظهم الله لك وعليك ويحفظك لهم ويعينك علي أمرك معهم إن شاء الله
* كاتبة هذه الرسالة هي والدة كاتبة رسالة "العمارات العالية" التي نشرت من قبل وقد علمنا ذلك من ردود الأسرة الكريمة على المنشور الخاص برسالة العمارات العالية على الفيس بوك في مايو 2016 .. وتم نشر هذه الرسالة بناء على طلب صاحبتها فلها من إدارة الصفحة ولكل الشموس المضيئة من أبنائها كل الحب والإعزاز .. سعدنا بتواصلهم معنا ونأمل أن يتكرر ذلك مع كل أصحاب الرسائل .
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر