المطرب المشهور .. رسالة من بريد الجمعة عام 1984
تلقيت
هذه الرسالة في بريدي هذا الأسبوع :
أرجو منك
أن تصدق كل كلمة كتبتها إليك في هذه الرسالة لأني كتبتها بدموع عيني رغم أنها ليست
مشكلة كمشكلة فتاة قاع المدينة ولا كمشكلة المعيدة الشابة , وليتها كانت كذلك
المشكلة يا سيدي.
إن لي شقيقاً يعمل مطربا مشهورا يُكتب اسمه
بالخط العريض على أفيشات شارع الهرم وهو يغني في هذه الملاهي الليلية، وقد كافحنا
وشقينا حتى استطعنا تعليمه وقد نشأ نشأة مدللة بيننا لأنه الولد الوحيد على بنات
أنا أكبرهن, وقد توقفت في دراستي عند المرحلة الإعدادية لظروف خاصة ثم مات والدي
وبدأت مشاكلنا.
ومشكلتنا
يا سيدي أن شقيقي المطرب المشهور جدا لا يسأل عنا أبدا ولا نراه كأنه يعيش في بلد
بعيد وأصبح لا يزورنا ولا يهتم برعاية إخوته البنات وأمه ولولا معاش أبي الموظف
لمتنا جميعا من الجوع .. ولن تصدق أن المطرب المشهور حين مات أبي رحمة الله عليه
لم يأتِ ليقف بجوارنا ولم يأتِ ليقف في العزاء ويتلقى عزاء الناس في أبيه وكلما
سألنا عنه أحداً لماذا لم يجئ في وفاة أبيه قلنا أنه مسافر .. وكل من يسألنا يعلم
أنه مسافر إلى شارع الهرم.
إن أخي
يكسب مالا كثيرا ولا يعرف أين ينفقه لأنه لا يمدنا بأي عون بحكم مسئوليته عنا..وقد
انتقل إلى شقة فاخرة وأبي مريض فزرته فيها هناك لأخبره أن أباه مريض ويريد أن يراه
فوعدني بالحضور ولم يحضر , والشئ الذي يحيرني ويثير عجبي هو كيف يذوب رقه وأحاسيس
وحنانا هكذا في أغانيه .. وهو مجرد من الحنان والعطف على أمه وشقيقاته, وكيف
يستطيع أن يخرج هذه الآهات الحارة ويردد هذا الكلام العاطفي الرقيق وأنا شقيقته لا
أملك سوى فستان واحد وشقيقتاه في المدرسة يعانيان من شظف العيش وأمه تعيش على
المهدئات وتعاني من قسوة الحياة وقد بعنا الكثير من أثاث البيت لنواصل حياتنا
الصعبة .. وهو لاه عنا ونحن على قيد الحياة .
هل تستطيع أن تجيبني على هذا السؤال؟
ولكاتبة
هذه الرسالة أقول:
نعم
أستطيع أن أجيب على هذا السؤال .
إن إخراج الآهات الحارة سهل لكن إخراج النقود
للإنفاق على الأم والشقيقات ليس سهلاً لمن لم يعتد العطاء ولمن لم يعتد الإحساس
بالمسئولية وبالواجب ولمن لا تتوافر لديه الطبيعة السوية والتمسك بالقيم الدينية
والأخلاقية.
وشقيقك
فيما يبدو ممن اعتادوا أن يضع الناس على جباههم الأوراق المالية على سبيل
النقوط فظن أن الدنيا كلها أخذ في أخذ أو نقوط من جانب واحد فنسي
شيئاً هاماً هو العطاء .. إنها أخلاقيات هذا المجتمع .. فماذا تنتظرين منه، وإن
كان ذلك لا يعني أن كل من يعيشون معه على شاكلته .. فالإحساس العائلي السليم ليس
مرشحا بمكان العمل ولا نوعه .
وبعض من
يعيشون من الدروب الخاصة للمجتمع لديهم إحساس عائلي غريب بأسرهم وواجباتهم الأسرية
وهذا من متناقضات الحياة, لكن شقيقك ليس من هؤلاء فيما يبدو فهو يعاني من أشياء
حادة في الإحساس بالمسئولية وفي الإحساس بالواجب تجاه أسرته ومثله لا ينجح أبدا
للنهاية ولا يخرج أبدا من علب الليل .. فهو وإن كان مطرباً عاطفياً على الأفيشات
فهو مطرب غير صادق في فنه مجرد من كل هذه المشاعر الإنسانية ولا يمكن لمن يمتلك
الإحساس الصادق أن يقدم فنا جميلا ولا أن ينجح دائما ولا أن يتخطى في يوم من
الأيام أسوار شارع الهرم إلا في حالة واحدة هي أن يعود إليه إحساسه بالواجب تجاه
أمه وشقيقاته وليس هذا بقريب فيما أظن .
تعقيب المطرب المشهور شقيق الكاتبة
كتابة النص
من مصدره / بسنت محمود
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر