الكنز المفقود .. رسالة من بريد الجمعة عام 2003
عندما قرأت رسالة
السيدة صاحبة المشكلة (الانتقام الشهي) تخيلت في بداية سطورها أنها قصتي وأن
أحد أبنائي قد أرسلها إليك, لكني بعد استرسالي في قراءتها تبينت أنها لسيدة أخرى
تعاني ما أعانيه, فلقد تشابهنا في الانبهار بالبدلة الميري إياها وانجذابنا
إليها في سن المراهقة وفتى الأحلام الذي كان يرتديها.
وتبدأ قصتي بتقدمه
لأسرتي بعد قصة حب خلال دراستي بالجامعة, وتوجت هذه القصة بالزواج بعد التخرج
وعملي بإحدى المؤسسات المرموقة, وتدرج هو في الرتب حتى وصل إلى أعلاها, وخلال
فترة الخطبة وبعد الزواج أيضا حدثت بعض التصرفات الصغيرة بسبب علاقات نسائية
ومكالمات مريبة مع بعض السيدات, وحين كنت أغضب لذلك وأعاتبه عليها كانت حجته أن
طبيعة عمله تستلزم ذلك!
ومضت الحياة بالرغم
من ذلك هادئة وسعيدة إلى أن أنجبت أبنائي الثلاثة. وتغاضيت عن هذه الصغائر إلى
أن جاء اليوم الذي ارتكب فيه إحدى حماقاته بالاتصال بإحدى السيدات, وحدثت مشكلة
كبيرة وصلت لرؤسائه وتم نقله بسببها إلى مدينة أخرى نائية وسافرنا جميعا معه
وانتقلت للعمل بشركة تماثل شركتي في مقر عمله وانتقل أبنائي لمدارس جديدة وأصدقاء
جدد.
ومرت أربع سنوات
وعدنا مرة أخرى للمدينة الحبيبة التي نعيش فيها حاليا, ثم تزايدت عصبية زوجي
وأصبح يتفوه بألفاظ عير لائقة لي وللأبناء لأتفه الأسباب وتحملنا ذلك واعتبرنا أن
عصبيته ترجع إلى ظروف عمله وإلى نفسيته المتعبة في مجال العمل.
وبدأت اجتهد في
عملي ورقيت إلى درجة أعلى, وزاد مرتبي, وبدأ زوجي يفتعل المشكلات حول مصروف
البيت ومتطلبات الدراسة من كتب ودروس خصوصية وملابس, إلى أن وصلنا إلى اقتراح
بأن يكون مصروف البيت مناصفة بيني وبينه, ولم أمانع في ذلك لأن الحياة الزوجية
مشاركة وسرنا على هذا النهج عدة سنوات, وزاد مرتبي فأصابه هذا بالضيق والحنق,
وبدأ يتراجع عن مبدأ المناصفة بحجة أن مرتبي أعلى من مرتبه ووصلنا إلى طريق مسدود,
وبدأ يماطل في دفع ما يخصه من مصروف البيت رغم أن مرتبه ازداد بشكل كبير بالإضافة
إلى ممتلكاته وشهادات البنوك ذات العائد.. إلخ.
بمعنى أن حياته المادية كانت في أحسن الأحوال,
ولم أدر سببا لتقاعسه عن الإنفاق رغم يسر أحواله .. ثم تبينت بعد ذلك سبب هذا
التحول, وكانت الطامة الكبرى أنه قد تزوج من سيدة أخرى لا تمت للأنوثة بصلة,
لكنها كانت ثرية وأكبر منه سنا وتزوجت عدة مرات في مصر وخارجها .. فكانت هذه هي
القشة التي قصمت ظهر البعير.
فلقد تحملنا
خلال السنوات الماضية بذاءة ألفاظه وعصبيته وعدم احترامه لأي إنسان وعدم إنفاقه,
أما الزواج فأمر آخر, وعندما واجهته لم ينكر بل طلب السماح واعتذر وأبدى
استعداده لطلاقها لأنه على حد تعبيره قد (تورط) في هذه الزيجة السيئة, مؤكدا
أنها ليست بالزوجة الصالحة وإنما هي فقط خزينة ممتلئة بالمال, وعلينا أن نفكر
كيف نستفيد من هذا الكنز؟ وطالبني بالتمهل إلى أن ترحل عن الحياة وتصبح أملاكها
لنا ننعم بها نحن وأولادنا! وبالطبع فقد استأت كثيرا لكلماته وآرائه, وأوضحت
له أنها لو كانت عندها كنوز الدنيا فلن تمتد يدي أو يد أبنائي إليها ونحن في غنى
عن ذلك! وظهر جشعه الرهيب للمال وبدأت ابتعد عنه نفسيا, وكرهت اليوم الذي
ارتبطت فيه به ثم ابتعدت عنه جسديا, حيث لم يف بوعده بطلاقها بحجة أنه ينتظر
قضاء الله فيها أو أن تطلب هي بنفسها الطلاق حتى تتنازل له عن المبلغ الذي كتبه
لها في البداية كطعم لكي تكون سخية وكريمة معه في الزواج, وتأكدت بعد ذلك من أن
المبالغ التي يتحدث عنها كانت خاصة بأعمال تجارية له معها وأنه تلاعب بها بسببها.
ووجدت نفسي في بئر
سحيقة فماذا أفعل وهو لم يطلقها, وأنا لا أرضى أن أكون نصف زوجة, واقتنعت بأن
انفصالي الداخلي عنه قد رد لي جزءا من كرامتي التي أهدرها, ولم أطلب الطلاق رغم
سهولة إثبات زواجه الآخر حفاظا على أبنائي الثلاثة, خاصة من تمت خطبتها منهم..
ورأيت أنه لا ذنب لهم في تحمل عواقب هذا الطلاق بالإضافة إلى أن هذا الموضوع قد
يضعف من موقف الأبناء المقبلين على الزواج مع أصهارهم.
فكرت في هذا
كثيرا, خاصة أنه ليست لي طموحات أخرى في الزواج وينحصر طموحي في عملي ومركزي
الاجتماعي وفي أبنائي وتطلعي لرؤية أحفادي والاستقرار النفسي بعد رحلة العذاب
المرير, ودعوت الله أن يعطيني الصحة والقوة والصبر على اجتياز الأيام الصعبة
التي نحياها ولم أنس للحظة واحدة أن موضوع الطلاق سيؤثر أيضا على ابني الذي ينتظره
مستقبل باهر إن شاء الله في تخصصه الجامعي.
ونظرا لأنني كنت
أحاول تجنبه وعدم إثارة مشكلة معه فلقد قررت الاستمرار ظاهريا في هذا الزواج إلى
أن تتزوج ابنتاي ثم أطلب الانفصال عنه وأنا كلي اقتناع بأنني قد أديت رسالتي على
خير وجه, وما يريحني نفسيا هو أنني قدمت لأبنائي كل ما يتمنون وكرست لهم كل
حياتي ودخلي وجهدي, وإحساسهم بي ومساندتهم لي تكفي لسعادتي واستقراري.
لذلك فطلب الطلاق الآن لن يجدي شيئا بل سيدمر كل
شئ .. علما بأنني مستعدة للحياة معه في حالة طلاقه لهذه السيدة واستقامة أحواله.
وفي النهاية أقول
لصاحبة رسالة الانتقام الشهي ألا يكفي طلاق زوجك للسيدة الأخرى ورجوعه إليك ..
كفاك انتقاما وعيشي لبناتك ولزوجك العائد إليك ولا تشعريه دائما بهذا الخطأ وبذلك
تكونين قد حققت انتقاما أكثر ذكاء.
ولكاتبة هذه
الرسالة أقول:
أكرم تضحية
تقدمها أم عطوف لأبنائها هي أن تصبر على ما تكره لكي تجنبهم تبعات الانفصال عن
أبيهم, وهدم حياتهم العائلية المستقرة وإحراجهم في عيون أصهارهم الجدد وأنسابهم.لقد اتخذت قرارا حكيما يا سيدتي بإعلاء مصلحة أبنائك واعتباراتهم العائلية والاجتماعية على كرامتك الشخصية ومشاعرك الأنثوية.. وأضفت بذلك إلى نهر عطائك الدافق لهم الكثير والكثير مما لابد سوف يذكرونه لك دائما بالحب والعرفان والوفاء والاحترام, فلقد اخترت الطلاق المؤجل إلى حين انتهاء التزامات الأبناء واستقرارهم في أسرهم الجديدة.. ومن حقك بعد ذلك أن تختاري الوقت الملائم لإعلانه حين تأمنين ألا تؤثر تبعاته سلبا على أبنائك.. فإن كان زوجك قد رجع عن غيه وعبثه ونظراته المادية الانتهازية هذه فلسوف تكون الفرصة متاحة أمامك للعدول عنه والبقاء في السفينة حتى نهاية الرحلة.. وإن لم يكن قد استوعب دروس أخطائه واعتذر عنها.. وتخلص من تطلعاته الكريهة.. فإن الانفصال في هذه الحالة لن يضير أحدا سواه ولن يمس إلا صورته وحده.
فأما كنزه الثمين الذي طالبك بمشاركته خططه
الانتهازية لنزحه والاستفادة بثرواته.. فليهنأ به في وحدته وشيخوخته حين تنفصلين
عنه, وهو في أشد الحاجة إليك وإلى مساندتك ورعايتك له وإن كنت أشك في انه سيظفر
منه ذات يوم بشئ يستحق من أجله أن يفقد احترام زوجته وأم أبنائه له.. ومودتها
ومودتهم له ولكن لله في خلقه شئون.. وشجون.
· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2003
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر