لحظات العمر .. رسالة من بريد الجمعة عام 1998
أنا زوجة وأم وصحفية وقد قرأت رسالة النوم للزميل
الصحفي الذي يشكو من نوم زوجته وسهره وحيدا في الليل وأريد أن أوجه كلمة له..
فلقد بدأ الحديث عن برنامج حياة زوجته بهذه العبارة : تعود من عملها ثم راح يشكو
من أنها تضع الطعام على النار وتنام.. وتتناول الغداء مع الأسرة وتنام.. وتضع
براد الشاي فوق الموقد وتنام, ثم تذاكر للأبناء وتعد طعام العشاء وتنام..
ويسهر هو وحيدا ويتقلب في فراشه حتى الفجر.. الخ.. ولقد فاته أنه قد بدأ جدول
أعمالها اليومية بعودتها من العمل ولم يقل لنا متى استيقظت من نومها في الصباح
وماذا فعلت مع أبنائها المتفوقين في حل مشاكل الصباح التي تسبق توجه كل منهم إلى
وجهته, فهناك من نسي أن يشتري كراسة مطلوبة, وهناك من قطعت سوستة بنطلونه وهو
يرتديه, وهناك من تمزق رباط حذائه ومن استيقظ مريضا.. ومن نسي واجبا مدرسيا
وتذكره في الصباح إلى آخر هذه المشاكل الصباحية, وبعد فراغها منها تذهب إلي
عملها بما يعنيه ذلك من معاناة الطريق والمرور ومعاناة العمل طوال النهار, ثم
تؤمن طلبات المطبخ وتعود لتطهو الطعام مما يعني10 ساعات أو12 ساعة من العمل
المتصل كان خلالها زوجها نائما في الغالب, لأنه ينام قرب الفجر كما يقول, وحين
يستيقظ مستريحا يعد على زوجته ساعات نومها المتقطعة وهي التي قد لا تستطيع الفوز
بست ساعات متصلة منه لا 8 ساعات كما يوصي خبراء النوم والصحة لراحة الجسم والعقل.
ونصيحتي لكل زوجة هي ألا تحمل العبء وحدها
كاملا بل أن تشرك زوجها في حل جميع مشاكل البيت وفي كل معاناتها حتى لا يأتي يوم
يشكو فيه من الوحدة والفراغ وسهر الليل وحيدا, وأن ترسل الزوجة زوجها إلى مجالس
الآباء وتشركه في مشاكل الأولاد مع مدرسيهم وأصدقائهم وجيرانهم, ومع الموضة التي
يريدون ارتداءها وتخالف تقاليدنا ورغبتهم في الجلوس أمام التليفزيون ولو أدى ذلك
لتقهقرهم إلي الخلف دراسيا, إلى جميع مشاكل البيت حتى جلدة الحنفية التي تسرب
الماء ولا يجدي معها الإصلاح, وذلك لكي يشعر الزوج بمعاناة زوجته ويزوره النوم
قبل أن يضع رأسه على الوسادة لأنه كما تعمل الزوجة خارج البيت وداخله فإنه ينبغي
على زوجها أن يعمل أيضا مثلها خارج البيت وداخله, وأن يشتركا معا في أعمال
الأسرة وشئونها, وعلماء الاجتماع يرون أن الأب والزوج يجب أن يستيقظ مع زوجته
وأبنائه في الصباح الباكر وأن يبدآ يومهما معا ويعيشا كل لحظات العمر معا, حتى
لا يسهر الزوج ويتقلب في الفراش وحيدا ثم ينام إلى الضحى, وتكد الزوجة وتكدح في
النهار وتشتهي نوم الليل فتجد من يتهمها بإهمال صحبة الزوج والحبيب الذي تحبه
بعملها وتضحيتها.
وأريد أن أقول لكل زوجة أن الحياة شركة بين اثنين
فإذا كانت مسئولياتك هي البيت وحدك دون مشاركة من زوجك فيها فلا داعي للعمل ودعي
زوجك يعمل خارج البيت لكسب تكاليف المعيشة ويكفيك واجبان اثنان هما واجب الزوجة
وواجب الأم لكي تؤديهما كاملين لأن صاحب بالين كذاب وصاحب ثلاثة منافق, والزوجة
هي الخاسرة على الدوام وهي المتهمة بالتقصير ولأنك حين تفعلين ذلك سوف تعتدل
الساعة البيولوجية للجسم فتصحو الزوجة مع زوجها وتسهر معه حين لا يتحمل السهر وحده..
ومن ينام مرهقا لا يتقلب من شدة التعب, كما يتقلب كاتب رسالة النوم في فراشه
ساعتين قبل أن يزوره النوم.. فليتشارك الزوجان إذن في التعب والراحة لتنصلح
الأحوال.. والسلام.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
لاشك أن كل الزوجات العاملات سوف يسعدن بمرافعتك
الحارة هذه عنهن ويجدن فيها ما يدافعن به عن أنفسهن في وجه كل اتهام من جانب الزوج
بالتقصير في بعض حقوقه أو بالعجز عن مجاراته في بعض رغباته ولأن كل جنس يشعر بقوة
بمشاكل جنسه كما قلت أنت في مقدمة رسالتك فقد تثير هذه المرافعة تحفظات بعض
الأزواج.. خاصة فيما يتعلق باقتسام مشاكل الأبناء بين الزوجين ابتداء من رباط
الحذاء الممزق لأحد الأبناء إلى المشاكل التربوية لهم وأعباء المنزل, غير أن
مهام الأسرة رغم تسليمي بضرورة تشارك الزوجين فيها خاصة بالنسبة للزوجين العاملين,
لا يمكن التعامل معها بالمسطرة الهندسية الدقيقة بحيث يمكن قسمتها إلي نصفين
متماثلين بين الزوج والزوجة حتى ولو كانا من العاملين, لأن هناك مهام لا تصلح
لها إلا الزوجة ولا تحقق النتائج المرجوة منها سواها, ومهام لا يصلح للقيام بها
وتحقيق الأهداف المرعية فيها سوى الزوج, والمهم دائما أن يقوم كل طرف بما يسرته
الطبيعة لأدائه من مهام, وأن يتعاون الطرف الآخر معه في أعباء الحياة الأسرية,
وأن يخفف كل طرف عن شريكه بعض معاناته مع واجباته بالفهم.. وتقدير العطاء..
والتجاوز عن التقصير العابر من أثر الإرهاق وكثرة الأعباء.. فهذا هو مفهوم شركة
الحياة الحقيقية بين الزوجين أن يستخدم كل طرف منهما مواهبه وقدراته وخصائصه
المميزة لجنسه في القيام بما لا يجيد القيام به سواه.. وأن يقدر في نفس الوقت
للطرف الآخر عطاءه ويتفهم أهمية دوره في الحفاظ علي آلة الحياة الهادرة دوما في
شركتهما الصغيرة, وهي آلة لا يستطيع أن يكتفي أحدهما فيها بدور الإدارة العليا
أو العمل الإشرافي من بعيد.. ويترك دور اليد العاملة بأكمله لشريكه, ولا
يستطيع أحدهما أن يقوم بالدورين معا, ويكتفي الآخر بجني الثمرات في الحساب
الختامي للشركة.
وبالفهم والعطف الإنساني المتبادل, وتقدير كل طرف
لعطاء الآخر واحتياجاته الجسمية والمعنوية, تحل كل المشاكل وتغرد طيور الحب
دائما في الأعشاش السعيدة.
ولو وجدت
الزوجة المثقلة بواجبات رعاية الأبناء وشئون البيت والأسرة سواء كانت عاملة أو
متفرغة لأسرتها بعض التعاون من زوجها وبعض المشاركة منه, وبعض الفهم لمعاناتها
وبعض الاستعداد للتجاوز عما قد تعجزها أعباؤها عن الوفاء به أحيانا, لاختلف
الحال كثيرا ولسعد كل طرف بشريكه لأن القليل من العطف والتقدير من جانب الزوج يسعد
قلب الزوجة الراغبة بصدق في إسعاد شريكها.. والقليل أيضا من التجاوب.. والفهم
لاحتياجات الزوج العاطفية والمعنوية يرضي الزوج الراغب بإخلاص في إنجاح حياته
الزوجية والحفاظ عليها.. وقديما قال المفكر الفرنسي الكبير بسكال:
القليل من
السعادة لن يرضينا.. لأن القليل أيضا من الأحزان يشجينا!
وشكرا لك
علي رسالتك المفيدة.
· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1998
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر