مخالب الحدأة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1995
بعض النفوس
لا يغريها الصيد السهل الذى لا تتنافس فيه مع غيرها، وتفضل عليه دائما الصيد
الصعب لتستشعر لذة الفوز مضاعفة حين ينهزم الطرف الآخر فى الصراع ويتجرع مرارة
الهزيمة.
عبد الوهاب مطاوع
أنا سيدة شابة
عمري ۲۹ سنة متزوجة من رجل محترم وطيب القلب، ورسالتي هذه
ليست عني ولكن عن أمي العزيزة التي شهدت حياتها بعض الغرائب التي لم أر لها مثيلا
في حياة أخرى حتى الآن.
فلقد تزوجت
أمي وهي فتاة صغيرة السن لا يتجاوز عمرها 16 عاما وطالبة بالسنة الأولى بإحدى
الكليات من أبي و كان رجلا ميسور الحال لكنه أذاقها المر غفر الله له ، وتزوج
عليها بعد 4 سنوات فقط من أخرى وأنجب منها طفلا .. وكانت زوجته الأخرى هذه تكره أمي
کراهية لا يمكن وصفها ولا أعرف لها تفسيرا مع أنها هي التي اعتدت على أمي وتزوجت
زوجها وليس العكس، وبعد عشر سنوات من المعاناة توفي أبي وأمي عمرها 36 عاما وأنا
طفلة عمرها 9 سنوات ، واستولت الزوجة الجديدة على كل مجوهرات أبي وورث ابنها معظم
تركته، ومع ذلك فقد أذاقت أمي الأمرين في مشاكل الميراث وغيرها من المشاكل .
وواصلت حياتي
مع أمي في شقة بالعمارة التي يملكها أبي .. وتقدم لأمي خطاب كثيرون فرفضتهم جميعا،
وعشنا معا وحيدتين .. ثم عدت من مدرستي ذات يوم فوجدت أمي مغمى عليها أمام باب
شقتنا وحولها رجال كثيرون يقف وسطهم رجل مهيب الشكل، وتبين أن مالك العمارة السابق
كان قد باع بغير علم أبي ثلاث شقق من العمارة قبل بيعها له لبعض الأشخاص، وأن
الرجل المهيب الواقف بين هؤلاء الرجال هو مشترى الشقة التي نقيم فيها، وقد أقام
دعوى قضائية لطردنا منها ونال حكما قضائيا بذلك وجاء ذلك اليوم للتنفيذ.
واضطررنا
لإخلاء الشقة التي نقيم بها والانتقال إلى مسكن آخر .. ولم يكتف الرجل المهيب بما
فعل.. وإنما طارد أمي بعد ذلك أيضا حتى وقعت في حبه وقبلت الزواج منه، وتزوجته أمي
بالفعل بعد أن وعدها بتعويضها عما فات من عمرها في معاناة وآلام، وعشنا معه أنا
وأمي في بیت واحد وكان لا يقيم معنا سوى ثلاثة أيام فقط كل أسبوع، ويقضي بقية
الأسبوع مع أسرته وإخوته .
وبعد ثلاث
سنوات من الزواج الهاديء لاحظت أمي على زوجها تغيرا مفاجئا في معاملته لها، وهلعت
حين اكتشفت أنه على علاقة مع سيدة أخرى، فهل تعرف من كانت هذه السيدة ؟
إنها زوجة أبي
الأخرى التي خطفته من أمي وتزوجته بعد 4 سنوات فقط من زواجها منه، ولست أعرف حتى
الآن كيف ولا في أي ظروف تعرف بها زوج أمي وأنشأ معها هذه العلاقة، كأنها تواصل
بها انتقامها المرير من أمي بلا سبب مفهوم .. وصدمت أمي في زوجها الثانی صدمة
هائلة وتوسلت إليه بكل الوسائل أن يبتعد عن هذه السيدة، فإذا به يرفض بإصرار
الابتعاد عنها، ويبرر ذلك بأن أمي لم تغدق عليه من مالها كما كان يتوقع، في حين أن
"الأخرى" تلبي له كل مطالبه و بکرم بالغ !
ولم تفلح
محاولات أمي المستميتة مع زوجها لكي يبتعد عنها، وسلمت بالهزيمة مرة أخرى أمام هذه
السيدة التي لا أعرف لماذا لا تريد أن تدعنا في حالنا ؟! .. ولا لماذا تصمم دائما
على مطاردة أمي ولا يحلو لها إلا ما في يدها فقط .. ولم تمض أيام على طلاق أمي حتى
تزوج زوجها الثاني من ضرتها الأولى! ومرضت أمي مرضا طويلا وتعقدت من الحياة و
الرجال و الزواج بكل عقد الدنيا أجمع.. وعشنا أنا وأمي وحيدتين وأمي مازالت شابة
في عز شبابها وجمالها، وراحت ترفض كل عروض الزواج وترد الخاطبين عنها حتى أنهيت
دراستی الثانوية والتحقت بكليتي .. وبدأ شبان كثيرون يطلبون يدي فاخترت زوجي وهو رجل صالح وعادل ومتفوق
في مجاله، ورغم المشاكل التي واجهتنا في البداية من جانب أهله فقد استطعنا والحمد
لله التغلب عليها ورزقنا بطفلين جميلين يملآن علينا حياتنا الهادئة السعيدة .
ولكاتبة هذه الرسالة أقول :
يا إلهي .. كلما ظننت أنني قد عايشت مع رسائل قراء بريد الجمعة طوال اثنی عشر عاما أو تزيد من غرائب الدنيا والنفس البشرية ما لم بعد يتسع لأي جديد يثير دهشتي، أثبتت لي تجربة العمر ورسائل القراء أن باب الغرائب مازال مفتوحا على مصراعيه.. ولم يغلق بعد کباب الاجتهاد !
إنني أرجو معك
من كل قلبي أن يتحقق هذا الأمل الذي تنشدينه لأمك إشفاقا عليها من وحدتها وبرا
بها.. لكن ما موقف المرأة الأخرى، الآن بعد كل هذه السنين.. هل مازالت على ذمة
زوجها الذي اختطفته من أمك، أم تراها قد انفصلت عنه وزهدت في الرجال، فإذا تزوجت
أمك للمرة الثالثة تنبهت حواسها فجأة واكتشفت أنه مازالت لديها رغبة فيهم فتنسج
خيوطها من جديد حول من سوف يختاره الله لمشاركة أمك بقية الرحلة.. ثم تطير بالفريسة
بين مخالبها عائدة إلى وكرها.. كما تفعل الحدأة الخطافة بعد كل صيد ثمين ؟!
إن السؤال قد يبدو مزاحا غريبا
في هذا المجال، لكني جاد فيه
للأسف، فبعض
النفوس البشرية لا يغريها الصيد السهل الذي لا تتنافس فيه مع غيرها، وتفضل عليه
دائما الصيد الصعب لتستشعر لذة الفوز مضاعفة حين ينهزم الطرف الآخر في الصراع
ويتجرع مرارة الهزيمة !
والمرأة الأخرى في حياتكم من هذا النوع من البشر فيما يبدو، فهي تترصد أمك على الطريق دائما وتختزن ضدها أحقادا لو فرقت على عشرة أشخاص لسممت نفوسهم بالحقد والسواد، ولا تفسير لما فعلته مع أمك في المرة الثانية بالذات سوى ذلك.. إذ هل خلت الدنيا كلها من الرجال فلم يبق منهم سوى زوج أمك الثاني، لكي تقتنصه منها کما سبق أن تزوجت عليها زوجها الأول ؟
إنه انتقام
خسیس بكل تأكيد.. وفوز بالتخصص عليها في معركة الرجال.. وكل رجائی هو أن يكون
زواجها الثاني ناجحا ومستمرا حتى لا تواصل مطاردتها لأمك في زواجها الثالث إذا
أراد لها الله أن تتزوج مرة أخرى.. فهناك حكمة قديمة تقول إن الذهب يختبر بالنار،
والمرأة تختبر بالذهب، والرجل يختبر بالمرأة !.. وهي حكمة صحيحة تماما لكنها لا
تنطبق على تلك المرأة الأخرى التي لا تختبر بالذهب، وإنما بمن تتزوجه أمك أيا كان
هذا الزوج !
فإذا تركته لشأنه فلقد نجحت لأول مرة في الاختبار، وإذا نسجت حوله خيوطها.. فلقد أثبتت من جديد أنها كما تقولين "لا يحلو لها شيء في الحياة" إلا إذا اغتصبته من يد أمك، وفي هذه الحالة فإنها لا تكون في حاجة إلى الزواج بقدر ما هي في حاجة إلى طبيب نفسي لعلاج نوازعها الغامضة.. وشفائها من داء الانقضاض على أزواج الأخريات.. وتلقينها مبدأ أساسيا هاما، هو مبدأ احترام "ملكية" الآخرين وعدم العدوان عليها.. وأرجو أن تتصلي بي مساء غد لاستیضاح بعض الأمور منك، وشكرا .
رابط رسالة الأمنية الغالية المشار إليها من كاتبة الرسالة
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر