الطرف الثالث .. رسالة من بريد الجمعة عام 1994

 الطرف الثالث .. رسالة من بريد الجمعة عام 1994

الطرف الثالث .. رسالة من بريد الجمعة عام 1994


"الفضل لا يطلب من أصحابه .. وإنما يجيء منهم طواعية ودون طلب"

عبد الوهاب مطاوع

 

أنا يا سيدي الطرف الثالث في الرسالة المنشورة منذ أسابيع بعنوان «الأمنية الغالية»، التي كتبتها لك فتاة طيبة بارة بأمها، تروي لك فيها أنها تستعد للزواج من شاب مستقيم و متدين، وعلى خلق واللحاق به حيث يعمل خارج مصر، لكنها تشفق على أمها الأرملة الوحيدة من أن تتركها للوحدة بعد سفرها وزواجها، وتتمنى عليك أمنية غالية هي أن تجد لأمها شریکا للحياة يملأ فراغ حياتها بعد زواجها، لكي تطمئن عليها وتسعد بحياتها الجديدة، بغير أن ينغصها الإشفاق على أمها من وحدتها، فأنا هذا الشاب الذي وصفته خطيبته - کرما منها وفضلا - بأنه شاب مستقیم و متدین .

 

وقد قرأت رسالتها في غربتي فهزت مشاعري، وأريد أن أقول لخطيبتي - عبر بابك الأثير - إنها قد أخطأت في أن جعلتني من حيث لا تقصد، طرفا في المشكلة التي تشفق منها على أمها بعد الزواج، وأسألها: لماذا لم تعرض على أمها الطيبة وهي التي أنفقت سنوات عمرها وشبابها في رعايتها وتربيتها، حتى أتمت تعليمها الجامعي، وكانت لها الأخت والأب والأم حتى بلغت الخمسين من عمرها، لماذا لم تسألها أن تقيم معنا بعد الزواج؟ فنسعد بصحبتها وعطفها، وتجد في صحبتنا وصحبة ابنتها الطيبة ما يسلي وحدتها؟

 

إني أقول لهذه الأم الطيبة إن قلبي وصدری و بیتي مفتوحة أمامها تنتظر إشارتها لكي نعيش معا، ونستمتع بتبادل العطف والود بيننا جميعا، فهذه الأم حين ذهبت إليها لأطلب منها يد ابنتها لم تشترط علي أي شروط من أي نوع، ولم تفعل ذلك لأني ميسور الحال كما قد تتصور، وإنما لأنها إنسانة عطوف وقانعة ومتسامحة، فهل يضيق بيتي بمثل هذه الأم الطيبة؟

 

 إنني أخالفك في الرأي لأول مرة يا سيدي، وأقول إنك قد أخطأت بموافقة خطيبتي على رغباتها، واستميحك عذرا في أن تؤكد لخطيبتي أن زوج المستقبل لا يمانع، بل ويرحب، بأن تعيش والدتها معنا بعد الزواج؟ وكيف لا والله سبحانه وتعالى يرزقني من حيث لا أدري ولا أحتسب، حيث أقيم وأعمل، وكيف لا وهي الأم الطيبة المتسامحة، لقد أردت أن أحملك أمانة تبليغها بهذه الرسالة لأني خشيت إذا ما أبلغتها لها مباشرة أن تسيء فهمي.

 

أما إذا كانت رغبة الأم هي الزواج، فهذا شيء آخر، وهي وحدها التي تستطيع أن تقررها، وعلينا السمع والطاعة والمساعدة بكل السبل، على تحقيق هذه الرغبة المشروعة، لكنني خشيت فقط أن يكون تفكير ابنتها في هذه «الأمنية الغالية»، مبنيا على فهم خاطئ لموقفي، وهو أنني لن أرحب بوالدتها الفاضلة بيننا بعد الزواج، وأردت أن أزيل هذا اللبس من ذهن خطيبتي ووالدتها .

وأبرئ ذمتي و دینی منه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

لم تخطئ خطيبتك بإشفاقها على أمها من وحدتها بعد الزواج، ولا بتمنيها أن تجد لها شريكا للحياة تطمئن إلى رعايته لأمها، و تحمله لمسئوليتها بعد مفارقتها إلى زوجها وحياتها الجديدة . كما لم أخطئ أنا أيضا في تأييدها في هذه الرغبة، ومساعدتها في تحقيقها مع تقدیری لرأيك المخالف، فطبيعة الأشياء أن تفكر الابنة البارة بأمها في حل مشكلتها، بما تراه أكثر تلبية لاحتياجاتها النفسية والإنسانية، وبغير أن ترهق الآخرين بمشكلتها.

 

ومن الفضل والكرم أن تعرض أنت أن يكون الحل الملائم للمشكلة ، أن تضمها معك ومع ابنتها حياة واحدة ، يتبادل فيها الجميع العطف والتراحم والمودة، فالفضل لا يطلب من أصحابه يا صديقي وإنما يجيء منهم طواعية، ودون طلب ، فإذا كانت خطيبتك لم تفكر في الحل الذي تعرضه أنت، فلا لوم عليها في ذلك ولا ملامة، وإذا كنت تعرضه بسماحة فهذا هو المتوقع والمنتظر من أمثالك، ويبقى بعد ذلك أن الكلمة الأولى والأخيرة في حياة كل إنسان رشید، ينبغي أن تكون له وحده ، وبالتالي فأم خطيبتك وحدها هي التي يجب لها أن تختار حياتها، كما تريدها وتراها، ولا يقلل ذلك أبدا من قيمة عرضك النبيل، ولا من استحقاقك للشکر عليه وعلى رسالتك الطيبة هذه.

رابط رسالة الأمنية الغالية 

·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1994

شارك في إعداد النص / محمد عايدين

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي

 


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات