الرجل الصائب .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2002
أنا سيدة
أبلغ من العمر 24 عاما .. متزوجة من إنسان حرت في أمري معه .. فأنا أحبه منذ 4
سنوات.. وقد تزوجنا منذ عامين .. لكني في معظم الأوقات أشعر أنه لا يحبني وهو
يقول لي أنه قد تزوجني فقط لأنني أحبه .. كما أنه قد بدأ بعد الزواج بشهرين فقط
يسيء معاملتي ويقسو علي وينفجر في لأتفه الأسباب وينهال علي بالضرب بكل قسوة,
فلا يكاد يمضي أسبوع واحد دون أن يعتدي علي بالضرب المبرح وأنا
أتحمل ولا ارغب في الانفصال عنه.. وهو يقول لي إنه يشفق علي من أن يتركني لأني
متعلقة به ولولا ذلك لتركني .. وأنا أتحمل وأتحمل .. وأتحمل إلى ما لانهاية ..
ولا أطلب منه شيئا إلا أن يكف عن ضربي بقسوة لأتفه الأسباب.. وهو بعد كل مرة
يؤذيني فيها يعدني ألا يكرر ذلك مرة أخرى فلا تمضي أيام حتى يكرره.
وقد استجمعت إرادتي في
المرة الأخيرة وقررت أن اكسر قلبي وأتركه وأرجع إلى أهلي إذا ضربني مرة أخرى, فأنا
لست من الشارع وإنما من أسرة طيبة وأبي ضابط كبير متقاعد ووالدتي ربة بيت من أسرة
كريمة ولي أخت متزوجة من أستاذ جامعة يحبها ويحترمها.. وأنا وحدي التي أهان واُضرب
بقسوة وفي كل مرة أكتم عن والدتي وأبي ما يجري ولا اظهر لهما شيئا.. واخفي آثار
الضرب لأن أبي لو عرف به فسوف يفقد أعصابه وقد يقتل زوجي في ثورته فافقد الاثنين
معا.. وأنا لم أنجب أطفالا بعد.. وقد حملت من زوجي مرة, لكن الحمل لم يكتمل
وتم إجهاضي.
وزوجي يريدني أن احمل مرة
أخرى وأنا خائفة من المستقبل لأنه من النوع الذي لا يعترف بالخطأ أبدا, ويرى
نفسه دائما على حق.. وحتى وهو يصالحني بعد الضرب يجعلني أنا المخطئة من البداية
وكنت السبب فيما فعل, كما أنه يهددني كل عدة أيام بأنه سوف يطلقني ويتزوج من هي
أفضل مني.. ولا يكف عن تكرار ذلك إلا بعد أن أبكي أمامه.
وهو الآن يعدني بأنه لن
يعتدي علي مرة أخري, ولكني لا أصدقه, لأنه وعدني نفس هذا الوعد قبل ذلك ما لا
يقل عن50 مرة ولم يصدق فيه..
وأريد أن أستشيرك في أمري ..
هل استمر معه أم انفصل عنه.. وهل أحمل منه أم أؤجل الحمل الآن.. انه يشعرني في
كل لحظة, أنني لست جميلة ولا استحق أن أكون زوجة له مع أني مقبولة الشكل وأسرتي
أفضل من أسرته وهو خائب في عمله وكل عدة شهور يخرج من العمل ويبحث له أبي عن عمل
جديد وأبي انفق بكرم على زواجي.. وتقبل ما كان معه من ماديات قليلة ويحترم زوجي..
وأمي ترحب به بحرارة وأسرتي تساعدني بمصروف شهري,
لكنه يكره الجميع.. ولا يرى في الدنيا كلها إنسانا جيدا سواه هو.
فأرجو أن تشير علي بما افعل لأني لا أريد إشراك
أبي في مشكلتي الآن.. وسوف ألتزم بما تقوله لي.. كما أرجو أن تكتب لزوجي وترجوه
أن يحسن معاملتي لأن ما يفعله معي حرام.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
ما هذا الضعف والهوان وقلة الحيلة يا ابنتي؟وماذا يجبرك على تحمل كل هذا الأذى من زوجك المغرور الذي لا يتورع عن ضربك لأتفه الأسباب ولا يعترف بخطئه أبدا, ولا يصدق في وعد له بعدم تكرار الاعتداء عليك.. ولا يترفق بك ولا يحسن عشرتك ولا يرى في الدنيا كلها إنسانا جيدا سواه؟ .. بل وكيف فقدت حملك الأول.. وهل كان لإيذائه البدني دور في ذلك وتكتمت الأمر كالعادة أم كان لأسباب أخرى؟!.. وهل يكفي الحب وحده لتجرع كل هذه المذلة إلى ما لانهاية.. وإلى متى سيصمد هذا الحب وهو يحمل معه بذور الفناء بسبب قسوة زوجك عليك واستهانته بشأنك وجرحه الدائم لمشاعرك.
ولماذا لم تشركي والدتك في أمرك منذ البداية وتطلبي منها المشورة في هذا البلاء.. وهل تبلغ بك الرغبة في حماية زوجك هذا حد تكتم هذا الإذلال الدائم لك عن أهلك بل وعن أهله هو أيضا ؟
إنني لا أرضى لك بأن تكوني من رقيق الحب الذين يتجرعون الهوان بسبب خوفهم الذليل من فقد المحبوب, وأرى أن زوجك المغرور هذا الذي يحاكي صولة الأسد معك مستغلا ضعفك معه إنما يكرر نموذج الرجل الصائب الذي كشف لنا عالم النفس فان فوجت ملامح شخصيته في دراسة حديثة له, وهو كل كائن بشري يوقن في نفسه بأنه على صواب مطلق في كل ما يفعله وكل ما يفكر فيه ولا يعترف تحت أي ظرف من الظروف بأنه على خطأ.. ويعيش في عالم من صنع خياله ويتجاهل جوانب الواقع التي تتعارض مع هذا العالم .. ويحركه إحساسه بالدونية لأن يرغب في أن يكون شخصا ذا شأن ولأنه غالبا لا يحقق نجاحا مذكورا في حياته العملية.. فإنه يتجه بهذه الرغبة غالبا إلى حياته الشخصية.. ويشعر بثقته بنفسه حين ينجح في إخضاع امرأته له خضوعا مطلقا, وبالزهو حين يحس بحبها له أو إعجابها به.. وهو رجل عنيف دائما وكثيرا ما يقسو على امرأته انطلاقا من هذه الدوافع .. وكثيرا ما يهددها بالهجر ويشعرها بتفضله عليها بالاستمرار معها.. ويعنفها على الدوام ويهاجمها على طول الخط .. فإذا هجرته امرأته بعد أن تفيض كأسها منه, فإنه للدهشة يفقد كل أسباب قوته الموهومة هذه وينهار فجأة ويتحول من القوة والزهو إلى التوسل والتضرع لامرأته لكي ترجع إليه, وقد يمتهن نفسه ويبذل كل غال ورخيص في سبيل استعادتها.. فإذا رفضت العودة إليه وكثيرا ما تفعل ذلك لأنها تكون عادة قد تحررت من حبها السابق له .. فقد يلاحقها بمحاولاته وقد يصل به الأمر إلى حد تهديدها والتفكير في إيذائها والعنف معها!
وفي تقديري أن زوجك الشاب من هذا النمط من الشخصية المركبة, لهذا فإن نصيحتي لك هي أن تؤجلي الإنجاب والحمل منه إلى أن تتضح لك معالم المستقبل.. وأن تكفي على الفور عن حمايته والتستر على إيذائه البدني لك, وأن تضعي أمامه في حضور أهله على الأقل في البداية القضية على هذا النحو المبسط .. إما إمساك بمعروف والكف عن الإيذاء والإذلال والتهديد بالهجر الخ.. وإما تسريح بإحسان وإلى غير رجعة!
ولا تسامح بعد ذلك أبدا مع أي بادرة إيذاء بدني من جانبه لك, فإذا استسلم لشياطينه من جديد واعتدى عليك بالضرب فاهجريه بلا تردد واحتمي بأهلك منه.. ولا تقبلي منه عذرا ولا تبريرا, بل وليتك تفعلين ذلك من الآن لأنه لا أمل كبيرا في انصلاح أحواله, لكن ماذا نقول وأنت مازلت للأسف أسيرة لوهم حبه اللعين هذا.. وإن كان لن يطول كثيرا بكل تأكيد.
· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2002
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر