بداية الطريق .. رسالة من بريد الجمعة عام 1991

 بداية الطريق .. رسالة من بريد الجمعة عام 1991

بداية الطريق .. رسالة من بريد الجمعة عام 1991


لابن عطاء الله السكندري حكمه معروفه تقول: من علامات النجاح فى النهايات .. الرجوع إلى الله في البدايات .

عبد الوهاب مطاوع


أنا من كتب إليك منذ سنة تقريبا أروى لك قصتي التى نشرتها واخترت لها عنوانا لخص كل معاناتي ومشكلتي فى عبارة واحدة هي .. " طاحونة الهواء " ولقد تقبلت بنفس راضية لومك الشديد لى لأني باعدت بيني وبين أبوي وأخواتي وأسأت بهم الظنون فإذا بمن ظننته مأمني منهم هو من ضاعت عنده الحقوق . ثم نصحتني بأن أواصل الكفاح مع زوجتي باللين والصبر لاسترداد حقوقي بعد التنازل لها راضيا بما تراه كافيا وعادلا لتأمين مستقبل ابنها وهو هاجسها الوحيد ودافعها الأول للامتناع عن رد مالي إلى مع استمراري فى محاولات العلاج حتى اللحظة الأخيرة , وتكفيري عن تقصيري اتجاه أبوي واخواتي بالعودة لهم وطلب صفحهم ومحاولة تعويضهم بما فى يدي عما حرمتهم منه بانشغالي بحياتي الجديدة مع زوجتي.

 

وأريد الآن أن أروى لك ما جرى خلال الشهور الماضية فأقول لك أنى لم أتوقف لحظة عن طلب العلاج فى أرقى المستشفيات فى البلد الذى أعمل به وتحت إشراف أطباء عالميين من حين إلى آخر أحاول مع زوجتي الاقتراب من الموضوع الشائك فلا أجد منها إلا كل إصرار وعناد.

 أما أسرتي فلقد حاولت فعلا التكفير عن إهمالي لها بأداء بعض الواجبات الصغيرة التى لا ترقى إلى تكلفة سهرة واحدة من سهراتي السابقة مع زوجتي فى الفنادق الكبرى , فإذا بالقلوب الصافية تزداد صفاء .. وإذا بالوجوه تطفح بالعرفان الشديد .. بل ويعتذر بعضهم بإصرار عن قبول أي شئ لأن علاج زوجتي يكلفني الكثير" وليس هذا وقته .. " فلم أتمالك مشاعري واغرورقت عيناي بالدموع وأنا أسأل نفسي كيف حرمت نفسي طوال هذه السنين من هذا الود المبرأ من الغرض وهذا العطف الذى لم أجده أبدا فى أى مكان آخر .

 

 واستسلمت لما جرت به المقادير وواصلت الليل بالنهار في العمل مرة أخرى لأحاول تعويض بعض ما ضاع .. وحرصت على أن أؤدي واجبي فى علاج زوجتي على أكمل وجه ثم نفذ سهم القضاء على موعده .. فأديت واجباتي الأخيرة معها وانطوت تلك الصفحة من حياتي بأيامها السعيدة والشقية وبدأنا إجراءات تقسيم التركة فخصني من مالي وأملاكي ما يخص الزوج من ميراث زوجته , ونال ابن زوجتي النصيب الأوفى من ثمرة كفاحي وغربتي .. ورأيت ألا أنازع من يعد فى منزلة ابني خاصة وأنه لا يد له فى سوء تصرفي , فتساهلت معه فى بعض شئون الميراث واضعا فى الاعتبار مصلحته كشاب يتيم لا سند له فى الحياة إلا ذلك المال لكني تفاديا للمشاكل رأيت أن أشترى منه نصيبه فى بعض الأملاك المشتركة التى لا نفع فيها ولن يستطيع استثمارها وربما تتسرب من بين يده إلى غرباء قد لا أستطيع التوافق معهم فطلبت منه ردا على تساهلي معه أن أشتريها منه بقيمتها التى اشتريتها بها منذ ثلاثة أعوام فقط , فإذا به يرفض أن يبيعها لى إلا بسعر اليوم .

 

 ومازلنا نتفاوض ومازلت آمل أن يكرمني ببعض التساهل حفاظا على الصلة التى جمعت بيننا, ومازال هو يأمل فى أن أتساهل معه أكثر إكراما لأمه الراحلة .. ولكن ذلك ليس المشكلة فلابد أننا سوف نتوصل إلى حل وسط بيننا .. ولم اكتب لك من أجل ذلك .. وإنما لأروي لك الفصل الأخير من قصتي ولأقول لك أنى قد تعلمت من تجربتي أشياء كثيرة ذات قيمة كبيرة وعدت إلى ربي الذي نسيته فنسيني وإلى أهلي الذين أسأت بقناعتهم الظنون فثبت لى أنهم أغنى منى بكثير وأنهم ليسوا فى حاجه إلىّ أو إلى مالي .. وإنما أنا الذى احتاج إليهم وإلى اهتمامهم الصادق بأمري وهمهم بى . وقد عقدت العزم على أن أواصل الكفاح والعمل من جديد لا لكي أجمع من الثروة ما ضاع .. وإنما لأوفر لنفسي الحياة الكريمة الآمنة .. ولأرد لأبوي وأسرتي جميل صنعهم معى وتقبلهم لى بعد ما بدا لهم من سوء طويتي تجاههم فى تلك السنوات العصيبة.

 وأرجو أن يوفقني الله سبحانه وتعالى فيما اعتزمت.

 

 

 

ولــكـاتـب هــذه الــرسـالـة أقــول:

لابن عطاء الله السكندري حكمه معروفه تقول: من علامات النجاح فى النهايات .. الرجوع إلى الله في البدايات , وأنت يا صديقي قد وضعت قدميك الآن على البداية الصحيحة للنجاح الحقيقي .. فامض فى طريقك إليه مستفيدا من دروس تجربتك القاسية , وواثقا من أن العجلة الدوارة التى نقلتك من البساطة إلى الثراء ثم تراجعت بك بضع خطوات إلى الوراء سوف تدور مرة أخرى لتحملك إلى أهدافها الجديدة بالإرادة والصبر والفهم الصحيح لحقائق الحياة الأجدر بالاهتمام.وسوف يكون نجاحك هذه المرة مختلف عنه فى الماضي حتى ولو لم يبلغ نفس المعدلات السابقة لأنك ستكون أنت أيضا إنسانا مختلفا يعرف أن المال ليس هدفا فى حد ذاته وإنما وسيلة من وسائل الإنسان لتحقيق الأمان لنفسه , ثم يبقى الهدف الأعلى الذى يشقى للوصول إليه دائما هو السعادة وراحة القلب وسلام النفس. وهو هدف قد يتحقق بأدنى معدلات النجاح المادى .. وقد لا يتحقق بأقصى معدلاته. وأنت فى كل الأحوال لم تكن مرشحا له فيما سلف من أيامك حين كنت بعيدا عن ربك وعن أهلك الحقيقيين ومشحونا بالهواجس والظنون تجاههم.

 

ولكنك فى كفاحك الجديد للأمان والاستقرار سوف تتغير حياتك وفى شخصيتك بل وفى استمتاعك بما حققته من نجاحات صغيرة فكل خطوة ستحققها ستسعد بها سعادة مضاعفه وستفخر بها فى العلن وتفخر بها أكثر منك أسرتك. ولن تحتاج إلى أن تتخفى بثمار نجاحك كأنما جنيتها من طريق غير مشروع .وسواء نجحت المفاوضات مع ابن زوجتك أم لا واغلب ظني أنها لن تنجح . فلن تتوقف طويلا أمام ذلك ولن تسمح له بأن يفسد عليك علامات سلامتك بعد أن جرى ما جرى إذ ماذا يفيد البكاء على القليل وقد ضاع منا الكثير وذبلت زهرة العمر فى المعاناة والشقاء .. ويحق لنا الآن أن نتطلع إلى نصيبنا العادل من السعادة والأمان.

رابط رسالة طاحونة الهواء

 ·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1991

شارك في إعداد النص / بسنت محمود

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي

 


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات