الخط الأحمر .. رسالة من بريد الجمعة عام 1991

 الخط الأحمر .. رسالة من بريد الجمعة عام 1991

الخط الأحمر .. رسالة من بريد الجمعة عام 1991

أسوأ ما يفعله الإنسان هو أن يرى شرر النار يقترب من أشياءه الثمينة سريعة الالتهاب ثم يكتفي بمكابدة القلق والخوف من الحريق الوشيك.

عبد الوهاب مطاوع


أثارت شجوني وأحزاني رسالة " نظرة الحزن " التي تحكي فيها كاتبتها عن أرملة كان زوجها يحبها قبل أن تتزوج , ثم أراد أن يتزوجها بعد رحيل زوجها فرفضت فاكتئب وانعزل عن الناس , وساءت حالته النفسية حتى خشيت عليه زوجته من المرض النفسي , فزارت تلك الأرملة لترجوها أن تترفق بزوجها وتقبل زواجه حتى لا يضيع نهائياً ويفقده أبناءه , فرفضت السيدة الجميلة العاقلة المريحة مجرد التفكير في أن تكون سببا في هدم عش أسرة صغيرة .

وأصرت على موقفها تاركة للأيام علاج جروح ذلك الزوج النفسية .

وما أن انتهيت من قراءة هذه الرسالة حتى وجدت نفسي أتأمل موقف هذه الأرملة المحتشمة الكريمة وأقارن بينها وبين موقف سيدة أخرى سأروي لك قصتي معها ..وأتعجب ..وأتألم .

 

فأنا سيدة تزوجت وأنا في سن السادسة عشر من رجل كان يريد الزواج من أختي التي تكبرني بخمس سنوات , وكان معروفاً بين الأهل منذ الصغر أنهما مخطوبان لبعضهما وينتظران الوقت المناسب للزواج , ثم حدثت بعض المشاكل المتعلقة بالميراث بين أبي ووالد خطيب أختي فصرفا النظر عن هذا الزواج ووقعت القطيعة بينهما ..

وبعد فترة قصيرة خُطبت شقيقتي لآخر وتزوجته , وبعد عدة سنوات قام بعد الأقارب بإزالة الجفوة بين المتخاصمين , فعادت المياه إلى مجاريها بينهما , وأراد الأهل أن يؤكدوا عودة الوفاق فعرضوا على أبي أن يتزوجني ذلك الشاب الذي كان مفروضاً أن يتزوج أختي لولا أن حدثت تلك الخلافات ..وضغط الأهل على أبي فوافق .. وسألتني أمي عن رأيي فيه , وكنت في السادسة عشرة من عمري فلم أجد مانعاً من قبوله , وخلال بضعة شهور تم الزواج وبدأت حياتي الزوجية معه .

 

ومضت سنوات العمر فأنجبت وسعدت ببعض أيام زواجي منه وشقيت بالكثير منها خاصة من ناحية أهله , وتوفي أبي وعلاقته بزوجي في الحضيض لأنه عذبني كثيراً , ثم مرضت أمي بعد فترة واشتد بها المرض فبدأت أتردد عليها كل يوم لأرعاها وأتولى خدمتها ورأى زوجي أن نقيم معها في بيت الأسرة لكي نستريح من التشتت المستمر بين بيتي وبيتها , فانتقلنا للإقامة معها , وبدأت الشقيقات والأشقاء المتزوجون الذين تفرقوا في البلاد يأتون لزيارة أمهم المريضة , والإقامة معها بعض الوقت , ومن بينهم  بالطبع أختي التي كانت شبه مخطوبة لزوجي .. ولم أر في البداية شيئاً غريباً في ذلك فقد مضى أكثر من عشرين سنة على زواجي وما يقرب من 25سنة على زواج أختي , وزوجها رجل مثالي في كل شيء فهو على خلق ووسامة وحساسية ويراعي مشاعر زوجته ويحترمها , لكني لم ألبث أن لاحظت بعد قليل توثق الروابط بين أختي وزوجي وكثرة الضحك والسهر والأحاديث اللذيذة الطويلة بينهما .. ولاحظت أن زوجي دائم التعبير عن إعجابه ورضاه عن كل عمل تقوم به أختي مهما كان تافهاً .. وحتى إذا كان لا يرضى هو عنه حين أقوم أنا به .. مع العلم أني أجمل منها وأكثر طيبة بشهادة الجميع !

كما بدأت ألاحظ أن شقيقتي دائمة الإشادة بزوجي وأهله أمامي وأمامه مع أني أعرف تماماً أنها لو عاشرتهم لما تحملت المعيشة شهراً واحداً .. لكن البعيد حلو دائماً يا سيدي !

 



 

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

أسوأ ما يفعله الإنسان هو أن يرى شرر النار يقترب من أشياءه الثمينة سريعة الالتهاب ثم يكتفي بمكابدة القلق والخوف من الحريق الوشيك.

وأظن أنك تفعلين شيئاً شبيهاَ بذلك الآن يا سيدتي .. فأنت لا حيلة لك فعلاً في الظروف غير الطبيعية التي قاربت بين شقيقتك وزوجك بعد كل تلك السنوات , لكنك من ناحية أخرى تتخذين موقفاً سلبياً من الشرر المقترب ولا تفعلين شيئاً لإخماده , فإذا كانت دوافعك لعدم الحديث بوضوح مع زوجك في هذا الأمر خوفاً من تماديه في العناد مفهومة , فماذا يمنعك من الحديث فيه مع شقيقتك بصراحة وبغير حساسية ؟

إنها شقيقتك في النهاية وأنت تحملين لها مشاعر الحب والأخوة برغم كل شيء , وهي امرأة وزوجة وتفهم مشاعر المرأة حين تواجه وضعاً شاذاً كهذا الوضع فإن كانت قد نسيت نفسها بعض الشيء في أحاديثها " اللذيذة " الطويلة مع زوجك وفي السهر والضحك وتبادل الإشادة والمديح بينهما أمامك , وإذا كانت قد استنامت إلى التلذذ بإعجابه وبمداعبة الأحلام والمشاعر القديمة فلا بد من تنبيهها إلى أنها قد اجتازت الخط الأحمر الذي لا يجوز لزوجة وأم أن تعبره في علاقتها برجل غريب عنها مهما كانت صلتها العائلية به , وخاصة إذا كان هذا " الرجل " بالذات هو نفس الشاب القديم الذي كان مقدراً لها أن تتزوجه ثم شاءت الأقدار له أن يتزوج شقيقتها , ذلك أن هناك خيطاً رفيعاً بين الألفة العائلية المحمودة بينها وبين أي إنسان من أفراد الأسرة وبين الإفراط في الحميمية مع أحدهم إلى الحد الذي يثير غيرة زوجته وشكوكها ويفسد عليها سلامها وأمانها .. بل إن التحفظ والاعتدال في تلك الحميمية إذا كانا مطلوبين من الزوجة مع كل الغرباء .. فهما أكثر ضرورة مع من كانت تربطها به علاقة قديمة قبل الزواج سداً لأبواب المتاعب وتجنباً للشكوك والظنون ورعاية للحرمات .

 

وأنت يا سيدتي من حقك على شقيقتك بهذا التحفظ والاعتدال .. حتى ولو كنت مغالية في شكوكك .. وحتى لو أدى الأمر إلى جفوة مؤقتة بينكما تستطيعين بحكمتك وبمشاعرك الأخوية الصادقة أن تعالجيها فيما بعد ولأن تتهمك بسوء الظن بها وبالإغراق في الوهم والشك أفضل كثيرا من أن تعجز عن الدفاع عن موقفها إذا تفاقمت الأمور , وظللت ترقبين سريان النار تحت الرماد إلى أن يندلع لهيبها عالياً , ويتعذر تدارك الأمور بعد انفلاتها .. صارحيها يا سيدتي بكل ذلك , وترقبي ما سوف تفعل بعدها ولا تتيحي لها فرص استعراض مهاراتها .. وذكائها ومزاياها أمام زوجك , وحاولي لفت أنظاره بهدوء إلى مزاياك ومؤهلاتك العديدة , وازدادي اقتراباً منه لتشعريه بوجودك وبحرصك عليه فإذا تمادت في غيها بعد تحذيرك لها فلا بأس بأن توسعي قليلاً دائرة الضغط عليها للرجوع عما تفعل بإشراك بعض شقيقاتك معك في لومها وعتابها ..وإن كنت أستبعد أن تحتاجي إلى ذلك إذا كانت مشاعرها العائلية مازالت سوية .. وإذا كانت الدنيا مازالت حقاً بخير كما نتمنى ونأمل إن شاء الله .


رابط رسالة نظرة الحزن

·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" أغسطس عام 1991

كتبها من مصدرها / بسنت محمود

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي 


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات