الإحساس المؤلم .. رسالة من بريد الجمعة عام 2003

 الإحساس المؤلم .. رسالة من بريد الجمعة عام 2003

الإحساس المؤلم .. رسالة من بريد الجمعة عام 2003

هذه الرسالة دعوة لنلتفت جميعا حولنا  ونرى النعم العديدة التي لدينا‏ .. ولنعلم أن تعويض السماء لنا يحيط بنا من كل جانب‏..‏ وفي الغيب المزيد والمزيد بإذن الله‏.‏ 
وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، فلا ينسينا التطلع للمفقود الشكر على الموجود، وهو كثير والحمد لله.
عبد الوهاب مطاوع

قرأت رسالة الابتسامة الذابلة‏,‏ ولفت نظري في بداية ردك الجميل على تلك الرسالة أنك بدأت بعبارة لبعض الصوفية تقول إن الشيطان يمني الإنسان بالمفقود لكي ينسيه الشكر على الموجود‏,‏ وقد دفعني ذلك لأن اكتب لك رسالتي هذه‏,‏ فانا الابن قبل الأخير بين تسعة أبناء لرجل موظف بسيط بإحدى المصالح وأم ربة منزل تعرف بالكاد القراءة‏,‏ وقد اجتهد الاثنان إلى أن تزوجت البنتان وتعلم باقي الأبناء وتوظفوا وتزوجوا جميعا‏,‏ ولعلك أدركت من السياق العام كم عانى الوالدان في سبيلنا وكم سهرا على راحتنا إلى أن توفي الوالد رحمه الله وترك المهمة للوالدة التي أكملتها بنجاح بالغ حتى أصبح لكل منا منزل وزوجة ووظيفة معقولة وشكرا لأبوينا ونتمنى أن نرد بعض الجميل للوالدة ونبر والدنا في قبره بالدعاء له‏.

 

أما أنا فإني متزوج منذ نحو ثمانية أعوام‏,‏ وبعد مرور عام على الزواج لاحظت وجود ورم أسفل البطن فذهبت إلى الأطباء وابلغوني بأنه من الضروري إجراء جراحة وأجريت الجراحة بنجاح‏,‏ وقبل خروجي من المستشفي اخبرني الطبيب بضرورة إجراء تحليل للسائل المنوي‏,‏ لأنه وجد أن إحدى الخصيتين لم تكن في المكان الصحيح بل لم تنزل أصلا مما سبب لها ضمورا‏,‏ وأن ذلك يمكن أن يؤثر على خصوبتي‏,‏ وقمت بإجراء جميع التحاليل وللأسف لم تكن تبشر بالخير فأخبرت زوجتي بذلك وتأثرت كثيرا وبكت فأخبرتها بأنني لن أقف عائقا في سبيلها إذا أرادت الانفصال لكي تتزوج غيري وتنجب منه وتمارس إحساس الأمومة الذي ستحرم منه معي‏,‏ لكنها قالت لي إن هذا ابتلاء من الله‏,‏ علينا تحمله ولعل في ذلك حكمة لا ندريها وصبرت كثيرا وتحملت أنا وهي الأعباء النفسية المألوفة بسبب تدخل الأهل والأقارب والأصدقاء هذا يسأل لماذا لا تذهبون للطبيب الفلاني‏,‏ وتلك تحضر لنا الوصفة الفلانية بالإضافة إلى إحساسي الأليم بأنني السبب في ذلك الألم لزوجتي الحبيبة عندما ترى فلانة حاملا وعلانة أنجبت طفلا‏.

 

وصدقني فإننا نتمنى للكل الخير والسعادة‏,‏ لكني مع ذلك أجدها أحيانا حزينة بالرغم من محاولتها إخفاء ذلك عني لعدم جرح إحساسي‏,‏ بالإضافة إلى أننا من وسط بسيط يعتبر أن من لا ينجب غير مكتمل الرجولة ويعجز القلم عن وصف إحساسي بالذنب تجاه زوجتي.

 لهذا فاني أرجوك أن تشكرها باسمي لأنها قارئة دائمة لبابك الجميل وتكتب لها بعض الكلمات التي تشحذ همتها للصبر على البلاء وأن تطلب من قرائك الدعاء لنا بالصبر والشكر دائما لله إلى أن نلقاه غير مفرطين ولا مقصرين‏.‏

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏

كلماتك الحانية عن زوجتك وإحساسك المرهف بمشاعرها وصبرها على ما حرمت منه‏,‏ ابلغ من أي كلام أوجهه لها‏..‏ كما أنها وهي السيدة المؤمنة التي رضيت بأقدارها وتعاملت معها منذ البداية كابتلاء من الله سبحانه وتعالى لا يحق لنا إلا القبول به والصبر عليه‏,‏ لا تحتاج إلى المزيد من الدعم النفسي لها‏,‏ فإيمانها بربها اقوي من كل دعم‏..‏ والحب الذي يجمع بينكما هو العاصم لكما بإذن الله من وساوس الندم والأحزان‏..‏

أما أنت يا صديقي فلا تعذب نفسك بالإحساس بالذنب تجاه زوجتك الطيبة‏,‏ فالإنسان لا يشعر بالذنب إلا عما جنت يداه عمدا من أخطاء أو إيذاء للغير‏,‏ وأنت لم تختر لنفسك ما أنت عليه‏.‏ ففيم الإحساس بالذنب عما لم تجنه يداك ولم ترده لنفسك؟

إنني أدعوك وزوجتك الفاضلة للتلفت حولكما‏..‏ ورؤية النعم العديدة التي بكما‏,‏ وأغلاها نعمة الحب والإخلاص والوفاق الزوجي لتعلما ان تعويض السماء لكما يحيط بكما من كل جانب‏..‏ وفي الغيب المزيد والمزيد لكما منه بإذن الله‏.‏ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها‏,‏ فلا ينسيانكما التطلع للمفقود الشكر علي الموجود‏,‏ وهو كثير والحمد لله وشكرا.

رابط رسالة الابتسامة الذابلة

·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2003

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات