عيد الميلاد .. رسالة من بريد الجمعة عام 1988

 عيد الميلاد .. رسالة من بريد الجمعة عام 1988

عيد الميلاد .. رسالة من بريد الجمعة عام 1988

ما لا نملك تغييره ليس أمامنا سوى احتماله و هذه هي شجاعة الحياة الحقيقية التي تسمو فوق كل رتب الشجاعة.
عبد الوهاب مطاوع

أنا يا سيدي شاب في التاسعة عشر من عمري، نشأت في جو أسري هادئ يظله الحب والتفاهم بين أبي وأمي وكنا ولدين أنا الأكبر في السنة الأولى بإحدى كليات جامعة الإسكندرية والأصغر طالب بالسنة الثانية الثانوية ، وأبي محام بإحدى المدن الصغيرة القريبة من الإسكندرية ، وأمي ربة بيت متعلمة جميلة هادئة .. من هذا النوع الذي يصالح الدنيا مهما فعلت به .. نفسها راضية دائما .. باسمة في وجوه الناس .. تساعد كل من يطلب مساعدتها وتحب جيرانها وأهلها وأهل أبي ويحبها الجميع وحين حصلت على الثانوية العامة ، أراد أبي أن يلحقني بكلية جامعية في عاصمة الأقاليم الذي نعيش فيه لكي اذهب إلى الكلية وأعود في نفس اليوم إلى بيتنا الهادئ في المدينة الصغيرة لكن نفسي كانت تهفو إلى الالتحاق بكلية أخرى لا وجود لها في عاصمة الإقليم .. ورغم ذلك لم أعارض أبي خاصة حين قال لي أنه لا يريد لنا أن نفترق بلا ضرورة ، لكيلا نحرم من صحبتنا ومن اجتماعنا كل مساء على مائدة العشاء كما تعودنا منذ صغرنا ، ووافقته احتراما لمشاعره وتقديرا لرغبته في أن نكون تحت رعايته وبالقرب منه ، لكن نفسي كانت تهفو إلى الكلية الأخرى ويبدو أني حزنت في داخلي لحرماني منها .. وان هذا الحزن قد ظهر علي لأني بعد أيام من ظهور النتيجة وجدت أبي وأمي جالسين في مكتب أبي في الشقة يتهامسان ، كعادتهما حين يتشاوران في أمور الحياة ، ثم خرج إلي أبي وأنا جالس في الصالة أتفرج على التليفزيون وسألني هل مازلت راغبا في الالتحاق بهذه الكلية ؟ ورأيت حيرته فأشفقت عليه وقلت له لا يا أبي لا أريدها ولا أريد أن أبتعد عنكم .. فابتسم ابتسامة حزينة وقال لي وكأنه يخاطب نفسه : لا بل أنت تريدها لكنك ولد طيب ولا تريد أن تؤلمني ، لكن الحق معك .. إذ لا بد أن نتعود على الفراق من الآن لان الدنيا لا تدوم على حال واحد ثم قبلني وأعلن لي موافقته على التحاقي بهذه الكلية .

 

 وبعد أيام كنا نقدم أوراقي في مكتب التنسيق ، وقبلت أوراقي في الكلية ، واقترب موعد الدراسة ، وجاء يوم السفر فاستيقظنا جميعا من الفجر وركبنا القطار الذي يغادر بلدتنا "في عتمة " الفجر ، ووصلنا إلى الإسكندرية فأقمنا في فندق صغير ، ونزلت مع أبي نطوف شوارع المدينة القريبة من كليتي حتى عثر على سكن مناسب لي في شقة قديمة مفروشة من غرفتين تؤجر للطلبة بإيجار معقول في الشتاء بشرط إخلائها قبل الصيف لتؤجر خلاله بإيجار مضاعف عدة مرات .

وانتقلت أسرتي من الفندق لتقيم معي في الشقة الأيام الأولى من الدراسة وراحت أمي تصنع لي طعاما يكفيني أسبوعين ، وتنظم لي حياتي وترشدني إلى كيفية تدبير حياتي وحدي ، ثم سافر أبي وأمي وشقيقي بعد أن اطمأنوا علي وتعرفوا على جيراني في نفس الدور ، وأوصوهم بي خيرا ، وكان جيراني الملاصقون لي أسرة طيبة لموظف في الميناء في الأربعين من عمره يعيش مع زوجته الأخصائية الاجتماعية وحدهما ولم ينجبا وكانا يتجنبان التعرف على سكان هذه الشقة من الطلبة قبلي لكنهما توسما في أسرتي الطيبة فرحبا بمعرفتها وخاصة أمي بالذات التي كسبت ودهما سريعا ، ووعداها برعايتي وتبادلا مع  أبي أرقام التليفون .

 

ولا أنسى منظر أبي وهو الرجل الوقور الذي طالما رأيته يزأر في المحكمة . وهو يقول لجاري على السلم مودعا والدموع في عينيه : استودعتك الله .. واستودعتك ابني وابنك ثم يشد على يديه بانفعال ويعانقه ويعانقني أمامه ويمضي بغير أن ينظر وراءه ، أما أمي فكانت لدهشتي أكثر تماسكا .. فقبلتني وابتسامتها لا تفارقها وعانقت زوجة جاري وقبلتها وحيتهما وانصرفت ، أما شقيقي الأصغر فقد انفجر باكياً على السلم ، حتى ضحك جاري وزوجته مستغربين وتعجبت أنا أيضا لأننا رغم حبنا لبعضنا كنا دائمي "النقار" مع بعضينا ودائمي الاختلاف حول كل شئ أنا أشجع الزمالك .. وهو يشجع الأهلي ، أنا أحب القراءة والهدوء وهو يحب الموسيقي والأغاني الأجنبية والضجيج ، وحين كنا معا في المدرسة كنا نلعب معا لفريق الكرة وفي التقسيمة كاد يكسرني أكثر من مرة حتى تعجب مدرس التربية الرياضية من عنفه معي في الملعب وحذره مرارا ومع ذلك فقد كنا لا نغادر المدرسة إلا سويا .. ولا نتفسح إلا معا ولا نذهب إلى السينما مساء كل خميس إلا ويدي في يده .. ونبيت كل ليلة وليس في قلبينا سوى الحب الخالص لنا ولأبينا وأمنا .

 

وسافرت أسرتي وبدأت حياة الغربة .. بعيدا عن أسرتي لأول مرة .. ولا أنكر أني اضطربت واهتززت لكن إغراء تجربة الحياة الجامعية الجديدة كان يخفف من ذلك ومضت الأيام الأولى وكان اتفاقي مع أبي أن أزورهم بعد 15 يوما لأمضي معهم عطلة نهاية الأسبوع ويزوروني هم بعد الأسبوعين التاليين لقضاء العطلة معي .. وجاء يوم سفري لبلدتي وبدأت اجمع ملابسي التي سأحملها معي "للغسيل" في بيتنا فإذا بالباب يطرق وإذا بأبي وأمي وشقيقي لم يطيقوا انتظاري فجاءوا هم إلي .. وكانت مفاجأة سعيدة..  وأمضت أسرتي معي يومين لاحظت خلالهما أن شقيقي قد كف عن معاندتي ومناقرتي كأن الفراق القصير بيننا قد هذب سلوكه نحوي .. "وشكوت لأبي وأمي من هذا الأدب" الذي لم أتعوده منه فضحا طويلا ..  وقالا لي أنه لم ينم خلال الأيام الأولى من عودتهم لبلدتنا .. وأنه كان يلح عليهما في الحضور منذ الأسبوع الأول .. وأن حاله في غيابي كان "يصعب" عليهما فازددت حبا له وعشنا يومين ونحن في غاية السعادة وزار أبواي جيراني وقدما لهم هدية بسيطة من منتجات بلدتنا واطمأنا علي ، والحق أن جاري لم يقصر في أداء ما وعد به أبي .. فكان يطرق بابي كل مساء .. ويسألني عن أحوالي ، ويسألني عن دراستي ويحذرني من رفاق السوء في المدينة الكبيرة ويدعوني للعشاء معهما فأعتذر بأدب للمذاكرة وكانت زوجته الفاضلة حين تلقاني على السلم تصافحني وتسألني عن أحوالي وتطلب مني إرسال غسيلي إليها .. لكني كنت اعتذر شاكرا لها عطفها .

 

 وسافرت أسرتي وتكررت زياراتها لي .. وبعد شهرين قال لي أبي أنه يتعلم قيادة السيارات ليشتري سيارة يزورني بها مع الأسرة كل أسبوعين ، وبعد شهر آخر اشترى سيارة قديمة أشفقت عليه من ثمنها وتكاليفها لأني أعلم أنه ليس ثريا وإنما عاش حياته قانعا بما يدره عليه عمله من دخل غير كبير ومعتبرا أني وشقيقي ثروته الحقيقية .

وأحسست بالاشتياق لبلدتي وأصدقائي فيها فطلبت منهم عدم الحضور في المرة التالية لأسافر إليهم أنا وسافرت فعلا .. وزرت أصدقائي ومعارفي فيها ولاحظت لدهشتي أن أبي وأمي وأخي يعاملونني خلال وجودي معهم بحفاوة غريبة كأنني "ضيف" نزل عندهم .. ولست عضوا من الأسرة .. كما يهتمون بي كأني شئ كبير أو رائد من رواد الفضاء مع أني طالب بالسنة الأولى بإحدى الكليات . فانا ضيف الشرف على المائدة الذي تقدم له أطايب الطعام وأخي لا يرد معاكساتي له .. سوى بالابتسام والاحترام وأبي  يصحبني معه في المساء إلى النادي الذي يلتقي فيه بزملائه من المحامين ورجال القضاء ويقدمني لهم فخورا بي . ويجعلني هذا أكثر سعادة وأكثر حبا وإعجابا بأبي .

 

وعدت إلى الإسكندرية سعيدا واقترب موعد عيد ميلادي .. وتوقعت أن تتصل بي أسرتي تليفونيا لتهنئتي .. لأننا نحرص دائما على الاحتفال بأعياد ميلادنا كلنا ، ونجتمع في كل مناسبة حول التورتة ونشترك في هدية للمحتفل به .

وعدت من الكلية في الساعة الثانية ظهرا .. وبدأت أعد طعامي وأنا أتوقع أن يدعوني جاري إلى التليفون في أي لحظة لكن مضت الساعات وجرس التليفون لا يرن ، ثم دق جرس الباب فقمت لأفتحه فوجدت جاري أمامي مرتديا ملابسه الكاملة ومعه زوجته مرتدية ملابسها وفي يدها حقيبة صغيرة ، وهما ينظران إلي بطريقة غريبة .. ثم طلب مني جاري أن اجمع ملابسي لكي أسافر إلى بلدتنا لأن أبي "تعبان" قليلا ويطلب أن يراني فانخلع قلبي .. وأسرعت أعد حقيبتي وهممت بالنزول فوجدتهما يصحبانني فقلت لهما أني اعرف موقف سيارات الأجرة ولا داعي لإزعاجهما لكنهما قالا إنهما يريدان أن يطمئنا على أبي ويزورا بلدتي " بالمرة " لأنهما لم يزوراها من قبل .

وركبنا سيارة الأجرة .. وأنا منقبض الصدر .. وكلما رأيت نظرة الإشفاق في عيني جاري أو زوجته ازددت انقباضا حتى وصلنا إلى بلدتنا في الليل ، فاكتشف هول ما جرى .

 

اكتشفت يا سيدي أني فقدت كل شئ في لحظة أسود من ليل المحروم ، فقد أراد أبي بحنانه الزائد أن يفاجئني في عيد ميلادي بزيارتي مع أمي وأخي ليقيموا لي حفل عيد الميلاد .. ويوقدوا لي الشموع ويقدموا لي هديتهم ، فركبوا السيارة القديمة في الصباح الباكر وخرجوا إلى الطريق حيث كان ينتظرهم القدر عند سيارة نقل طائشة قضت عليهم جميعا في لحظة واحدة .. الجميع .. الجميع يا سيدي .. أبي .. وأمي .. وأخي لأصبح في لحظة واحدة يتيما .. بل مقطوعا من شجرة .. لا أب ولا أم ولا أخ .. ووجدت كل شئ قد انتهى .. ووجدت نفسي واقفا في سرادق العزاء بين زملاء أبي وأقاربه القليلين .. ووجدت الجميع يقبلونني ويبكون من رجال القضاء إلى الموظف العجوز في مكتب أبي .. كل شئ انتهى قبل وصولي .. وقد " غم " علي فلم ألاحظ أن زوجة جاري كانت ترتدي السواد .. وظننت ذلك من الحشمة .. وليس إعلانا لضياع كل شئ في حياتي .. ولازمني جاري وزوجته في بلدتي ثلاثة أيام وكانا لي كالأهل أو أقرب ثم اصطحباني عنوة معهما إلى الإسكندرية  لأواصل دراستي وأبتعد عن ذكريات بلدتي الحزينة ووجدت نفسي وحيدا في الشقة المفروشة التي استأجرها لي أبي وزينتها لي أمي .. وشهدت شقيقي وهو يكشف لي عن حبه بطريقة لم أرها منه من قبل وليته لم يفعل إذ ربما كانت أحزاني عليه أخف وطأة .

 

وجاءني بعد أيام في الإسكندرية أحد زملاء أبي مشكورا بأوراق كثيرة لأوقعها .. لكي أحصل على معاش أبي وإعانة الوفاة من النقابة الفرعية ولكي يرفع لي قضية تعويض ، ثم انتحي بي جانبا وقال لي أن في ذمته دينا لأبي وأخرج ثلاثمائة جنيه أراد أن يعطيها لي فرفضت لأني كنت متأكدا أنه لا دين لأبي عنده وعندما أصررت على الرفض ، طالبني بأن أعتبرها قرضا أسدده حين أحصل على الإعانة أو التعويض فشكرته وجاءني جاري الطيب وقال لي أنه ذهب إلى صاحب الشقة وأبلغه بما حدث وأن الرجل قد قرر تخفيض الإيجار عشرين جنيها كل شهر ، وأعطاني العقد القديم لأمزقه وأكتب معه عقدا جديدا بالإيجار المخفض .. فشكرته وشكرت صاحب الشقة .

وبدأت أواجه الحياة وحدي تماما .. لا ناصر ولا معين سوى أسرة هذا الجار الطيب الذي تمنيت لو كانت له ابنة لأرتبط به إلى آخر العمر وسوى زملاء أبي وأقاربه وأقارب أمي القليلين ، الذين يزورنني بين حين وآخر حين يزورون الإسكندرية ، وقد انخفض وزني في شهر واحد عشرة كيلو جرامات حتى أصبحت بنطلوناتي واسعة علي وقلت ساعات نومي فلم أعد أنام أكثر من ثلاث ساعات متقطعة كل يوم .. وبعد عذاب .. وأسرفت في تناول القهوة وقل تركيزي حتى أصبحت أذاكر الصفحة في ساعتين لا أكاد أغادر الشقة إلا للكلية لساعات وأعود سريعا بلا أصدقاء ولا زملاء ..

 



 

ولكاتب هذه الرسالة المؤلمة أقول :

إن حزنك يا صديقي يجل عن العزاء لكن لا بأس من كلمة تقال لا أملك ولا يملك لك احد سواها . إنك يا صديقي تواجه موقفا من هذه المواقف الأليمة التي لا نستطيع التعامل معها إلا بالتسليم التام لإرادة الله سبحانه وتعالى وبالرضا التام بما جرت به المقادير ، لأن التسليم بقضاء الله وقدره من أركان الإيمان . وأنت تمضي على الطريق الصحيح الآن بالصلاة والصيام والصبر على ما تكره النفس وما يؤلمها ولا مفر من ذلك يا صديقي ولا مهرب لأن ما لا نملك تغييره ليس أمامنا سوى احتماله وهذه هي شجاعة الحياة الحقيقية التي تسمو فوق كل رتب الشجاعة ..

أما هواجسك عن الكلية القريبة والكلية البعيدة .. فهي لم تغير من الأمر شيئا ولا مبرر لأن تضيف لآلامك الجسيمة آلاما أخرى لا سند لها من الحقيقة ، فأنت تعرف تماما أنها آجال ومواعيد و " أماكن " .. ولو كنت قد التحقت بالكلية القريبة لجرى نفس ما جري في نفس الموعد .. وفي نفس المكان فلا تعذب نفسك بهذه الخواطر لأنك أحق بالتماس السلوى والعزاء من أن تحاسب نفسك على ما لا حيلة لأحد فيه . فاطرد هذه الهواجس من صدرك واخرج من عزلتك .. واتبع وصية عالم النفس الشهير بول كوستا لعلاج الأحزان ، باسترداد الثقة بالنفس ومحاولة نسيان التجارب الأليمة والمشاركة في النشاطات الاجتماعية ، لكي تشغلك بقدر الإمكان عن آلامك ومعاناتك ..

واسترداد الثقة بالنفس يبدأ في مثل حالتك .. بتحديد الهدف الذي ينبغي أن تسعي إليه بعد أن جرى ما جرى . والهدف النبيل الذي ينبغي أن تكرس حياتك له الآن هو أن تحقق الآمال التي عقدتها أسرتك الراحلة عليك ، وأن تستكمل دراستك وان تتفوق فيها وأن تكون جديرا بحب أبيك الحنون لك وبفخره بك حين كان يقدمك لزملائه وأصدقائه مزهوا ومتفاخرا وأن تكون أيضا جديرا بعطاء أمك وشقيقك لك ، عليهم جميعا رحمة الله ، وتحقيق هذا الهدف النبيل يتطلب منك أن تخفف بقدر الإمكان من أحزانك ، وأن تحاول نسيان ألامك بالانخراط في الحياة الاجتماعية في كليتك والتماس الصحبة والإيناس لدى بعض زملائك ولاستعانة بحكمة جارك الشهم وزوجته الفضلى في أمور حياتك فمن يدري فلعل الله قد اختار لك السكنى بجوارهما لتجد فيهما بعض العزاء ، وليجدا هما فيك بعض السلوى عن وحدتهما وحرمانهما من الإنجاب ، وهكذا الحياة يا صديقي تقسو أحيانا .. وترق أحيانا .. وتأخذ أشياء وتعطي أشياء أخري كأنها تشير لنا بإشارات خفية إلى الطريق لالتماس العزاء والتخفيف من الآلام وما أقسي آلامك ، لكن ماذا نفعل غير ذلك .. وأين المفر يا ولدي .. أين المفر ؟

 

أما رغبتك في هجر موطن الأحزان .. فهي رغبة مشروعة .. وقد تفيد المعذبين في بعض الأحيان لكنها في ظروفك ليست مفيدة ولا ضرورية لأنها سوف تعرقل دراستك وتؤخر تحقيق الهدف السامي لك الآن ، وهو هدف يستحق أن تغالب من أجله آلامك وأن تمضي إليه بكل قوة وبلا ضياع لأي فترة من العمر فهكذا ينبغي أن يكون الوفاء لأبيك وأمك وشقيقك ، وهكذا ينبغي أن تكون صور الأحباب التي تطل عليك بين صفحات الكتب حافزا لك على ألا تخذلهم وأن تسمو فوق آلامك من أجلهم ، ومن أجلك أيضا ، لهذا فأنت لست في حاجة إلى هذه الرحلة لكنك قد تكون في حاجة إلى رحلة من نوع آخر سوف تسهم بإذن الله في تضميد جراحك وفي غسل هموم قلبك المثقل بالأحزان ، لذلك فان " بريد الأهرام " سوف يدعوك بإذن الله وفي الوقت الذي تراه أنت ملائما سواء الآن أو بعد أداء الامتحان لتلبية أفضل دعوة يمكن أن توجه إلى إنسان وهي الدعوة لأداء العمرة وزيارة قبر الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام الذي تربي يتيما وحيدا مثلك وواجه الحياة بلا أب ولا أم ولا أشقاء فأدبه ربه فأحسن تأديبه وكان خير البشر أجمعين .. وسوف أرجو من أحباء " بريد الجمعة " في الأراضي المقدسة وهم كثيرون بحمد الله أن يحيطوك خلال زيارتك لها بحبهم ورعايتهم .. وان يضعوك في قلوبهم فتعرف بالدليل الحي أن لك في الحياة أكثر من أب وأكثر من أم وأكثر من شقيق (1) .. فاكتب إلي باسمك وعنوانك يا صديقي .. وانتظر فلقد أردت لنفسك رحلة غير مضمونة العواقب .. فأراد الله لك خيرا منها وأبقي وأفضل أثرا بإذن الله.

رابط رسالة أمواج الحياة تعقيبا على هذه الرسالة


(1) تلقي كاتب هذه الرسالة عشرات الدعوات من قراء مصريين أفاضل يعملون بالمملكة السعودية لاستضافته ورعايته خلال رحلة العمرة ، وكما تلقيت من أجله رغبات مئات من القراء يطلبون التعرف به ومواساته واحتضانه واعتباره فردا من أفراد الأسرة .



 ·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1988

شارك في إعداد النص / إسراء خطاب

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي

 

Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات