بلا انفعال .. رسالة من بريد الجمعة عام 1990
قرأت
رسالة "موج البحر" للسيدة التي روت أنها كانت زوجة لطبيب أنجبت منه طفلة
ولم تصبر على مشاكلها معه, وعملت فى إحدى الشركات فوقعت فى هوى مديرها واتفقا على
الزواج وهى زوجة وأم وهو زوج وأب فتخلصت من زوجها بالطلاق , وتزوجت مديرها على وعد
منه بأن يطلق زوجته الأولى.ويصر على بقاء كاتبة الرسالة نصف زوجة رغم علانية
زواجها.
ولقد
قرأت هذه الرسالة وأنا أقفز بين سطورها لأصل إلى رأيك .. وأعرف هل ستقسو عليها أم
ستترفق بها خاصة أنها قد اعترفت لك من البداية بأنها تعرف أنها ليست من نوعية
السيدات التي تحبها, لأنها لم تضحى من أجل ابنتها , ولم تتحمل الحياة مع زوجها
الأول , فإذا بك تنهال عليها بمطارق من حديد لأنها تعتبر مشكلتها الأساسية الآن هى
أن زوجها لم يف بوعده لها بطلاق زوجته الأولى رفيقة كفاحه , كأنها كما قلت لها لم
يكفها أن ترفع دعائم عشها السعيد فوق أشلاء زوجها الأول وابنتها , وإنما تريد أن
تضيف إليهما ثلاثة ضحايا جدداً, هم زوجته وابنتاه الشابتان .
ولم أستغرب تشددك فى الرد عليها من متابعتي
لآرائك .. لكنى سألت نفسي ماذا ستصنع معى لو جئت لأستشيرك فى أمري , لهذا فقد قررت
أن أكتب لك قصتي تجنبا لحرج مواجهتك فى زيارة وكل ما أرجوه منك أن تضبط أعصابك
وأنت تقرؤها إلى النهاية .. وأن تفكر فيها بروية ثم تعطيني رأيك العادل فيها بغير
انفعال أو غضب !
فأنا
يا سيدي شابة فى الثامنة والعشرين من عمري , ظلمني شكلي اللافت للنظر منذ صباى ,
فكثر حولي الراغبون فى زواجي انبهارا به. وأعطاني ذلك الثقة فى نفسي ولكن بلا
غرور. وقبل أن أكمل سن العشرين أحبني شاب من أسرة كبيرة وأحببته .. وتزوجنا على
عجل .. وتم الزفاف فى حفل فاخر كبير وبدأت حياتي الزوجية معه سعيدة.
ثم
بدأت المشاكل الصغيرة بيننا وكان معظمها بسبب الغيرة والعصبية الشديدة منه. ثم
أنجبت منه طفلا وبعد ميلاده بعدة شهور تطورت المشاكل بيننا , فطلقني وغادر شقة
الزوجية وتركها لى , وحَرص على أن يدفع لى ما يضمن لى ولأبنه الحياة الكريمة.
ثم تدخل بيننا شقيقه الأصغر فأعادني زوجي إلى
عصمته من جديد واستمرت الحياة بيننا بين شد وجذب ولحظات سعادة ولحظات خلاف وخصام ,
إلى أن أنجبت منه طفلي الثاني .. ثم تصاعدت المشاكل بيننا , فطلقني مرة أخرى.
وتدخل بيننا شقيقه الأصغر مرة أخرى للصلح بيننا وهو متزوج من سيدة شابة وجميلة
وعنده ثلاثة أطفال , وكان أكثر أفراد الأسرة اهتماما بحل مشاكلنا التي كثرت حتى
ضاق بها كباقي الأشقاء والأقارب .. وكانت لزوجي شروط للعودة .. وكانت لى أنا أيضا
شروط , فتكرر سعى شقيقه بيننا لمحاولة تقريب وجهات النظر إلى أن وصلنا إلى نقطة
تمسك فيها كل منا بوجهة نظره ورفض التنازل عنها , فغاب الأمل فى التفاهم وبدأنا
الحديث عن ترتيبات حياتي كمطلقة ونفقات الطفلين إلى آخره , فأصبحت أتصل بشقيقه
كثيراً. وأصبح هو يتصل بى مرارا لنفس الغرض.
وشيئا فشيئا بدأنا نتحدث فى أشياء جانبية أخرى
إلى جانب مشكلتي الأساسية , ثم بدأت أحس بالعرفان له لاهتمامه بأمري , فإذا بنا "أرجو
ألا يصعد الدم إلى رأسك" نتفق على الزواج ونتزوج فى نفس اليوم على شرط وحيد
من جانبه , هو أن يبقى زواجنا سريا حتى نتفادى ما يمثله هذا الزواج الفريد من حرج
للجميع , خاصة لزوجي مع شقيقه وزوجته وأسرته كلها. وقبلت كل ذلك وحرصت على سرية
زواجنا. ولم يلحظ أحد فى أسرة زوجي أي تغيير فى علاقتنا اللهم إلا مطلقي الذى ربما
لاحظ توقف مساعي شقيقه الحميدة للصلح بيننا .. وربما فسره بأنه يئس من نجاح سعيه فتوقف
.. ثم حدث ما يستحيل معه تكتم الزواج .. إذ حملت وظهر حملي واضحا مع اقتراب موعد ولادتي
, فانفجر البركان داخل محيط أسرته , وعلمت به زوجته وشقيقاته وأشقاؤه , وأصبح زواجي
هو سر العائلة الذى يخجلون منه ويتعجبون له , وواجه أكبر الأشقاء وهو بمنزلة الأب
لإخوته الأمر بحزم بالغ فأصر على أن يطلقني زوجي لخاطر زوجته التى لم تثر أية
مشكلة من قبل , ولخاطر شقيقه الذى لا بلا شك يجرحه هذا الزواج, ولم يستطع زوجي
الصمود لموجه الاستنكار التى سادت أسرته .. ولا للتمزق النفسي الذى عاناه تجاه
شقيقه , خاصة إنهما كانا صديقين أكثر منهما شقيقين , فاستجاب لضغط الأسرة وطلقني
قبل الولادة بأسابيع .. وتكفل بنفقات الولادة وبالمسئولية المادية عنى .. ودخلت
المستشفى لأضع مولودى الجديد .
وغادرته بعد أيام وقد أصبحت مطلقة لثلاثة مرات
خلال 5 أو 6 سنوات , وأما لثلاثة أطفال صغار .. وانطويت على نفسي وقررت أن أواجه حياتي
بشجاعة بعد أن حدث ما حدث , وأن أرعى أطفالي الصغار .. ومضت شهور لا أرى فيها أحدا
من أسرة زوجي الأول والثاني .. ولا أعرف عنهما إلا ما يصلني من خلال الصديقات من
أنباء .. ومن أخبار الصديقات عرفت أن العاصفة ظلت هائجة داخل الأسرة عدة شهور, ثم
بدأت تهدأ شيئا فشيئا. لكن الشرخ بين الشقيقين ظل قائما, رغم أن زوجي الأول لم
يعاتب شقيقه فيما فعل, لكن الآخر كما علمت كان يذوب خجلا كلما رأى شقيقه الأكبر,
ويحرص على ألا تلتقي عيناه بعينه إذا وُجدا فى مكان واحد, أما زوجة مطلقي الثاني فقد
صدمت صدمة هائلة فى زوجها, ثم هدأت بعد حين خاصة بعد أن طلقني زوجها .. وتعاملت مع
الأمر بحكمة.
ولــكـاتـــبـة هــــذه الـــرســالـة أقــــــول:
يا
إلهي .. كلما ظننت أنه لم يعد هناك من كثرة ما شهدت وقرأت من عجائب الدهر ما قد
يستثير دهشتي وعجبي, فاكتشفت من جديد أن الليالي مازلن حقا يلدن كل عجيب!
تطلبين
مشورتي يا سيدتي .. وسوف أشير عليك وبلا انفعال _استجابة لطلبك_ بالصمت بعد أن اخترت
لنفسك هذا الزواج المحرج الغريب.
لقد
كانت الحياة عريضة أمامك .. وأنت شابة جميلة تهافت عليك راغبوا الزواج منذ صباك ..
فهل ضاقت بك الحيل حتى لا تجدي من تتزوجينه سوى شقيق زوجك المتزوج وله ثلاثة أطفال
والساعي بينكما بالصلح.
فتحدثي
بينهما شرخا لا يلتئم , وتفجري زلزالا يهز أركان أسرة مترابطة ومتماسكة , ثم تنجبي
منه أيضا لكى تحولي الضعف البشرى العابر الذى كان من الممكن الشفاء منه والاعتذار
عنه إلى مشكلة عائلية تمتد آثارها للأجيال التالية وتذكر بها كل حين.
لماذا
اخترت لنفسك هذا المصير. وبأي عذر تستطيعين الاعتذار عنه. وكيف تفسرينه لأطفالك
حين يكبرون ويدركون أنهم إخوة وأبناء عم فى نفس الوقت , وأن كلا من الأب والعم حى
يرزق وقد تناوبا الزواج من أمهم الجبارة , فإذا تجاوزت هذه التساؤلات الحائرة
لأشير عليك بما تفعلين,فإنى أقول لك باختصار شديد لأن الموضوع كله يثير تقززى ,
انك لو أنصفت لطويت هذه الصفحة الشائكة كلها من حياتك , ولتركت زوجك الثانى لزوجته
وأطفاله , ولأنهيت الزواج السرى بلا خسائر عائلية له ولك أكثر من ذلك , ولحافظت
على الشعرة الأخيرة بينك وبين هذه الأسرة التى يحمل أطفالك اسمها ولتركتها لحالها
, وانكفأت على أطفالك الثلاثة ترعين شئونهم بمعونة أسرة أبويهم .. ثم لتزوجت _إن
أردت_ من شخص ثالث بعيد تماما عن دائرة هذه الأسرة وعن ذكرياتها المحرجة , ولعشت
معه حياة عادية هادئة بلا مآس إغريقية ولا ألغاز يصعب حلها .
وليس بمستعصى عليك لو أردت أن تدعى حقا هذه
الأسرة وشانها , فأنت فيما يبدو من السيدات اللاتي لا يعجزن عن إيجاد الزوج
المناسب فى أى مرحلة من العمر. وهذا فى رأيي هو أنسب حل لك, لأن زوجك الأول لن
يعود إليك بعد زواجك من شقيقه, وزوجك الثاني لن يستطيع أن يواجه الدنيا طويلا
بزواجه المحرج منك .. وسوف يتخلص من ضعفه معك إن آجلا أو عاجلا , ويعود لحياته
العائلية المحترمة التى لا يخجل منها ولا يطأطئ رأسه بسببها أمام أحد .. أما زواجك
الحالي سواء أكان رسميا أم عرفيا , وأغلب ظني أنه عرفي فليس فى النهاية سوى قنبلة
موقوتة سوف تنفجر فى موعدها فيكون فى انفجارها النهاية لكل ما تحاولين الآن أن تطيلي
من عمره بوسائل صناعية .
فلماذا
لا تنسحبين من هذه القصة كلها, وتتطلعين إلى حياة عادية هادئة مع زوج ملائم ,
وتسدلين ستارا كثيفا على هذه الصفحة المحرجة .. إنك لو فعلت ذلك تنصفين نفسك ووالدي
أطفالك والأسرة التى انتسبت إليها , وتضمنين لأطفالك كل حقوقهم بلا مشاكل وعراقيل.
أما
إذا أخترت أن تتم المأساة فصولها فليس أمامك إلا الصمت والرضا بهذا الوضع السري
الذى لا يختلف كثيراً عن وضع الخليلة بكل أسف.وكفاك سعيا وراء المتاعب .. فقد طلقت
3 مرات ولم يتجاوز عمرك بعد الثامنة والعشرين .. فهل تريدين ضرب الرقم القياسي فى
عدد مرات الزواج والطلاق قبل أن تتمي الأربعين؟
فكــرى فى كل ذلك يا سيدتي .. وشكرا لك أن أعفيتني من زيارتك لى.
شارك في
إعداد النص / بسنت محمود
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر