فراسة الأنثى .. رسالة من بريد الجمعة عام 2000
أنا قارئة قديمة لبريد
الجمعة ولقد قرأت رسالة الطريق المظلم التي يروي لك فيها قاريء أنه يعمل بإحدى
الدول العربية ويعيش هناك وحيدا لأن أسرته تعيش في القاهرة حيث يتعلم الأبناء,
ثم تعرف على زميلة له بالعمل كانت معرضة للفصل فتدخل لحمايتها.. وأثمر ذلك عن
نشوء علاقة آثمة بينه وبينها.. وكيف يتألم لأنه بالرغم من تدينه لا يستطيع
التوقف عن علاقته بهذه السيدة وكيف حاول الانقطاع عنها.. فلم تدع له الفرصة
للتراجع وواصلت ضغطها عليه حتى استسلم لها من جديد وأنه يخشى من تأثير هذه العلاقة
علي استقراره العائلي وزوجته التي لا يشكو منها شيئا ولم يتخيل ذات يوم أن يتورط
في خيانتها وأنه فكر طويلا في كيفية التخلص من هذه العلاقة, حتى أنه فكر جديا في
الاستقالة من عمله الذي يمارسه منذ عشرين عاما والعودة لمصر لكنه يخشى إن فعل ذلك أن
تترك تلك السيدة عملها وترجع وراءه وتلاحقه في بلده أيضا.
ولقد صعقت حين قرأت هذه
الرسالة لأنني بطبيعة الأنثى ذات
الفراسة أدركت أنها من زوجي الذي يعمل بإحدى الدول العربية, وذلك بالرغم من
التغيير الكبير في معالم القصة وفي بعض الرموز المهمة مثل السن وفترة الزواج وعدد
الأولاد وطبيعة العمل الذي يمارسه زوجي, فلقد عاملت زوجي دائما بما يرضي ربي
وضميري بالرغم مما قيل لي عنه كثيرا من ضعفه أمام الفتيات, لكني كنت أثق في نفسي
وبما وهبني الله من جمال الخلقة والخلق واستبعد أن تجتذبه امرأة غيري .
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
ذكرتني رسالتك هذه بشطر من بيت شعر للشاعر الفارسي القديم صائب تبريزي يقول فيها: نحن أمواج إن تسترح تمت! وهذا صحيح إلى حد كبير إذ أننا فيما يبدو لابد أن يكون لدينا دائما ما يجعل الراحة واطمئنان القلب أملا نتطلع إليه دون أن نحققه.. فإن عجز الواقع عن تقديم المنغصات التي تحرمنا من راحة القلب تكفلت هواجس الإنسان وشكوكه بخلقها من العدم خلقا! وهذا هو ما دار في خاطري وأنا أقرأ رسالتك يا سيدتي.. لأن فراسة الأنثى قد خانتك هذه المرة وضللتك ضلالا بعيدا وحرمتك من راحة القلب.. ولم تقدم لك دليلا عقليا واحد على صحة ظنونك في زوجك, إذ أنني استطيع أن أؤكده لك عن ثقة أن كاتب رسالة الطريق المظلم ليس زوجك ولا يمكن أن يكون هو فلقد رجعت إلى أصل رسالته وقارنت ما بها من بيانات عنه وعن شخصيته وحياته العائلية فلم أجد وجها للتشابه أو التقارب مع الملامح العائلية لك ولأسرتك كما أوردتها أنت في رسالتك وحذفتها من النشر لكيلا أعرضك للمتاعب العائلية مع زوجك بلا ضرورة.وهذا يؤكد لنا من جديد أن
عقل الإنسان قد يفضل في بعض الأحيان أن يصدق ما يرغب المرء بهواجسه وشكوكه في
تصديقه وليس ما ينبغي له أن يصدقه اعتمادا على الدليل المنطقي والواقع العملي.
لكن لا عجب في ذلك إذا
استسلم الإنسان لشكوكه في الآخرين وغلب مذهب الشك الديكارتي على تعامله مع الغير.
ونصيحتي لك هي أن تقتنعي أولا بأن كاتب رسالة الطريق المظلم ليس زوجك وأن تتعاملي
معه ومع حياتك على هذا الأساس..
فإذا كانت الهواجس بشأن إخلاص
زوجك لك تلاحقك وتفسد عليك حياتك فان سلامك النفسي والعائلي يتطلب ألا تحكمي على
إخلاص زوجك لك بمجرد الحدس.. أو الفراسة.. أو الشعور بالقلب كما تقولين دون
أية قرائن عقلية أخرى .. أو براهين مؤكدة.. ومادامت الأمور قد وصلت بك إلى هذا
الحد من الشك في خيانة زوجك لك فإن من الأفضل لكليكما ألا يعيش بعيدا عن الآخر..
وأن يجتمع شملكما معا سواء في مقر عمله إذا كانت ظروفك الأسرية والعملية تسمح لك
بذلك أو يرجع هو للاستقرار مع أسرته إذا لم يكن لاغترابه من ضرورة تدفعه إلى ذلك.
أما كيف
تتعاملين معه خلال ذلك فكما يتعامل القانون مع الأشخاص حين يعتبرهم أبرياء إلى أن
تثبت إدانتهم, أو كما تتعامل الزوجة الحكيمة مع زوجها بالثقة المبصرة في النفس
وفي شريك الحياة.. وهي الثقة التي لا يحيل معها الشك الجنوني في شريك الحياة
حياته وحياتها معه إلى جحيم.. ولا تستنيم فيها الزوجة في نفس الوقت إلى
الثقة العمياء في نفسها فتسري النار تحت الرماد وهي غائبة عن إدراك ما يجري حولها
إلى أن تصطدم بجبل من الجليد يبرز فجأة من تحت سطح الماء ويغرق سفينتها في المياه.
· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2000
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر