الطريق المظلم .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2000

 الطريق المظلم .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2000

الطريق المظلم .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2000

 من لا يقدر على نفسه .. لا يقدر على الآخرين .. ولهذا فلسوف تظل بعض المشاكل  قائمة في حياتك إلى أن تنجح فى الانتصار على نفسك.

عبد الوهاب مطاوع

 

   أنا رجل أبلغ من العمر 45 عاما .. متزوج ولي طفلان وأعمل مديرا بإحد المؤسسات الكبرى في دولة عربية شقيقة، وقد بدأت عملي فى الغربة منذ خمسة عشر عاما وعشت حياه سعيدة هادئة مع زوجتي وهى سيدة فاضلة ومحافظة وترعى الله فى علاقتها بى ولم تشهد حياتي معها أية منغصات جادة ، ولم أشك منها شيئا سوى بعض الغيرة التي قد تتخطى أحيانا الحدود المعقولة .. لكنها فى النهاية غيرة الحب والرغبة فى الحفاظ على كيان البيت والأسرة ، ولهذا فلم أتطلع فى أي يوم من الأيام لأن أعرف امرأة غيرها لتديني وانشغالي بعملي وأسرتي.

 

   ومنذ 3 سنوات انضمت إلى شركتنا موظفة مصريه شابة فى السابعة والعشرين من عمرها استطاعت بعد فتره وجيزة من عملها أن تجذب الاهتمام إلى شخصيتها المتميزة ، فانقسم الزملاء ما بين معجب بها وساخط عليها ، أما بالنسبة لي فلم تكن سوى موظفة من موظفات الشركة أتعامل معها بطريقه رسمية وعملية فى نفس الوقت ، غير أن الأمور مضت فيما بعد إلى اتجاه آخر، فلقد نشأ بيننا بعد عدة شهور ما يشبه الألفة والاهتمام.

 

وبدأت أوجه إليها النصائح فيما يتعلق بالعمل وظروف الغربة وخاصة بعد أن نشبت الخلافات بينها وبين بعض زميلاتها فى العمل ثم صعدت زميلاتها هذه الخلافات إلى أصحاب الشركة وتقرر إنهاء عملها وعودتها لبلدها، ولم أتدخل أنا فى هذا المشكلة لا بالتأييد ولا بالرفض.


وقبل موعد سفرها بأيام ، فوجئت بها تطلب الحديث معي على انفراد وقابلتها بالفعل فى مكان عام ، فراحت تحدثني عن أنها قد اختارتني للحديث معي عن مشكلتها لمعرفتها بمدى قربى من أصحاب العمل وثقتهم فى ، عسى أن أستطيع نقل وجهة نظرها إليهم ولكي لا ترجع إلى بلدها دون أن يسمع أحد دفاعها عن نفسها، وكشفت لى عن حقيقة لم أكن أعرفها وهى أنها ليست آنسة كما يتصورها الجميع وإنما هى سيدة مطلقة بعد تجربة زواج مريرة ولها طفلة أخذها والدها منها وهاجر بها للخارج وحرمها منها وتزوج فى المهجر من أخرى ، فعانت الكثير بعد الطلاق من نظرة المجتمع الشرقي للمطلقة ومن المسئولية المادية إلى أن جاءتها فرصة العمل فى الغربة كحل لمشكلتها ، ولكن عودتها منها بعد عدة شهور فقط سوف تثير حولها الأقاويل .. وسألتني فى النهاية إذا كنت أستطيع أن أفعل شيئا من أجلها عسى أن تستطيع الاستمرار فى العمل لفترة مناسبة تجمع خلالها بعض المدخرات وتبدأ حياتها فى بلدها ، وتركتها دون وعد منى بشئ .. نظرا لأنني أعلم مسبقا أن مثل هذه الوساطات تفشل دائما مع أصحاب العمل وتثير ظنونهم تجاه من تطوع بها.. وفى اليوم التالي مباشرة كنت أتحدث مع صاحب العمل ، فإذا بى أقول له دون سابق تدبير أن هذه الفتاة مظلومة فيما نقل عنها من وشايات وأنها لم تقترف ما تستحق عليه الفصل، ومن الأفضل منحها فرصة أخرى حتى تتأكد من صلاحيتها للعمل .

 

وكانت المفاجأة أن وافق صاحب العمل على إعطائها هذه الفرصة الأخرى وإلغاء إجراءات سفرها، وطلبتها فى مكتبها ورويت لها ما حدث، فلم تتمالك نفسها من البكاء فرحا، وعادت إلى عملها بالتزام شديد ونشاط أكبر واقتصر حديثها مع الزملاء على شئون العمل وحدها ، وبدأت بالفعل تكتسب ثقة الآخرين بمن فيهم أصحاب العمل أنفسهم ، ولاحظت خلال هذه الفترة كلما التقيت بها عرضا نظرة العرفان والشكر والاهتمام فى عينيها، وبدأت أسألها من حين لآخر عن أحوالها وشئون العمل وأساعدها بالمشورة الصادقة، وكان المفترض أن ينتهي كل شئ عند هذا الحد لكنى وجدتها بغير وعى منى تسيطر على تفكيري وأنا الإنسان الملتزم الذي لم تكن له فى يوم من الأيام أية علاقات نسائية، ولمست منها قبولا لتدخلي فى شئونها الخاصة ، وبدأت ألبى حتى الطلبات الخارجية عن نطاق العمل كشراء بعض الأشياء أو إنهاء بعض الإجراءات المطلوبة فى الغربة، وبدأنا نلتقي خارج العمل فى الأماكن العامة وصارح كل منا الآخر بحبه وتعمقت العلاقة حتى أصبحت هى كل شئ فى حياتي ، وأصبحت أنا كذلك كل شئ فى حياتها فكانت لى الحب والدفء والمتعة والإحساس بالذات وكنت لها - على حد قولها - الحب والأمان والحماية والصداقة.


  وبعد التورط الكامل فى العلاقة كان لابد لى من وقفة مع النفس لإيقاف الانزلاق الكامل نحو الهاوية التى تؤثر على ديني ودنياي كما هو الحال دائما فى هذه الطريق المظلم ، وخاصة أنني كنت غير مستريح الضمير ودائم الندم بيني وبين نفسي لكني غير قادر فى نفس الوقت على اتخاذ أى قرار نظرا لسيطرتها الكاملة على مشاعري.

  ثم اتخذت أخيرا قرار الابتعاد عنها وبدأت فى تنفيذه ونجحت فى ذلك لعدة أيام، فاستخدمت هى كل أسلحتها الأنثوية لاسترجاعي ، بما فى ذلك الاستعطاف والإغراء وإثارة الذكريات وحين هددتها بضرورة الابتعاد عن طريقي هددتني بدورها بإفشاء سر العلاقة لزوجتي بما تملكه من أشياء وأدلة تثبتها!

 

ففكرت فى الزواج منها تكفيرا عن جريمتي وحتى أستمتع بالحب معها فى المستقبل دون إحساس بالذنب ، وقلت لنفسي خلال تفكيري فى ذلك إن ظهور هذه العلاقة إلى النور بالزواج وبالرغم مما سوف يترتب على ذلك من مشاكل وآثار سيئة على أسرتي ، لهو أفضل من الخيانة الزوجية ومواصلة الانجراف إلى طريق الخطأ والغواية ، لكن فكرة الزواج لم تلبث أن اختفت وتغلب الجانب العقلاني بداخلي على الجانب العاطفي.

 

  ولجأت بعد ذلك إلى مخاطبة الجانب الديني فيها وكيف أن هذه العلاقة محكوم عليها بالفشل الحتمي ذات يوم قريب أو بعيد، واتفقنا على إنهائها تدريجيا وأن تحصل هى على أجازة لمدة شهرين وتسافر إلى بلدها ، فما أن ترجع حتى أسافر أنا فى إجازة مماثلة ، فيطول ابتعادنا عن بعضنا البعض أربعة شهور كاملة ، ويسهل علينا بعد ذلك إنهاء العلاقة، وسافرت بالفعل فلم تغب أكثر من أسبوعين ورجعت العلاقة أكثر عمقا وجرأة !


  لقد دعوت الله كثيرا أن يخلصني من هذا البلاء وسافرت لأداء العمرة خصيصا من أجل ذلك .. وقد أصبح الحل الوحيد الباقي أمامي الآن هو الاستقالة وإنهاء عملي فى الغربة والعودة إلى بلدي غير أنني أتشكك فى جدوى هذا الحل ، فماذا أفعل وقد أصبحت الآن على شفى حفرة من الجنون والضياع وأخشى أن أقابل ربى فى أية لحظه وأنا مستمر فى هذه الجريمة الفاحشة !

 

 

ولكاتب هذه الرسالة أقول :

من لا يقدر على نفسه .. لا يقدر على الآخرين يا صديقي .. ولهذا فلسوف تظل هذه "المشكلة" قائمة في حياتك إلى أن تنجح في الانتصار على نفسك... والكف عن الاستمرار فى هذه العلاقة الخطيرة التى تعدك بالقلاقل والاضطرابات في حياتك العائلية فضلا عما تفسد به سلامك النفسي بالإحساس المدمر بالذنب والإثم.

  ولست أعتقد أن في الحياة كلها إغراء يستحق أن يتعذب من أجله بمكابدة الإحساس المرير بالذنب والإثم ومعايشة الخوف من لقاء ربه وهو مكبل به ،فضلا عن الخوف من آثار هذا الإغراء المدمر على استقرار حياته العائلية وجدارته بالاحترام والثقة من شريكة الحياة والأهل والآخرين.

 

    ولهذا فإني أقول لك إن معرتك للتخلص من هذه العلاقة الآثمة هي في الأساس معركة داخليه تدور رحاها في أعماقك وحدك،ولا أثر حقيقيا للطرف الآخر في استمرارها أو حسمها في الوقت الملائم ،مهما كانت مغرياته أو أسلحته أو تهديداته ،وحين تنتصر على "الخائن الصغير" الذي ينطوي عليه صدرك ويجذبك إلى هذه السيدة الشابة فلسوف تملك إرادتك معها وتنجح فى وضع حد لقصتك معها مهما أرعدت بالوعيد والتهديد.

  والحق أنني لا أفهم كيف يخشى رجل امرأة يريد قطع علاقته غير المشروعة بها والعودة إلى الطريق القويم ، ولا كيف يمكن أن يخضع لتهديداتها بإفشاء سر علاقتها به، فيتراجع عن قراره بقطعها ويرجع إلى النهل من معينها، ذلك أن التهديدات الجوفاء إذا نفذتها صاحبتها بالفعل إنما تصيب صاحبتها بالضرر بأكبر مما تصيب الطرف الآخر به اجتماعيا وعائليا وإنسانيا، ولاشك أن شريكتك في هذه العلاقة إذا وثقت من أنها لن تجنى ثمرة حقيقية لفضح سرها معك لزوجتك كإرغامك أدبيا أو من باب الحرج الاجتماعي على الزواج منها ،فإنها سوف تتردد ألف مرة في إفشاء هذا السر ،اللهم إلا إذا كانت قد تملكتها روح الانتقام الشريرة وتحول ما تزعمه من حب غير صادق لك إلى كراهية شعواء ورغبة عارمة في تدميرك وهذا ما لا يحدث أبدا فى حالة الحب الحقيقي المبرأ من مثل هذه النزعات المدمرة سواء استمرت العلاقة أو انقطعت.

 

ولقد لفت نظري في وصفك لما تمثله لك هذه السيدة الشابة قولك إنها أصبحت بالنسبة لك الحب والدفء والمتعة..وإثبات الذات،ووصفها لك بأنك قد أصبحت بالنسبة لها الحب والأمان والحماية والصداقة.

  وتوقفت أمام ما تعنيه أو ما كانت تعنيه لك فى بداية علاقتك بها من إثبات الذات! وأحسب أنك كنت صادقا تماما في هذا التعبير لأن جزءا من اندفاعك نحوها كان يتمثل من حيث لا تدرى في هذه العبارة .. إثبات الذات .. أي الإحساس بالزهو الداخلي لجدارة المرء برفقة امرأة شابة جميلة لا يحل له نيلها بالطريق المشروع إلا عبر خطوات عائلية طويلة وأعباء جسيمة... ولو ناقشت الأمر مع نفسك الآن بعد فورة الاندفاع العاطفي المبدئية لوجدت أنك لست في حاجه إلى إثبات ذاتك بمثل هذه العلاقة غير المشروعة...ولا هو من الفخر والزهو في شئ أن يشعر الإنسان بجدارته عن طريق التورط فى مثل هذه العلاقة الخطيرة ..  لأن أي رجل عابث مهما صغر شأنه يستطيع أن يعثر على من تتورط معه في علاقة مماثلة كما أن أي امرأة غير متحفظة تستطيع كذلك لو أرادت أن تنشئ مثل هذه العلاقة مع طرف آخر فى أى وقت، ولا "بطولة" في ذلك ولا فخر وإنما البطولة الحقيقية هي في الالتزام الخلقي ومقاومة الإغراءات والاعتصام بالإخلاص والوفاء لمن ارتبطت به حياة الإنسان.

 

وكما لفتت نظري هذه العبارة التلقائية في رسالتك، فلقد لفت نظري أيضا وصفها لما تمثله أنت لها من حب وأمان وحماية وصداقة ذلك انه وصف لا يخلو من صدق في الحقيقة .. ولا يخلو فى نفس الوقت من شئ من الاعتبارات العملية التي لا علاقة لها بالعاطفة. فالأمان والحماية هنا ليس هما بالتأكيد الأمان والحماية العاطفيين اللذين تشعر بهما المرأة إلى جوار من تحب فى الظروف العادية،وإنما هما أمان وحماية يرتبطان بشكل أو بآخر بأوضاع هذه السيدة الشابة في الغربة .. وحاجتها إلى حمايتك لها في العمل من مؤامرات الزميلات ووشايتهن بها، ومن خطر الفصل من العمل والعودة إلى بلدها .. أي حاجتها في النهاية إليك كمدير بالشركة وشخص موثوق به من جانب أصحاب العمل لكي تأمن الفصل المفاجئ والطرد من العمل...فأي شئ في ذلك يشعرك بإثبات الذات "كرجل" وإنسان عادى ؟

 

إن بداية علاقتها بك ترجح هذا الاحتمال إلى حد كبير فلقد اقتربت منك لأول مرة لكى تستشفع بك لدى أصحاب العمل لوقف قرار فصلها ، وهي بداية "مصلحية" وليست عاطفية مجردة من الحسابات العملية بأى حال من الأحوال.

ولست أريد أن أحكم على حقيقة مشاعرها تجاهك الآن إذ لا يحكم على القلوب إلا خالقها سبحانه وتعالى ن لكنى أريد أن أقول لك فقط إنه بقليل من مغالبة النفس والحزم والإرادة تستطيع إيقاف تورطك فى هذه العلاقة قبل أن تخرج آثارها السلبية المؤكدة على حياتك العائلية عن نطاق السيطرة فتدفع ثمنا فادحا لعلاقة تسلم أنت فى أعماقك بأنها سوف تصل إلى نهايتها المحتومة إن آجلا أو عاجلا.

فإذا كان من المتاح أن تنتهي هذه العلاقة بغير أن تخلف وراءها بصمات غائرة على علاقتك بزوجتك أو بغير أن تدمر حياتك العائلية  ووضعك الاجتماعي كرب أسرة فما وجه الحكمة في أن تنتهي نفس هذه العلاقة بعد حين وقد خلفت وراءها حطام أسرة صغيرة كانت سعيدة ومستقرة وآمنة قبل التورط فيها؟ 

رابط رسالة فراسة الأنثى تعقيبا على هذه الرسالة

 ·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2000

شارك في إعداد النص / سالي ياسر

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي

Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات