ثمن السعادة .. رسالة من بريد الجمعة عام 2001
قرأت في بريدك المشكلة التي اخترت لها عنوان
اللقاء العابر, وحكي لك فيها كاتبها الطبيب عن تقدم أحد زملاء ابنته بالجامعة
للزواج منها لا يملك شيئا وكيف أن ابنته معجبة به وتميل إليه لأنه على خلق ودين,
غير أن الأب رفضه وهدد ابنته بحرمانها من دراستها إن هي تمسكت به ثم دعي بعد فترة
إلى حفلة فالتقى فيها بفتاة كان يرتبط معها في علاقة عاطفية حين كان طالبا واتفقا
على الخطبة, ثم توفى والده وتغيرت ظروفه المالية ولم يستطع الارتباط بها وتزوجت
هي من آخر! ثم تفوق بعد ذلك في دراسته وتزوج وسعد بحياته وصار طبيبا مشهورا وثريا,
لكن قلبه خفق حين رأى فتاته القديمة ويسألك بعد أن ذهب إلى هذا الحفل: هل يحرم
ابنته ممن اختاره قلبها لمجرد أنه لا يملك شيئا أم أن رفضه لهذا الشاب كان حكيما
من وجهة نظره وأن من الأفضل لها الزواج ممن يناسبها في ظروفها؟!
وبعد قراءتي لهذه القصة قررت
أن أروي لك قصتي فأنا سيدة تجاوزت الخمسين من عمري أعمل بوظيفة مرموقة بإحدى شركات
القطاع العام وقد عقد قراني حين كنت في السنة النهائية بالجامعة على أحد الشبان
ممن تقدموا لي وقد اخترته بغير تأن لأنني كنت أعاني وجود شخص في حياتي أراد الارتباط بي ولم أكن أريده
ولم يرتدع وظل يلاحقني في مجتمعي ووسط أسرتي وفي كليتي, وفي تلك الأثناء تقدم لي
زوجي هذا ضمن ممن تقدموا لي واخترته اعتقادا مني أنه أفضلهم, حيث كان له أسلوبه
في اجتذاب الآخرين كرجل شرطة وبالتحري عنه علمنا أنه على خلق ولا يترك فرضا من
فروض الله, فتزوجنا بعد تخرجي وأنجبت منه ابني الوحيد واتضح للأسف أنه على غير
ما اظهر لنا على الإطلاق وعانيت معه كل ألوان العذاب من حرمان مادي ومعنوي واعتداء
باليد وباللسان نتيجة وجود امرأة أخرى في حياته كما عرفت فيما بعد, وكانت
معاملته لي دائما تنطق بالغيظ والحنق بل وبالغل, وأيضا دون أن أعرف سبب لكل ذلك بالإضافة
إلى أنه قرر أيضا حرماني من الإنجاب بعد ولادة ابني الوحيد وامتنع عن معاشرتي بعد
عامين من زواجنا حتى لا ننجب طفلا آخر كما كان يقول.
المهم إنني
تحملته قدر طاقتي لمدة ثماني سنوات حتى ضاق بي الحال تماما فطلبت الطلاق على غير
رغبته, ودهشت لأنه لم يكن يريد الانفصال عني أو التفريط في, وتشبث بي بعد أن
كففت عن محاولة استرضائه وفقدت رغبتي فيه ولن أطيل عليك في سرد ما عانيته أنا
وولدي نتيجة الانفصال لأن هذا ليس هو الموضوع الذي يهمني ولا هو الموضوع الذي
دفعني إلى الكتابة إليك, وإنما سردته فقط لكي أشرح لك خلفية حياتي وليكون مقدمة
لما هو الأهم من الأحداث, فلقد قضيت خمس سنوات في بيت أسرتي وعانيت الأمرين من
حرماني من ابني وحرمانه مني لأنني فضلت أن أتركه مع والده لكيلا يحرم من بيته
ومجتمعه ومدرسته وبرغم حضور ابني إلي دائما وتكفلي به في كل شيء إلا أن ذلك أثر
على نفسيتي ونفسيته إلى أقصي حد, وبناء عليه قررت ألا أتزوج حتى لا يجئ من يحرم
ابني مني أو يحرمني منه لأنني طلقت وهو في السابعة من عمره, وظللت على هذا الحال
خمس سنوات عانيت فيها نظرة المجتمع للمطلقة وهي نظرة تتميز بالتخلف إذ تصبح مطمعا للرجال فإذا كانت ذات شخصية وخلق
تصبح مثار غيرة النساء فيحاولن تشويه صورتها لكي يتوجه الاهتمام إليهن وبرغم
معاناتي إلا أنني لم أقبل أي عرض للزواج بدافع الهروب أو رد الاعتبار وكنت لا
أستطيع اختيار شخص دون أن أحس بمشاعر تجاهه مهما يكن ثريا أو مميزا.
ودعوت الله أن يرزقني بشخص أحس بمشاعري تتجه إليه,
وفعلا حقق الله لي ما طلبت وتقدم لي إنسان بعد خمس سنوات عن طريق أحد معارفنا
فأحسست بأنني اتجه إليه بكل مشاعري وتمنيت أن يتم ارتباطنا من أول لحظة تماما كما
أحس هو بذلك في اللحظة التي رآني فيها وتمنى الارتباط بي وكانت أسرته المكونة من
والدته وإخوته تعيش في بيت متواضع بأحد أحياء القاهرة الشعبية لأن والده توفى
صغيرا نسبيا فلم يترك شيئا يذكر سوى معاش بسيط وانتقلت الأسرة بعد رحيله من الشقة
الواسعة في الحي الراقي إلى تلك الشقة المتواضعة وظل زوجي يشرف على رعاية والدته وإخوته
حتى تزوجت البنات وتخرج الأولاد وبرغم معارضة أسرتي بسبب إمكاناته المتواضعة فقد
أردته بكل جوارحي فطلبت منه أسرتي تغيير الشقة التي اشتراها بشقة مناسبة وحاول
بالفعل بقدر طاقته تحقيق ذلك وتم بيع الشقة مقابل الحصول على أخرى وقدم لي شبكة
محترمة وفساتين غالية الثمن من أرقى بوتيكات الفنادق ذات الخمسة نجوم لأرتديها في
الخطبة, وعقد القران وعامل ابني أفضل معاملة وحرص على كسب مودته وعلى إشعاره بأن
زواجي منه لن يؤثر عليه في شيء بل إن زواجي سيضيف إليه شخصا آخر إلى حياته يهتم به
وبرعايته ويكون له بمثابة الأب.. وحرص زوجي خلال فترة الخطبة على أن يصحب ابني
معنا في نزهاتنا وقدم لي مهرا كبيرا وحدد مؤخر صداق كبيرا أيضا, ولأنه تزوج من
قبل ولم ينجب فقد كان حنانه على ابني شديدا, وحينما تزوجنا لم يقصر في حق البيت
أو في حق أسرتي وظل ودودا مجاملا حانيا على أسرتي وعلى ولدي وعلي بكل الطرق, كما أنه شخص يعتمد على نفسه في كل أمور حياتنا ولم
يتطلع يوما لأن يمنحه أحد شيئا أو لم يطمع في شيء من أحد وظل ابني دائما محل
رعايته عندما يزورني وحين كنا نخرج بعد الزواج كان كثيرا ما يطلب منه أن يأتي معنا
للعشاء في مطعم أو للذهاب للسينما أو النادي ولم يحدث طوال حياتنا أن قال لي لفظا
سيئا أو اعتدى علي أو نطق بكلمة تسيء إلى أسرتي أو ولدي ولم يقصر أبدا حتى الآن في
واجباته المالية والمعنوية والمادية ولم يكلفني بشيء أكثر من طاقتي في شئون المنزل
ويحاول بقدر الإمكان مساعدتي في شئون المنزل إذا شعر أني مجهدة أو أريد أن أستريح.
ولقد كنا
نتمنى أن يرزقنا الله بطفل يكون أخا أو أختا لابني, ولكن شاءت إرادة الله ألا
يتحقق لنا ذلك برغم أن الأطباء أكدوا خلونا من موانع الحمل فتقبلنا أقدارنا برضا
وقال هو إن هذا قدر الله ولا اعتراض عليه.
إذن ما هي المشكلة؟
المشكلة يا سيدي هي حساسيته
المفرطة لمستوى أسرتي بالمقارنة بمستوى أسرته, فإذا أردت أن أناقشه في شراء شيء
ينقصنا في المنزل فهو لا يوافق ويعارض بشدة لأنه يريد أن يحضر كل شيء من ماله وفي
حدود إمكاناته. وإذا أنا ناقشته في شيء فهو يهدد بالطلاق ودفع مستحقاتي مادامت
الحياة معه لا ترضيني وأحاول إقناعه بأنه لا فرق بين ما ينفقه هو وما أنفقه أنا
مادمت املك مرتبا, ولكن دون جدوى فإذا حادثته في ذلك فأنا أصدع رأسه بالكلام
وإذا تضايقت لا يهتم بذلك وقد حاولت من جهتي أن أشعره بأنني اخترته لذاته ولو كنت
أريد المال لتزوجت ممن يملك المال وأن الثراء ليس بالمادة وإنما بالأخلاق والتدين
ولكن دون جدوى وأشهد الله على أنني راعيته في معاملتي لأسرته فإذا أهديت والدته
بهدية تحتاجها ثار واتهمني بأنني أعيرها بقلة إمكاناتها بالمقارنة بما أملك من إمكانات مادية.
وماذا
افعل في حساسيته المفرطة هذه وكيف أتعامل معه واكسب وده ويتصرف معي بطريقة طبيعية؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
كان الأديب الايرلندي العظيم برنارد شو يقول إن الإنسان الحكيم هو الذي يتواءم مع العالم من حوله لا أن ينتظر أن يتواءم العالم معه!.وهذا صحيح وبالنسبة لما تروين عنه فإن الإنسان الحريص على سعادته هو الذي يتنبه ومن أول تجربة لما يثير حساسية شريك حياته أو يسيء هو فهمه أو يستفز فيه اعتداده بنفسه وبكرامته فيتجنب كل ذلك ويتفادى الوقوع فيه من قريب أو بعيد, كما أنه ليس من الحكمة أن يحاول مناقشة شريك حياته في منطقية هذه الحساسية أو عدم منطقيتها لأن المناقشة لن تجدي شيئا ولن تثمر إلا مزيدا من استمساك الشريك برؤيته وتصوراته ولقد يزداد تصلبا بعدها عن ذي قبل.
ومادام زوجك يا سيدتي تستثار حساسيته لكل شاردة تشعره بالفوارق العائلية بينه وبينك فالأفضل للسلام العائلي بينكما هو تجنب كل ما قد يفسره هو على أنه إشارة إلي هذه الفوارق ولو كان تصرفا بريئا من هذا الاتهام. وحتى ولو تنازلت أنت عن بعض متطلباتك أو تحملت في سبيل الحفاظ على زوجك والوفاق معه.. بعض العناء.
· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2001
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر