شهوة الانتقام .. رسالة من بريد الجمعة عام 2000
إننا
نحتاج إلى قانون ينظم حق مصاحبة الأبناء وليس فقط رؤيتهم .. كان يكفي لإقراره فقط
الفطرة السليمة لدى الأمهات والآباء والرغبة المشتركة في خير الأبناء بغض النظر عن
تاريخ الصراع السابق بين الفريقين وليس أي قانون آخر.. فكيف تتراجع الفطرة
السليمة التي أودعها الله سبحانه وتعالى قلوب الأمهات والآباء.. أمام هذا الحاجز
الشيطاني من الرغبة الضارية في الانتقام من الآخرين؟.
عبد الوهاب مطاوع
أكتب إليك هذه الرسالة لأروي لك عن المشكلة
المؤلمة التي أعايشها يوميا.. فأنا مدرسة أطفال في مدرسة ابتدائية, وأحب
أطفالي كثيرا, ولكنني أرى الألم والمرارة التي ترتسم علي وجوه مجموعة من هؤلاء
الأطفال الذين انفصل آباؤهم وأمهاتهم بالطلاق, وأصبحوا في حضانة الأم.. إذ أرى
أمامي حربا شعواء تشنها الأمهات لا أقول على الآباء ولكن علي الأبناء, فالأم
تبذل قصارى جهدها حتى لا يرى الأبناء آباءهم, والأب يجاهد لكي يري أبناءه بكل
الطرق الودية التي لا تضر بنفسية الصغار, ولكن الأم وللعجب الشديد لا تهتم
بنفسية هؤلاء الصغار ولا تكترث بعذاباتهم في سبيل شفاء غلها الشخصي من الأب..
وهنا يلجأ الأب إلينا في
المدرسة ليرى أبناءه خلسة من الأم, فأرى في وجوه هؤلاء الصغار السعادة والبهجة
واللهفة لرؤية أبيهم المحرومين منه بفرمان الأم.. وأجد الأب يفيض عليهم بالعطف
والحنان الذين هم في أمس الحاجة إليه, وأسمع بينهم حوارا ينفطر له قلبي.
عايزين يا بابا نتفسح معاك
زي أصحابنا فيرد الأب يا ريت يا ولاد.. خذوا إذن ماما وبلغوني وأنا أعدي عليكم
أفسحكم فيرد الأطفال بأسى شديد ماما لا ترضى أن نشوفك أو نكلمك في التليفون فيحتار
الأب في الجواب ولا يجد ما يرد به على أطفاله سوى الدموع!! ناهيك عما ذكره
الصغار مما لقنته لهم الأم من أقوال مسمومة عن أبيهم.
وعندما تعلم الأم برؤية
الصغار أبيهم في المدرسة فإنها تأتي إلينا, وهي تتميز غيظا لفشل خطتها في حرمان
الصغار من أبيهم, وتدخل معنا في نقاش حاد لسماحنا بذلك.. وقد حاولت مرارا
وتكرارا أنا والأخصائية الاجتماعية أن نجلس مع الأم لنوضح لها مدى الضرر النفسي
الذي يعانيه هؤلاء الأطفال وكيف أنه ينعكس عليهم في عنفهم مع أقرانهم, وفي
تخلفهم الدراسي الواضح وحزنهم المستمر.. إلا أن الأم وللعجب الشديد مرة أخرى لا
يعنيها ذلك من قريب أو بعيد, وإنما تسترسل في سرد ما فعله هذا الزوج معها في
سالف الأيام, وكيف أنه كان وكان وكان.. وينتهي الحوار بيننا بغير أن تهتز للأم
شعرة واحدة لما سردناه عليها من معاناة أبنائها! حتي لو لم يتفق الأب والأم كزوج
وزوجة ووقع بينهما ما صنع الحداد, فما ذنب الصغار في أن تستخدمهم الزوجة غالبا
كأداة حرب ضد هذا الزوج؟.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
بعض الأمهات الحاضنات,
وكذلك بعض الآباء الذين ينفردون برعاية الصغار دون أمهاتهم, يتعاملون مع شركاء
الحياة السابقين بمنطق العبارة القديمة للشاعر الإغريقي هوميروس التي تقول:
الانتقام أشهى من العسل!
والمؤسف حقا هو أنهم في استغراقهم
في شهوة الانتقام من شركاء الحياة السابقين ينسون, عامدين أو غافلين, مصلحة
هؤلاء الصغار الذين ينفذون من خلالهم انتقامهم الخسيس من شركائهم السابقين.. ولا
يتوقفون لحظة عن طلب هذا العسل الشهي بغض النظر عن أثره السام على معنويات الأبناء
وتكوينهم النفسي فكأنما ينتقمون من الحياة, وليس من شركائهم السابقين بتقديم
المزيد إليها من الأشخاص المرشحين
للانحراف السلوكي أو النفسي في قادم الأيام.
فهل تستحق شهوة الانتقام
هذا الثمن الباهظ الذي يدفعه الصغار من سعادتهم وتكوينهم النفسي وشخصياتهم..
ويدفعه المجتمع فيما بعد من معاناته مع غير الأسوياء من أفراده؟
إن رسالتك تثير قضية مؤلمة..
والأكثر إيلاما هو أننا نحتاج إلي قانون ينظم حق مصاحبة الأبناء وليس فقط رؤيتهم..
كان يكفي لإقراره فقط الفطرة السليمة لدى الأمهات والآباء والرغبة المشتركة في خير
الأبناء بغض النظر عن تاريخ الصراع السابق بين الفريقين وليس أي قانون آخر..
فكيف تتراجع الفطرة السليمة التي أودعها الله سبحانه وتعالي قلوب الأمهات والآباء..
أمام هذا الحاجز الشيطاني من الرغبة الضارية في الانتقام من الآخرين؟.
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر