بداية الطريق .. رسالة من بريد الجمعة عام 2000

 بداية الطريق .. رسالة من بريد الجمعة عام 2000

بداية الطريق .. رسالة من بريد الجمعة عام 2000


لقد كان أمير المحدثين أبو سفيان الثوري يقول : "أول العلم الصمت ثم الاستماع إليه ثم العمل به!" .. وأستطيع أن أقول مستهديا بهذه العبارة الحكيمة : "إن أول الغواية الصمت عليها ثم الاستماع إليها .. ثم الاستجابة لها".

عبد الوهاب مطاوع

بريد الجمعة

 أكتب لك قصتي لعلي أجد لديك الحل الملائم لمشكلتي، فأنا سيدة في الأربعين من عمري على قدر من الجمال والثقافة .. وقد تزوجت وأنا صغيرة السن وأنجبت وعشت مع زوجي في سعادة تامة لمدة عشر سنوات إلى أن رحل عن الحياة .. فكانت صدمتي فيه كبيرة نظراً لرومانسيتي .. وانتابني الحزن الشديد واحتضنت أبنائي وأفضت عليهم من حبي وحناني حتى وصلوا إلى المرحلتين الإعدادية والثانوية، وخلال ذلك رفضت كل من تقدموا لي لأن أبنائي كانوا صغاراً وفى اشد الحاجة إلي .. وقد بدأت مشكلتي التي اكتب لك بشأنها منذ عام تقريباً إذ أن لي زميلة بالعمل اعتبرها أختا لي وصديقة لعمري وزوجها يعمل معنا في نفس المكان .. ومنذ عام وجدت زوج صديقتي يتقرب إلي ويدعوني للكف عن الحزن والتفتح للحياة من جديد بعد مرور تسع سنوات على رحيل زوجي ، ويقول لي أنني يجب أن أفكر في أمري لأن أبنائي ذكور وسوف يكون لكل منهم حياته الخاصة وسيتركوني في النهاية وحيدة، وأنا مازلت جميلة وكل من يراني لا يصدق أنني أم لهؤلاء الأبناء.. كما أنني احتاج إلى رجل يقدرني ويقدر جمالي وثقافتي وتفكيري!

 

 ووجدت كلامه صحيحاً ! أما المفاجأة فهي أنه قد عرض علي الزواج، فسارعت برفض طلبه لأن مبادئي لا تسمح لي بخيانة صديقتي. لكنه لم ييأس .. ولم يكل أو يمل الإلحاح علي بطلبه، وأنا أقاوم بكل ما أوتيت من قوة وقدرة على الرفض ورفضي له يزيده إصرارا على طلب الزواج مني ويقول أنه مستعد أن يعلن للجميع رغبته هذه.. وأنا ادع وفى صلاتي أن يقدرني على نفسي ويهبني القوة على الاستمرار في مواجهة ذلك الزميل.. لأنني أخاف الله وأخشى دعاء المظلوم ولا أريد أن اظلم صديقتي، واسأل الله أن يقيني شر نفسي .. فماذا تقول لي؟

 

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

لقد (خنت) صديقتك المقربة بالفعل يا سيدتي بسماحك لزوجها بأن يطرى جمالك وثقافتك وفكرك وينصحك بالتفتح للحياة من جديد مما شجعه على أن يتقدم إليك بطلب الزواج منك.. فالخيانة درجات ومراتب.. ولقد خطوت خطوة أو خطوتين على طريقها بالاستماع إلى هذا الإغراء من زوج صديقتك التي تعتبريها أختا لك وصديقة عمرك.. والسكوت عليه..والاستنامة له، أما أقصى درجاتها فلم تصلى إليها بعد بقبول الزواج من زوجها والحمد لله.. ولو لم تكوني رافضة للعبث من الأصل لما احتاج هذا الرجل لأن يطلب منك الزواج.. ولكان طريق الإطراء  قد قادكما معاً للتورط فيما لا ترضينه لنفسك، والمثل الأمريكي يقول: لا يشترى الرجل بقرة إذا كان يحصل على اللبن مجاناً !، ولأن همسه المسموم لك لم يتح له الحصول على اللبن المأمول بلا ثمن فلقد عرض عليك الزواج.. وزاده رفضك له إلحاحاً عليك لكيلا يشعر بالفشل وخيبة الرجاء.

وكل ذلك مما يتعارض مع حقوق الصداقة والإخوة التي تفرضها عليك صداقتك لزميلة العمل هذه، والشاعر العربي القديم أبو العتاهية يقول:

صديقي من يقاسمني همومي   ويرمى بالعداوة من رماني

ويحفظني إذا ما غبت عنه       وأرجوه لنائبة الزمان

وليس من قبيل حفظ الصديقة في غيابها أن تسلمي أذنيك لزوجها لكي يفح فيهما فحيحه المسموم بهدف أن يحقق مأربه منك بغير الزواج إذا استطاع.. وبالزواج أن لم يكن من سبيل.

لقد كان أمير المحدثين أبو سفيان الثوري يقول: أول العلم: الصمت ثم الاستماع إليه ثم العمل به!

ولقد أستطيع أن أقول مستهدياً بهذه العبارة الحكيمة : أن أول الغواية الصمت عليها ثم الاستماع إليها.. ثم الاستجابة لها.

فسدى أذنيك عن سمع همس هذا الزميل المسموم لك لكيلا تضعف مقاومتك في النهاية.. فإطراء جمال المرأة هو أول طرقة على حديدها الساخن لكي يلين.. وقديماً قال احد الحكماء متحدياً زملاءه: استطيع أن أحول هذا الإنسان العاقل إلى مجنون خلال فترة قصيرة.. فقيل له : كيف؟ فقال: بمدحه والإلحاح عليه بالمدح حتى يفقد عقله واتزانه!

وليس هناك على أيه حال رجل يستطيع الإلحاح على امرأة برغبته فيها عاماً كاملاً لو كان قد وجه بالرفض القاطع والاستنكار الشديد لهذه الرغبة بما لا يدع له أي أمل في إضعاف مقاومتها ذات يوم.

فإذا رغبت في الزواج يا سيدتي فإنك تستطيعين أن تتزوجي بغير أن يقترن زواجك بخيانة أقرب الصديقات لك ولا بتأنيب الضمير لك على خيانتك لها.

أما بقاء الحال على ما هو عليه فلن يؤدى إلا إلى ضعف مقاومتك ذات يوم قريب أو بعيد، فاقطعي الطريق على هذا الرجل بشكل صارم .. وتجنبي انفراده بك وحديثه إليك بكل حسم حتى ولو أدى ذلك إلى تباعدك عن هذه الصديقة .. والسلام.

 رابط رسالة صفير الصياد تعقيبا على هذه الرسالة

نشرت في جريدة الأهرام باب بريد الجمعة سنة 2000

                                              شارك في الإعداد / ياسمين عرابي

راجعها واعدها للنشر / نيفين علي

Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات