السـهم الأخـير" تتبع رسالة الشهادة " .. بريد الجمعة سنة 1990

السـهم الأخـير" تتبع رسالة الشهادة " ..  بريد الجمعة سنة 1990

السـهم الأخـير" تتبع رسالة الشهادة " ..  بريد الجمعة سنة 1990

إن أقسى الطعنات هى ما ننالها ممن كنا ننتظر منهم الوفاء والاخلاص.

عبد الوهاب مطاوع


أكتب إليك للمرة الثانية ..  فأنا كاتب الرسالة التى تكرمت بنشرها منذ شهور بعنوان الشــهادة .. والتي كتبت لك فيها عن قصة كفاحي حتى استطعت أن أفوز بزوجتي  ابنة الطبيب الكبيرالتي أحببتها وتزوجتها ثم سافرنا معا إلى مقر إقامتي فى أحد الدول العربية الذي أعمل به, وكيف كانت حياتنا سعيدة وقد رزقنا الله  بطفلين جميلين ثم أفسد بيننا أهلها غفر الله لهم.. فعادت هي إلى مصر ورفضت العودة إلي مرة أخرى وكبرت المشاكل بالتدريج حتى وصلت إلى ساحة المحكمة .. ثم أرسلت لك بعد ذلك أنني أشهد الله وأشهد قراء بريد الجمعة على من يتحمل ذنب تشريد أطفالي بين أبوين منفصلين ولغير أسباب جدية تستحق الطلاق بعد أن يئست من محاولة استعادتها والحفاظ على كيان أسرتي الصغيرة. 


وحين نشرت الرسالة كان أملى أن تقرأها زوجتي ووالدها ووالدتها وأن تؤثر فيهم ويستشعروا مسئوليتهم أمام الله عن سعادة وأمان هذين الطفلين البريئين فيسعوا إلى التوفيق بيننا بدلا من الاستمرار فى الخصومة والافتراء علي أمام القضاء بما لم أفعل والاستعانة بشهود الزور لإثبات هذه الافتراءات.

وأرسلت لهم صفحة جريدة الأهرام التى نشرت فيها الرسالة في باب بريد الجمعة, وتأكدت من أنهم قرأوها .. وانتظرت وأنا في الغربة ومع شعوري بالوحدة وأفتقاد أسرتي أن تلين القلوب, واستجبت لنصيحتك الغالية بأن أتجاهل كل ما فعلوه معي وأن أعرض عليهم الصفح إكراما لأطفالي .. فعرضت عليهم الصلح وإسقاط كل القضايا فرفضوا رفضا باتا .. فلم يكن أمامي اختيار سوى مواصلة طريق القضايا والمحاكم خاصة أن موقفي كان قويا ..لكنى مع الوقت بدأت أشعر بالحزن والضيق والاكتئاب .. وسألت نفسي : إلى متى يستمر هذا الصراع والنزاع بلا مبرر؟ .. ثم استيقظت ذات صباح وفي قرارة نفسي أن أطلب من المحامى الذى يتولى الدفاع عني أن يبلغ القاضي أنني أريد أن أستشهد بزوجتي نفسها وأقبل شهادتها وأحتكم إلى ضميرها وهى طرف الخصومة لتشهد إن كنت حقا قد كنت أسئ معاملتها كما يدعى عليّ من شجعها على طلب الطلاق, وعن رغبتها الحقيقية فى طلب الانفصال عني .. وأننى بذلك ارتضيتها خصما وحكما في نفس الوقت وحين أبلغت المحامى كل ذلك ثار وقال إن ذلك يهدم كل شئ لأن موقفنا فى القضية قوى واستشهادي بها سوف ينسف كل شئ وربما خسرت القضية.

فأصررت على ذلك مؤكدا له أنه خير لى أن أخسر القضايا بيننا على أن نتنازع أنا وأم أولادي فى ساحات المحاكم.

ولم يجد المحامى أمام إصراري مفرا وعرض الأمر على القاضى فوافق على الاستشهاد بزوجتي, وأرسل فى استدعاءها واستبشرت خيرا لأني على ثقة بأنها لن تنطق بغير الصدق ولو كان فيه خسارتها.

وبعدعدة أيام اتصل بى المحامى وأبلغني خبرا نزل علي كالصاعقة, وهو أن زوجتي قد حضرت أمام القاضي فإذا بها تؤكد له غفرالله لها ما قاله شهود الزور .. وإذا بها تصر على طلب الطلاق فيحكم لها القاضي فى نفس الجلسة وكانت جلسة استئناف بالطلاق البائن.

 

ونظرا لجمالها وحسبها ونسبها فقد حكم لها القاضي بنفقة متعة قدرها 25000 جنية عدا مؤخر الصداق وعدا نفقة شهرية قدرها 550 جنيها .. هل تصدق كل ذلك يا سيدي ؟
 لقد أوشكت على الانهيار للمرة الثانية  وأنا أرى السهم الأخير الذى رميته ثقة منى فى أن حبيبتي وأم أولادي لن تنطق بغير الصدق والحق قد ارتد إلى قلبي, وكان فيه نهايتي .. لكنى استعدت ثقتي بالله سبحانه وتعالى سريعا واسترجعت سيرة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم الذى آذاه قومه ودعوت فى سجودي بدعائه " اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس " وفوضت أمري وهمي إلى الله عز وجل .. ورجوت أن يكون ذلك نهاية لمتاعبي ولتلك الزيجة التى فشلت فشلا ذريعا وهى تخطوا أولى خطواتها فى الحياة .

 



 إنني أعلم تمام العلم أن هذا ليس دورك ولا من صميم عملك ولكني أثق بأنك لن تتأخر في مساعدتي ويبقى لله ولك مني عهد أن أكون إن شاء الله عند حسن الظن بى وشكرا لك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

ولكاتـب هـذه الـرسالة أقول:

إن رجاءك لى بألا أضيق ولا أحزن لما حدث لك فلم أستطع للأسف الاستجابة له .. فلقد صدمت حين قرأت رسالتك وتصورتك فى غربتك تحن إلى صغارك وتترقب قرب عودة الدفء والأمان إلى عشك الصغير وتتعلق بفيض من الأمل بعد مبادرتك الطيبة تلك, فإذا بك تتلقى طعتة قاسية من هذا السهم الغادر على غير توقع لأن أقسى الطعنات هى ما تأتينا ممن كنا ننتظر منهم الوفاء والاخلاص, .. فكيف لا أحزن لرب أسرة صغيرة سلم لزوجته سلاحه دليلا على صدق رغبته فى السلام ولم الشمل, فإذا بها تتناوله من يده وتصوبه إليه ثم تضربه فى مقتل وبلا رحمة.

 

إننى لا أتعمد تجديد أحزانك باستعادة ما حدث وقد أعانك الله على الصبر أمامها واجتيازها. 

ولعلها أول مرة التى يواسيني فيها كاتب رسالة مما أصابه بدلا من أن أواسيه أنا وأهون عليه, وأطالبه بالصبر وتفويض امره إلى الله تعالى .. وأنت يا صديقي قد احتسبت بغير حاجة إلى نصيحتي وتطلعت بصبرك وفطنتك إلى انصلاح الأحوال .

وفي النهاية أقول لك أن أخلاق البشر الحقيقية هى أخلاقهم التى تظهر عند الخلاف والخصام وليست تلك التى نتعامل معها فى أيام الصفاء والوئام .

 لهذا قيل أن أشـرف الناس هم أشرفهم مع خصومهم .. وأنت كنت خصما نبيلا وشريفا مع خصومك, فكيف بك مع الآخرين ؟


 إنني أرجوك ألا يصيبك الندم أبدا على ما قدمت .. فما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه, كما قال صادقا الفاروق عمر رضي الله عنه.. وياله من شرف لى يا عزيزي أن أبذل كل ما في وسعي لتلبية رغبتك النبيلة وأتمنى أن يوفقني الله تعالى فى تحقيقها على خير وجه إن شاء الله, كما أرجو لك أن يكون ما حدث هو نهاية لكل آلامك ومتاعبك, وأن تنال جوائز السماء بكل ما تستحقه من سعادة واعزاز وتقدير إن شاء الله.


 رابط رسالة الشهادة


  نشرت في جريدة الأهرام باب بريد الجمعة سنة 1990

شارك في الاعداد / بسنت محمود

راجعها وأعدها للنشر/ نيفـين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات