صمت الجاني .. رسالة من بريد الجمعة عام 1994

 

صمت الجاني .. رسالة من بريد الجمعة عام 1994

صمت الجاني .. رسالة من بريد الجمعة عام 1994


من غرور الإنسان الأكثر مدعاة للعجب أن يضيق أحياناً بمن يحبونه صادقين أكثر مما يضيق فى بعض الأحيان بمن يكرهونه أو بمن لا يحملون إلا المشاعر الحيادية الفاترة فيجافى من يحبونه .. وينأى بنفسه عنهم غير مدرك أنه حين يفعل ذلك إنما ينقص من عدتّه وعتاده فى الحياة ومن قدره وقيمته فيها بكل أسف.

عبد الوهاب مطاوع

بريد الجمعة

 

أكتب لك رسالتي هذه بعد أن قرأت رسالة الجو الثقيل، التي تحكي فيه زوجة شابة عن زوجها الذي تزوج عليها من فتاة أغرته لفترة ثم طلقها وهي حامل تنتظر مولودا وتحكى لك كاتبة الرسالة عن مشاعرها مع اقتراب مجیء مولود زوجها المنتظر من تلك الفتاة وكيف أنها لا تتصور قيام أية صلة إنسانية بينه وبين أبيه بعد ولادته .. ولا بين أولادها منه ذات يوم وان هذا كان شرطها لعودة الوئام بينها وبين زوجها وهو ألا يری مولوده هذا بعد الولادة أبدا وألا تقوم بينهما أية صلة من أي نوع سوى التزامه المادي به.

ولكاتبة هذه الرسالة أريد أن أروي قصتي لنرى رأيها في موقفها من هذا المولود الذي مازال في علم الغيب بعد أن تطلع على الجانب الآخر من كل قصة مماثلة وهو الجانب الذي لا يهتم أحد بمشاعره وحقوقه في كثير من الأحيان .. فأنا يا سیدي واحدة من أهل هذا الجانب الآخر .. وقد تحاب أبي وأمي منذ صباهما.. لكن أمي تزوجت لأسباب لا أعيها الآن جيدا من شخص آخر وأنجبت منه طفلين.. وطلقت بعد فترة ومازال أبي هو حبها الوحيد.. وكان لابد للحلم الذي لم يتحقق أن يجد فرصته ذات يوم ولكن كيف تقبل أسرته زواجه منها وهي مطلقة ذات طفلين وهو شاب لم يسبق له الزواج من قبل؟

 

ولقد تفتق ذهن أمي وهي الجميلة الواثقة بنفسها وشبابها وشخصيتها.. عن أن الوسيلة الوحيدة لإتمام هذا الزواج المأمول هو أن يتزوج فتاها الشاب من عروس بكر، كما يتزوج أي شاب زواجا عائليا عاديا وتسعد أسرته به.. وبعد هذا الزواج العائلي المقبول بفترة يتزوجان فلا يكون الفارق حينئذ كبيرا بينهما فكل منهما له تجربة زواج سابقة .. وحدث ذلك بالفعل.. بغض النظر عن خطئه أو صوابه وتزوجا وتحملت زوجة أبي الأولى الكثير إذ ليس أشد على المرأة من زواج زوجها بأخرى لكنها تمسكت بزوجها حتى النهاية وكان هذا القرار اختيارا حكيما من جانبها إذ لم تطل الحياة الزوجية بين الحبيبين القديمين أكثر من عامين فقط لأن الزواج شيء آخر غير الحب الرومانسي الذي جمع بينهما في الطفولة والصبا.. وخلال هذين العامين جئت أنا إلى الحياة وطلق أبي أمي وهي حامل في شقيقي الوحيد.. ورجع لزوجته الأولى.

 

وعشنا نحن مع أمنا لا يربطنا بأبينا سوى زيارته الأسبوعية لنا يوم الجمعة حين يجيء لزيارتنا بسيارته التي نتفاخر بها ونغطى بمظهرها الفخيم الفقر الذي كنا نعانيه لان أبي كان ينفق على طفليه من أمي فقط في حين كنا أسرة من خمسة أفراد بأمي واخوين من زواجها الأول وأمضيت طفولتي وصبای وأنا أحمل لأبي حنينا شديدا على الدوام حتى إنني كثيرا ما حدثته ليلا في خيالي وتحدثت إليه كأني أراه أمامي.

 

وحين كان يرفض لي طلبا کنت ابكي بالساعات الطويلة أمام المرآة وأشكو إليها منه ومازالت أمي وإخوتي يذكرونني بذلك حتى الآن مع إني لم انسه، ورغم الأبعاد المتعمد المفروض علينا أنا وشقيقي، فلقد كنت احمل دائما لأخي وأختي منه حبا غريبا وحنينا شديدا رغم إني لم أرهما ولم أعرفهما وكثيرا ما تمنيت أن نلتقي وأن نتبادل جميعا الحب والمشاعر الأخوية الصافية.. إلى أن تحقق لي هذا الحلم الكبير لأول مرة بعد حصولي على الإعدادية .. وسمح لنا أبي باللقاء فأقبلت على أخي وأختي منه بلهفة كبيرة ففوجئت بأخي لا يكاد يحدثني أو يجيب عن أسئلتي إلا بالعافية... وبأختي وإن كانت قد بدت أكثر رقة معي إلا أنها أيضا لا تقبل على بعض إقبالي عليها.

 

ولقاء بعد لقاء.. ومرة بعد مرة فهمت ما لم تكن سني الصغيرة تعينني على أن افهمه منذ البداية.. وهو أنني وأخي وإن كنا ابنين لأبي مثل ابنيه الآخرين إلا أننا من أهل الجانب الآخر الذي ينظر إليه بريبة وضيق ينعكسان تلقائيا بالتحفظ والصدود على مشاعر الصغار تجاه إخوتهم منها.

واكتوى قلبي العامر بالحب لأخي وأختي بأول الجروح الصغيرة ثم توالت الجروح بعد ذلك وتكررت فقلبي ينبض لهما بالحب والود والاهتمام، وهما يقابلانني بالتحفظ.. والردود المقتضبة.. واللامبالاة وبهذا الإحساس الغريب لديهما بالاكتفاء الذاتي، فأنا أحبهما واحتاج إلى صداقتهما وودهما وعاطفتهما.. وهما مكتفيان بنفسيهما ولا يحتاجان إلى شيء من جانبنا على وجه الخصوص.

 

وتحولت الجروح الصغيرة شيئا فشيئا إلى جروح غائرة في نفسي التي لا تحمل لهما إلا الخير والمودة.

وبعد طول إقبال من جانبي.. وطول تحفظ وصدود من جانبهما.. جافيتهما مضطرة .. وتحفظت في إبداء مشاعري تجاههما ورغبتي في صداقتهما وانطوت نفسي على جروحها التي لم يخفف منها ما حرص عليه أبي من عدل مادی بيننا وبين إخوتنا حيث وفر لنا سكنا قريبا من بيته وأثاثا جميلا لكن بقي دائما جرح النفس غائرا لعدم مبالاة إخوتي بنا وصدودهما معنا ثم حدث بعد ذلك أن تزوجت أختي ودعاني أبي بالطبع إلى زفافها وكعادتي مع أبي الذي احمل له دائما حنينا عجيبا وعاطفة طاغية.. قبلته وأنا أصافحه مهنئة.. وقبلته كلما التقيت به في الفرح بين المدعوين.. حتى لفتت قبلاتی له نظر والد عريس أختي فسأل أبي عني وعمن أكون وترقبت باسمة اللحظة السعيدة التي سيقدمني فيها أبي لصهره فيفهم سر قبلاتي له.

فإذا به يتجاهل السؤال كأن لم يسمعه ويتشاغل عن الإجابة بالصمت.. والنظر في الاتجاه الآخر. وظن الصهر ان ابي لم يسمع سؤاله جيدا فعاوده السؤال عني.. وعمن أكون من جديد فواصل أبي الصمت القاتل.. وظل صامتا.. صمت الجاني على الجريمة، لا يريد لأحد أن يطلع عليها وأدركت في هذه اللحظة أن صهر أختي لا يعلم بوجودي أنا وشقيقي في الحياة.. فذبلت ابتسامتي.. وأحسست إحساسا غريبا بالذل والظلم واليتم وانزويت مع شقيقي في جانب من الحفل صامتين منسيين تخيم علينا الكآبة، والإحساس المؤلم بأن أبي يستخزي من إعلان بنوتنا له حتى فوجئنا بصهر أختي والسيدة زوجته يجيئان إلينا ويصافحاننا بدهشة وذهول بعد أن عرفا الحقيقة منذ قليل ولم أنس بعد ذلك هذه اللحظة المؤلمة التي صمت فيها أبي عن أن يعلن أنني ابنته فلقد نجحت زوجته أن تجعل من مجيئي للحياة جريمة، اقترفها أبي ويشعر بالخزي من إعلانها وظللت بعد هذا اليوم شهورا طويلة أتساءل بيني وبين نفسي ألم يكن من الأفضل لأسرة أبي .. ألا أكون قد جئت إلى الحياة حتى لا ينكر وجودي أنا وأخي على ظهر الأرض من صفائها؟

 

وفهمت سر هذا الاكتفاء الذاتي، الغامض لدى أخي وأختي اللذين لم نولد، ولم نأت للحياة بالنسبة لهما.

ورغم أن لي إخوة آخرين من أمي وكثيرات من الصديقات فلقد أحزنني ذلك كثيرا .. وأغلقت منذ ذلك اليوم الكئيب قلبي دون أبي .. وحرمت على نفسي بيته وطعامه وأدركت أنه إنما يجود بكرمه علينا أنا وأخي. أما بالنسبة لأخي وأختي الآخرين فهما واجبه الأول في الحياة ومسئوليته الأساسية التي لا يشعر بالخزي بشأنها وعجبت لأبي وهو الرجل ذو الشخصية القوية الجبارة.. كيف سمح لنساء عقولهن قاصرات وقلوبهن ضعيفة أن يفرقن بين نُطفُه التي خرجت من صلبه وتحولت إلى أبناء ينبغي ألا تقوم بينهم عداوة ولا بغضاء.

 

لقد كان الصحابة والصالحون يجعلون للمرأة حدودا محددة في قلوبهم لا تتعداها حتى لا يميلوا مع هوى نفوسهن فيظلموا بعض أبنائهم.

 فأين ذهب أمثال هؤلاء الرجال؟

لقد تجرعت الظلم كؤوسا مريرة بسبب هوى نفس زوجة أبي التي كرهت لابنيها أن يعرفا ابن زوجها من المرأة الأخرى .. كما تريد كاتبة رسالة الجو الثقيل، أن تفعل وتتوعد بألا تسمح لزوجها برؤية وليده ولا لأطفالها بأن تقوم بينهم وبين هذا المولود المنبوذ أية صلة .
فهل تعرف كيف سيكون إحساس هذا المولود حين يكبر تجاهها وتجاه إخوته منها؟





 فماذا ينقصني وأنا في نعمة عظيمة من ربي يكفيني لأن اعرف لها قدرها واشكر الله عليها أن اقرأ مقالاتك في بريد الجمعة ومآسيها المؤلمة.. فأنا أعيش حياتي الآن راضية بها رغم الردود المقتضبة، وهذه النظرات الزجاجية الخالية من العطف والمودة من جانب البعض .. غفر الله لهم.. وغفر لكاتبة رسالة الجو الثقيل، التي وإن كنت التمس لها بعض العذر في أحزانها.. فإني حقا لا أريد لها أن تحمل وزر التفريق والمباعدة بين أب وطفله وبين أخوة وبعضهما البعض، كما حدث معنا.. ولعلی برسالتي هذه أعينها على إدراك عمق مشاعر أهل الجانب الآخر، بالظلم والمرارة حين تفرض عليهم ظروف لا ذنب لهم فيها أن يعيشوا دائما مبعدين.. محرومين من عطف إخوتهم وحبهم والسلام.

 

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

سيظل الإنسان عاجزا إلى الأبد فيما يبدو عن إيجاد تفسير منطقي مقبول لبعض مظالم الحياة التي تزيد من أسباب الشقاء الإنساني في كثير من الأحيان، ومن هذه المظالم البشعة أن تمتد كراهية الإنسان أو نفوره من شخص يری أنه قد أساء إليه في بعض الأحيان إلى آخرين من صلبه أو من ذوي قرباه لم يقترفوا إثما في حقه ولا ذنب لهم ولا جريرة فيما دعاه لكراهية هذا الشخص والنفور منه .. وهذا بالتحديد هو جوهر ما يعاني منه معظم أبناء الجانب الآخر، التي أطلعتنا رسالتك هذه على صوره صادقة ومؤثرة لمشاعرهم وإحساسهم الأليم بالنبذ والتجاهل والجفاء من جانب أهل الجانب اللامع، من الصورة .

 

إنه قصور قديم في النضج العقلي والعاطفي لدى البعض وتقصير أقدم في التزام الإنسان بما يهديه إليه دينه وقيمه الأخلاقية من ضرورة أن يكون عادلا مع الآخرين ومع الحياة بصفة عامة فلا يزر وازرة وزر أخرى.. ولا بأخذ أحدا بجريرة أبيه وأمه أو إخوته ولا يرضى لأبناء غيره بما يأباه ويجار بالصراخ منه لو تعرض له هو نفسه أو أبناؤه وأعزاؤه.

فمسئولية الإنسان عن أفعاله مسئولية شخصية دائما ولا تنسحب أبدا على غيره من البشر ولو كانوا من أقرب الناس إليه.

وكل الأديان وقوانين البشر تتفق على مبدأ شخصية الجريمة وعدم محاسبة أحد غير مرتكبها عليها.

 

لكن البعض يتجاهلون في حياتهم الخاصة أحيانا هذا المبدأ العادل فيسحبون كراهيتهم وبغضهم لمن أساء إليهم على أبنائهم وذويهم وربما أصدقائهم أيضا في بعض الأحيان حتى لتصبح جريمة بعض هؤلاء

عندهم هي أنهم قد جاءوا فقط إلى الحياة وتمادوا في إجرامهم فصمدوا لأنوائها ولم تنطو صفحة حياتهم وهم في المهد كما عبرت أنت تعبيرا صادقا وفريدا عن إحساسك بذلك عقب مشهد إنكار أبيك المؤلم لك في حفل الزفاف.

 

 إن بعض الزوجات يبررن كراهيتهن لأبناء الجانب الآخر وحرصهن على المباعدة بينهم وبين آبائهم وإخوتهم بأنهم إنما يلجأون إلى ذلك كإجراء وقائي ضد احتمال تجدد العلاقة الزوجية بين الأزواج ومطلقاتهن في أي مرحلة من العمر إذا تعمقت صلتهم بأبنائهم من زوجات سابقات وتعمقت صلة الإخوة جميعا من الجانبين بعضهم البعض .. ويسعدن بالانتصار في تحقيق هذا الفصل والإبعاد سعادة كبرى مع إنه انتصار خير منه الهزيمة لأن "الغالب بالشر مغلوب"، كما يقول لنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ولأنهن يحرمن بهذا الانتصار الزائف أبنائهن من عطف إخوتهم المبعدين وتراحمهم وتساندهم معهم في الحياة كما يأثمن قبل كل ذلك وبعده إثما كبيرا بتشجيع أبنائهن على قطع صلة رحمهم بإخوتهم التي أمرهم الله بها أن توصل.

 

ومن صور الغباء البشري التي يحار المرء في فهمها أن يشجع الإنسان أبناءه على أن يفقدوا محبيهم وأنصارهم الحقيقيين في الحياة الذين لا يجد سواهم غالبا حين يحتاجون إلى المساندة في شدائد الدنيا .. واختباراتها.

ومن غرور الإنسان الأكثر مدعاة للعجب أن يضيق أحيانا بمن يحبونه صادقين أكثر مما يضيق في بعض الأحيان بمن يكرهونه أو بمن لا يحملون له إلا المشاعر الحيادية الفاترة فيجافي من يحبونه.. وينأى بنفسه عنهم غير مدرك أنه حين يفعل ذلك إنما ينقص من عدته وعتاده في الحياة ومن قدره وقيمته فيها بكل أسف فلا قيمة حقيقية للإنسان إلا لدى من يحبونه ويحرصون عليه ويعتزون بقرابته وصداقته ومودتهم له، وفيما عدا هؤلاء فهو نقطة في بحر متلاطم من البشر لا يشعر به احد .. أو ذرة من ذرات تراب الإنسانية الذي لا قيمة له على حد تعبير الفيلسوف الألماني نيتشه.

 فكيف ينقص الإنسان من قدره وقيمته بيديه وكيف يجرد نفسه طواعية من بعض أسلحته وعدته في معركة الحياة بهذا الغباء البشري العجيبة.

 

لقد عبرت يا سيدتي تعبيرا صادقا ومؤلما عن مشاعرك تجاه أخويك اللذين ظلا يجفوانك ويصدان عنهما مشاعرك الحميمة وإقبالك عليهما حتى زهدت أنت في ودهما.. وكففت بائسة عن خطب ودهما رغم ما تحملين لهما من مشاعر الحب والخير، ومشكلة البعض أنهم يحاكون الدنيا أحيانا في تصرفاتهم فيزدادون إدبارا عنها كلما ازددنا نحن إقبالا عليهم.

ولا سبيل للتعامل مع هؤلاء إلا باحترام أنفسنا معهم والترفع عن سكب مشاعرنا تحت أقدامهم مهما كانت عواطفنا تجاههم قوية غلابة

ولا يتعارض ذلك أبدا مع صلة الرحم التي ينبغي الحرص عليها ولا حتى مع المبدأ العادل الذي حضنا عليه الحديث الشريف حين يأمرنا بوصل رحم حتى من لا يصلون رحمنا مؤكدا لنا انه ليس الواصل كالمكافىء، وليس أجر من يصل الرحم حتى ولو اعرض عنه كأجر من لا يصل إلا رحم من وصل.

نعم لا يتعارض احترام النفس مع المعرضين مع هذا المبدأ الرحيم إذ يستطيع الإنسان دائما أن يصل الرحم وألا يكتفي بأن يكون مكافئا لمن يصله فقط مع الحرص في نفس الوقت على كرامته الإنسانية وعلى عدم امتهانها في خطب ود من لا يحرصون على مودته.. فيستطيع دائما أن يؤدي تجاههم واجباته العائلية والإنسانية غير منتظر أي جزاء من جانبهم لما يفعل وفي حدود احترام الإنسان لنفسه وعدم مطاردته للمعرضين عنه بمشاعر لا يولونها ما تستحقه من تقدير واعتبار ويكفيه في ذلك أن الحياة كثيرا ما تصحح من بعض أخطائها فيجزى الله أصحاب النفوس الطيبة التي تأسى على جفاء الآخرين لها بمن تتكافأ مشاعرهم مع مشاعرها ويعرفون لأصحابها قدرهم وفضلهم، كما حدث معك أنت شخصيا حين التقيت بزوجك الفاضل، فكأنما يجزينا الله في كثير من الأحيان عما قدمناه من خير للبعض فجحدوه ونأوا عنه بخير أشمل وأعم يجيئنا من الاتجاه الآخر.. ولا غرابة في ذلك ولا عجب فهناك عائد دائما لكل ما يقدمه الإنسان للحياة والآخرين من خير ولكل ما تحمله نفسه من مشاعر طيبة تجاههم.. حتى وان لم يجيء العائد عنها منهم شخصيا... وجاء من اتجاه مغاير.

 

 فلابد للنفوس الطيبة التي تحزن لجفاء الآخرين لها.. أن يلتقي أصحابها ذات يوم بمن يشاركونها هذه النظرة الودود للبشر وللحياة فيجد كل منهم ضالته.. ويستعيد كرامته الإنسانية المهدرة وحقوقه الضائعة وإحساسه بالجدارة بان يحبه الآخرون كما يحبهم وشكرا لك في النهاية على رسالتك القيمة هذه .. وأرجو أن تتفكر في مغزاها طويلا كاتبة رسالة الجو الثقيل، وأن تستفيد بما أطلعتنا عليه رسالتك من صورة فريدة لمشاعر أهل الجانب الآخر التي يتشاغل عنها البعض أحيانا خلال سعيهم المحموم لتامين سعادتهم.. ودفع كل احتمالات الخطر القريبة.. والبعيدة عنها.



  *نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1994

كتبها من مصدرها وأعدها للنشر / نيفين علي
Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات