شجرة الصبر .. رسالة من بريد الجمعة عام 1990
الشجرة
التى لا تظل أحدا بأوراقها لا تعرف معنى السعاة الحقيقة.
عبد الوهاب مطاوع
أكتب إليك يا سيدي وأنا فى حال لا يعلم بها إلا الله سبحانه وتعالى
.. لقد بدأت قصتي .. أو قصتنا أنا وشقيقي الوحيد, حين وجدنا نفسينا طفلين محرومين
من حنان الأم ورعاية الأب. نعيش فى بيت قديم يقع على مشارف القاهرة .. ونلعب فى
صالته مع طفلة دميمة شرسة, تعانى من تشوه خلقي فى ظهرها, كنت أظنها أختي حتى عرفت
أنها ابنة خالي, وأن هذا البيت بيته وأنه ضمنا إلى أسرته بعد وفاة أبى وزواج أمي
من آخر.
وفى هذا البيت نشأنا وعشنا طفولتنا كما يعيشها طفلان محرومان من
أبويهما .. ويعرفان أنهما ضيفان على الأسرة التي تؤويهما, لهذا فقد كنا نحس دائما
بالانكسار. ونخجل من مطالبتهما بشئ .. ونتعجب للجرأة والشراسة التى تتعامل بها
ابنتهما .. معنا ومعهما ومع الجميع .. وكان أخي الذي يكبرني بعامين أكثر مسالمة
وانكسارا منى ... فهو لا يعترض على شئ ... ولا يطلب شيئا .. ولا يسخط على شئ ..
ويتحمل رذالات ابنه خالنا التي كثيرا ما كنت أضيق بها أنا.
وكلما تعرضت لموقف أكون مطالبا فيه بشئ أضيق به يسارع شقيقى
بالتطوع للقيام به بدلا عنى ليتجنب صدامى مع أحد.
وكانت أمي تجئ لزيارتنا مرة كل شهر فتمضى معنا يوما وتعطينا بعض
الهدايا الصغيرة وتخص ابنة خالي بأكثرها .. وتدعو لخالي بالستر فى الدنيا والآخرة
لأنه آوانا وسترنا بعد أن رفض زوجها ضمنا إلى أسرته المثقلة بالأبناء من زوجة
سابقة .. ومضت بنا الحياة فالتحقت بالمدرسة. وكان خالي يملك محلا صغيرا لتجارة
الأدوات الصحية ويعود إلى البيت للغذاء فينام ساعة ثم يرجع إلى محله, وحين بلغنا
سن الصبا, بدأ خالي يطالبنا بالذهاب إلى محله فتره الظهيرة للعمل فيه خلال غيابه
.. وكنت أضيق بذلك لأنه يشغلني عن دروسي وأؤديه ساخطا, ثم أنفس مع أخي عن ضيقي
ونحن مستلقيان آخر الليل فى سريرنا .. فيكبح جماحى بكلماته الحزينة .. مرددا دائما
أن هذا هو أبسط حقوق خالي علينا, وأننا ضيوف وأن الضيف ليس من حقه أن يعترض على
صاحب البيت فى شئ .. ثم يتطوع بالذهاب للمحل فى اليوم المخصص لى بدلا منى. ويقنع
خالي بذلك .. وتخلصت أنا من هذا الواجب الثقيل ولكن على حساب راحة شقيقي المضحى
دائما الذى راح يضاعف من ساعات سهره ليعوض انشغاله بأعمال المحل.
أما فى الصيف فقد كنا نعمل فى المحل .. من الصباح للمساء ونحمل
الأدوات الثقيلة للعملاء .. وأهرب أنا من هذه المهام الثقيلة أحيانا
"فيغطينى" شقيقي, فضلا عن أنه دائما المسئول عن قضاء مطالب خالى وزوجته
, فإذا أراد خالي أن يكلفني بقضاء شئ أسرع يقول أنه سوف يؤديه خيرا منى ليعفيني
منه. ونفس الشئ فى أعمال البيت التى كنا نشارك فيها تخفيفا عن زوجة خالي, بينما
ترفض ابنتها فى عصبية أن تؤدى أي عمل منها وتسخر منا ونحن نمسح البلاط وفى الصباح
البارد فى الشتاء, حتى كدت مرة أبطش بها وأقذفها بالجردل لولا أن أسرع شقيقي فوقف
بيني وبينها, وتلقى الجردل هو على ملابسه .. وعلى هذا الحال عشنا حياتنا نرضى بأقل
القليل ونرتدي ملابس أبناء أقاربنا, وأضيق أنا لكل ذلك, أما أخي فلا يضيق بشئ حتى
ولو تألم له صامتا .. وأنهى شقيقي دراسته الثانوية وكان مجموعه يؤهله للالتحاق
بكلية تجارة القاهرة, وكنت الوحيد الذى يعرف أمنيته الصامتة ككل أمانيه وأحلامه
ورغباته.لكن جلسة واحدة مع خالنا وأمي غيرت طريق حياته بغير أدنى اعتراض منه ..
فقد اقترح عليه خالي أن يختصر الطريق ويلتحق بمعهد لمدة عامين قريب من مقر
إقامتنا, فوافق على الفور ولم يجرؤ على مجرد الكشف عن أمنيته أو رغبته الصامتة.
وحين عاتبته ونحن وحدنا فى الليل على استسلامه هكذا غلبته دموعه وهو يقول لى .. وماذا
تنتظر من شاب لا أب له ولا مال عنده ولا تملك أمه أمر نفسها, وبتنا ليلة كئيبة ..
وتخرجت أنا بعده بسنه وأهلني مجموعي للالتحاق بكلية الهندسة بجامعه القاهرة .. فلم
أستشر أحدا وقدمت أوراقي لمكتب التنسيق وحددت رغباتي .. وأخي يتعجب من أمري
ويسألني عما سأفعل إذا حجب خالنا عنى مساعدته, فأجيبه ببساطه أنى سأعمل أي عمل
وسأكسب رزقي إلى أن أتخرج .. لكن خالى لم يعترض وإن كان قد استاء لعدم مشاورتي له
فى الأمر, ولم يحجب عنى مساعدته.
وبدأت أنا أعمل فى الصيف لأوفر بعض مطالبي.وتخرج شقيقي وأدى خدمته
العسكرية وعين فى وظيفة صغيرة .. وتخرجت أنا بعد تعيينه بشهور وبدأت أستعد لأداء
الخدمة العسكرية, ففوجئت بأمي تفاتحني فى أمر غريب .. هو ان أتقدم لخطبة ابنه خالي
الشرسة التى تتشاجر مع الجميع والتى تنتابها حالات هياج عصبي شديد يخشاها أبواها,
وفشلت فى الحصول على الثانوية العامة .. ورفضت الفكرة بلا تردد, وشرحت لها أن
أسباب رفضي ليست دمامتها أو عيبها الجسمي.. وإنما سوء طباعها وشراستها التى تحملت
أنا وأخى منها الكثير وبكت طويلا وهى تشرح لى أن خالى وزوجته ينتظران منى أنا
بالذات لأني المهندس الذى سيكون له شأن, أن أرد لهما الجميل بالزواج من ابنتهما
التى لم يطلبها للزواج أحد..فلم أتحرك عن موقفى وقلت لها أنى أستطيع رد الجميل فى
المستقبل بأكثر من طريقة.
لكنى لن أضحى بسعادتي من أجل ذلك .. وإنى سأغادر بيت خالى إن تمسكت
بمطلبها, وانصرفت حزينة .. وفى الليل رويت لشقيقي ما حدث فسمعني صامتا وأسفت أشد
الأسف لذلك لأني لم أنتبه إلا فيما بعد إلى أن طلب أمي منى أنا بالذات بأن أتزوج
ابنه خالى إنما يتضمن إساءة لشقيقي الكبير الذى ترى أمى أنى أفضل منه لأداء هذا
الواجب لأنى مهندس .. فى حين أنه لو لم يختصر الطريق راغما لما استطعت أنا مواصلته
.. وفى الصباح ذهبت لإدارة التجنيد وغبت 45 يوما ثم عدت فإذا بشقيقي قد خطب ابنة
خالي.وفهمت على الفور ما حدث خلال غيابي, وعرفت أن أمى قد حدثته فشق عليه أن يخيب
رجاءها, وربما شق عليه أن أبدو ناكرا للجميل أمام خالي وزوجته, فتقدم كعادته ليسدد
عنى ديوني .. فاصطحبته للخارج وقلت له مشفقا إنه ليس مطالبا بهذه التضحية من أجلى,
وأننا نستطيع لو ضاقت بنا الدنيا أن نقيم فى غرفة على السطح فى أى مكان وأن نبيت
على الأرض إلى أن يغير الله من حالنا.لكنه أصر على أنه فعل ما فعل بإرادته وبرغبته
.. وأنه لا يكره ابنة خالنا رغم ما نالنا منها .. ويعذرها ويغفر لها بعض طباعها
بسبب ظروفها .. ويأمل فى أنها سوف تتغير إلى الأحسن بعد الزواج, وهكذا استسلم
شقيقى مرة أخرى لما أرادوه منه .. و"فدانى" بالزواج من ابنة خالي وهو فى
الخامسة والعشرين من عمره .. ولم يتغير شئ فى حياته بعد الزواج سوى أنه استقل
بغرفة فى البيت القديم مع زوجته, وأديت أنا الخدمة العسكرية وخرجت وتوفيت أمى
وحزنا عليها كثيرا رغم أنها لم تعطنا الكثير من رعايتها .. وعملت أنا مهندسا
بوزارة الرى فى محطة للصرف فى منطقة العامرية الصحراوية .. ووجدت نفسي أقيم فى بيت
مخصص لمهندس الري ويقوم على خدمتي فراش يطهو لى الطعام .. وسعدت بالانتقال لهذا
المكان تخلصا من الضيق الذى يخنقني وأنا أرقب حال شقيقي الوحيد مع زوجته, التى
ازدادت طباعها سوءا بعد الزواج ولم تتورع عن إهانته عند كل اختلاف عابر, أو عن
تذكيره بأفضال أبيها عليه حتى بالرغم من ثورة الأب نفسه عليها عندما يسمع بذلك.
وفى وحدتي تواصلت الرسائل بيني وبينه ووجد فى الكتابة لى متنفسا عما
يطوى عليه صدره طوال السنين .. فراح يبثنى نجواه وشوقه لى وافتقاده للسرير الذى
كنا ننام فيه متجاورين كل ليلة.وأنا أنفس عما فى صدري وهو يخفف عنى إلى أن أنام,
ويتعرض فى كلمات قصيرة لزوجته التى أنجبت ولدا. وكيف أنه يرعى معها حقوق خاله
وزوجة خاله التى ربتنا حتى النهاية طالبا الهداية من الله .. وأفهم من وراء السطور
أن طباعها قد ازدادت سوءا,لكنه يتصبر ويتعفف عن الشكوى.
وتنقلت أنا بين مواقع العمل كلها خارج القاهرة, وترقيت وازدادت
مسئولياتى .. وشغلت لفترة عن الرد على رسائل شقيقي بعض الوقت .. وعدت ذات يوم إلى
بيتي فوجدت رسالة منه يعاتبنى فيها على إهمالي الرد على رسالته ويكتب لى فيها
عبارة أوجعتنى_ومازالت حتى الآن_ قال فيها:
"لو تذكرت كما أتذكر أنا دائما أنه بعد وفاة أمنا لم يعد لكل
منا فى الدنيا على اتساعها سوى الآخر لما طاوعك قلبك على إهمال الرد على
رسائلى" فتفجر الحب والعطف فى قلبى تجاهه.. وأسرعت أرد على رسالته وأعتذر له
.. وكنا نلتقى كلما سمحت ظروفي بإجازة وأحمل له ولزوجته ولطفله الهدايا .. وأحمل
الهدايا لخالي وزوجته ردا للجميل .. وبعد سنوات أعرت للعمل فى دولة إفريقية عملت
فيها 4 سنوات تحسنت خلالها أحوالى المادية جدا وأصبحت لى مدخرات كبيرة فأرسلت لأخي
مبلغا من المال ليؤجر لى به شقة فى القاهرة فقام بالمهمة خير قيام واستأجر لى شقة
فى حى جديد بخلو معتدل . وعلمت فى غربتى بوفاة زوجة خالي فحزنت عليها وترحمت عليها
طويلا وحان موعد عودتى بعد 4 سنوات من الغياب والفراق .. فاشتريت لأخى ملابس
وقمصانا وأجهزة كهربائية وركبت الطائرة عائدا إلى مصر, وأنا أتخيل كيف سيكون
لقاؤنا فى المطار وماذا سأفعل حين أرى ملامحه الطيبة وفرحته الصادقة بى .. ووصلت
الطائرة وخرجت من المطار فلم أجده فى انتظاري .. ووجدت خالي يتعثر فى شيخوخته,
فسألته بلهفة عن شقيقى فقال أنه متعب بعض الشئ وفى المستشفى .. وأحسست بانقباض
شديد واستأجرت سيارة أجرة وضعت فيها حاجياتى وطلبت من خالى أن يعود بها إلى بيته
.. واستأجرت سيارة أخرى وانطلقت بها إلى المستشفى, وهناك صدمت حين عرفت أنه فى
غرفة الإنعاش وممنوع زيارته .. وقابلت الطبيب المسئول وشرحت له ظروفي وألححت عليه
فى السماح لى بزيارته فرقٌ لحالي وسمح لى بزيارة لمدة دقائق. ودخلت غرفة الإنعاش
ووجهتنى الممرضة إلى سريره, فرأيت شقيقي ممددا عليه فى جلباب أبيض وقد تحول إلى
خيال .. واقتربت منه ودموعي تسبقني وهو مقيد بأنابيب المحلول والأكسجين .. وأمسكت
بيده وقبلتها وقلت له بصوت مرتعش .. سلامتك يا خويا , فابتسم ابتسامه ضعيفة ..
وردد الكلمة مترنما بها كأنما يسترجعها لنفسه ببطء" ياخويا" .. الله ..
من زمان ما سمعتهاش ثم راح فى غيبوبة .. وسالت دموعي وسحبتني الممرضة للخارج وهى
تواسيني .. وعلمت منها انه فى حالة توهان من يومين وأن اللحظة التى خاطبته فيها
كانت لحظة إفاقة نادرة, وخرجت إلى الطبيب واستفسرت عن حالته وتجمدت أطرافي وأنا
أسمع منه حقيقة مرضه الذى لا أعرف كيف بدأ .. لكنى لم أفقد أبدا الأمل فى الله ..
وفى تغلب شقيقى على مرضه, فهو شاب فى الثامنة والثلاثين .. ولم يمرض أبدا قبل ذلك
وذهبت إلى بيت خالي .. وسمعت من زوجة شقيقي كل التفاصيل, وحملت حقيبتي وذهبت
للإقامة فى فندق قريب من المستشفى ولازمت باب غرفة الإنعاش .. وكلما جاءتني فرصة
تسللت إليه وأمسكت بيده .. وكانت حالة التوهان مستمرة ومع ذلك فقد سمعته فى إحدى
المرات يهذى بكلمة "ياخويا" ويتمتم بها ببطء وهو غائب عن الوعى ..
فجاوبتها دموعي .. وتمنيت أن يأذن الله بالشفاء لكى أعوضه عن كل ما لقى فى حياته
من شقاء .. ووثقت علاقتي بالعاملين بالغرفة وأغرقتهم بهداياي ليعتنوا به .وأعطيت
أحد الممرضين تليفوني فى الفندق ليستدعيني عند الحاجة .. وعدت ذات ليلة من عنده
متأخرا وفى غاية الاجهاد فنمت, ثم صحوت على تليفون من الممرض يدعوني للحضور ,
فنهضت مفزوعا وارتديت ملابسي على عجل وهرولت على قدمي للمستشفى ودخلته فى الفجر,
فجريت فى اتجاه غرفة الإنعاش فإذا بالممرض يناديني ثم يجذبني من يدى فى صمت ويشير
بيده إلى اتجاه آخر ويقول لى .. من هنا ثم يقودني إلى الثلاجة !
نعم يا سيدي إلى الثلاجة لألقى النظرة الأخيرة على شقيقي الوحيد
وأقبل جبهته وأغسلها بدموعي, فقد مات شقيقي فى ساعات الليل التى غبت فيها عنه,
فخسرت سندي الوحيد فى الحياة والإنسان الوحيد الذى أحبني ربما أكثر مما أحب نفسه
.. ورحل عن الدنيا بهذه البساطة.
لهذا فأنا حزين .. حزين يا سيدي أسأل نفسى دائما وأسألك ماذا أفعل
لكى أخلص نفسى من الإحساس بالألم الذى يعتريني..وطيف يلازمني ليل ونهار وأنا
أستعرض شريط حياة شقيقى الوحيد كل يوم وأبحث فيها عن لحظة سعادة حقيقية فلا أجدها,
وأجدني مسئولا بعض الشئ عن ذلك لأني تركته يستسلم دائما ويضحى من أجلى ويعيش حياته
كشجرة الصبر .. تشقى بالعطش .. ولا تشكو عطشها.
ولــكاتـــب هــذه الــرســالة أقــول:
نعم يا صديقي هناك أناس يعيشون بيننا قد لا نكتشف وجودهم من فرط
حرصهم على ألا يزعجوا الآخرين بأنينهم وسخطهم ورغباتهم وتطلعاتهم وصغائرهم,
فيعبروا الحياة كما تعبر النسمة الرطيبة الوجوه فتلطفها فى شدة القيظ بغير أن
نراها, ثم نحس فجأة بعمق خسارتنا فيهم,وبأهمية ما كانوا يمثلونه فى حياتنا من
النبل الإنساني, وبمدى ما خلفوه وراءهم من فراغ سحيق, عندما يرحلون عن الحياة فى
صمت بعد أن أعطوها الكثير وبغير أن يأخذوا منها الكثير, كأنما خلقوا ليكونوا أشجار
للصبر تؤكد سمو الحياة المطرد وخيرتها والأمل ففيها.
ومن هؤلاء كان شقيقك الوحيد بغير شك يا صديقي .. وها قد دارت دورة
الحياة فاختفت من مروجها زهرة أخرى وجاء دورك الآن لكى تؤدى واجبك الحزين تجاه
ابنه الوحيد, كما أدى خالك من قبل واجبه الإنساني تجاهكما.فانهض لأداء هذا الواجب
وتعزى به عما فاتك من تحقيق أمنيتك فى إسعاد شقيقك وهو على قيد الحياة, فنحن نعوض
فى أبنائنا ما حرمنا منه نحن من أسباب السعادة فى صبانا وشبابنا وحياتنا..فلم لا
يكون هذا الطفل اليتيم هو ابنك الذى تعوض فيه لأبيه كل ما حرم منه؟ لست أشك فى أنك
سوف تفعل .. لكنى أطمئنك إلى أن وطأة إحساسك بالألم لعجزك عن إسعاد شقيقك, سوف
تختفى للأبد حين تنهض بمسئولية ابنه, لأن الآباء يتواصلون مع الحياة فى أبنائهم ..
ولا شك أنك ستكون الأب النبيل لهذا الابن الوحيد, وأنه سوف يتدفق داخلك نبع
السعادة والرضا عن النفس عند قيامك بهذا الواجب .. أما فراقك لشقيقك الوحيد الذى
أحبك من أعماق قلبه, وحزنك لطريق الآلام الذى استغرق حياته القصيرة, فأفضل ما
تفعله لكى تتخفف منه,هو أن تعطى الحياة كما أعطاها هو بسخاء, وأن تتزوج وتشكل أسرة
صغيرة تمد جذورك فى الأرض وتخفف من إحساسك بالوحدة, وتجعل لحياتك قيمة ومعنى,
وتظللها أنت بالحب والعدل والعطاء .. فالشجرة التى لا تظل أحدا بأوراقها لا تعرف
معنى السعادة الحقيقة التى عرفها شقيقك .. ولربما كان نصيبه منها أكبر مما تتصوره
أنت رغم خلو حياته من لمحاتها الظاهرة,فالسعادة سر خفى لا يعرف كنهه سوى أصحابها.
وإسعاد الآخرين والتضحية من أجلهم والرضا بكل ما تحمله رياح الحياة .. وخلو النفس
من الكراهية والحقد وزهدها فى كثرة الرغائب فضلا عن الإيمان بالله والرضا عن
النفس, من أسرار السعادة الخفية التى قد لا تلوح مظاهرها للآخرين .. وأحد الصوفية
يعيش حياة جافه قاسيه محرومة من كل أسباب السعادة الظاهرة, ومع ذلك فقد قال
" لو علم الحكام ما نحن فيه من نعيم.....لقاتلونا عليه
بالسيوف" !
فلم لا تكون لشقيقك_المضحى المبادر دائما لإرضاء الآخرين وإسعادهم_
هو أيضا سعادته الخاصة التى نعم بها خلال حياته القصيرة ؟
إننى لا أقول لك ذلك تخفيفا عنك فقط .. وإنما أيضا لكيلا تضاعف من
خسارتك بفقده لسلامك النفسي ولكى تنطلق لأداء واجبك النبيل تجاه ابن شقيقك وأنت
غير مثقل بهذا الإحساس الأليم .. وفقك الله لأدائه على خير وجه وحقق لك به كل ما
ترجوه لنفسك من خير وجزاء.
رابط رسالة الضيف تعقيبا على هذه الرسالة
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر