كتاب الأسئلة .. رسالة من بريد الجمعة عام 2001
لابد دائما من رعاية الحب باستمرار لكيلا تذبل زهوره سريعا مهما يكن عمق العاطفة عند بداية المشوار.
عبد الوهاب مطاوع
أنا زوجة منذ عشر سنوات ولي ثلاثة أبناء
وأقيم في إحدى المدن الجديدة بعيدا عن الأهل والأصدقاء, وسط جيران جدد وصديقات جديدات, وأرجو أن تقرأ رسالتي وتهتم بالرد عليها لأني أريد من
يسمع لي باهتمام وأفضفض له بكل ما في صدري من تساؤلات تخصني وتخص غيري من النساء
من صديقاتي ومعارفي وجيراني يشكون نفس الشكوى.
* لماذا بعد كلمات الحب الرقيقة التي نسمعها في الأيام
الأولى للزواج تتبدل هذه الكلمات وتحل محلها كلمات مقتضية تصدر من اللسان بزهق
وكأن قائلها يعاني وهو ينطقها ؟
* لماذا تبذل الزوجة كل ما في وسعها لاستقبال زوجها وهي
مبتسمة ونظيفة وشعرها جميل فلا تجد سوى التكشيرة مقابل الابتسامة وتقول لزوجها
حمدا لله على السلامة فيكون رده هو:
طيب ؟
* لماذا لا تسمع الزوجة كلمة من فضلك لكي تعد الغذاء أو
تضع كوبا من الشاي أو تقوم بكي شيء يلبسه الزوج سريعا, ولا تسمع كلمة متشكر لكل الواجبات التي تقوم بها ؟!
* لماذا تسمع الزوجة دائما أن هذا هو واجبك وهنا هو عملك
ولا تسمع شيئا عن حقوقها ؟
* لماذا لا تسمع الزوجة كلمة إطراء أو استحسان عندما تبذل
أقصى ما في وسعها لفعل شيء لإرضاء زوجها ؟
* لماذا يبذل الزوج كل ما في وسعه لكي يكدر صفو زوجته, بكلمة جارحة..
وكأن كل هدفه هو أن يكسر قلبها
لتعيش معه كسيرة ولا تقوى على أن تتكلم معه ؟
* لماذا يقابل الزوج ثقة زوجته فيه بأن يحاول دائما أن
يشككها في تصرفاته حتى لا يطمئن بالها تجاهه أبدا ؟!
* لماذا يتعمد إحراجها ومعاملتها معاملة خشنة وجافة أمام
أهله وأصدقائه ؟
* لماذا يراقب تصرفاتها وكأنها متهمة طوال الوقت بالتقصير
والإهمال رغم كل ما تبذله في حضوره وغيابه ؟
* لماذا يقابل الزوج مشاعر الحب والافتقار واللهفة بجفاء
وخشونة ؟
* لماذا الجحود مقابل تضحية الزوجة بصحتها ومالها ووقتها
وعمرها وكأن كل ما تفعله لا يساوي شيئا.
* لماذا تجاهلها وتجاهل وجودها وإهمال مشاعرها وكأنها
إنسانة بلا وجود ؟
* لماذا يباعد الزوج بينها وبين أهلها ويتعمد إحراجها
أمامهم بعد مجاملتهم له في الفرح والحزن والمرض وكأنها بلا زوج ؟
* لماذا يعايرها الزوج بأهلها لعدم زيارتهم لها ولا تسمع
منه إلا أفظع العبارات المهينة لكرامتها وكأنها من الشارع وليست من بيت وأهل وأسرة
؟
* لماذا يزيد الزوج الضغوط النفسية على زوجته والأعباء
المنزلية وهي تعمل وتنجح في عملها وتنجح في بيتها ومع أولادها ؟
* لماذا ينكر عليها أي عمل ناجح ينسب إليها ؟
* لماذا يفعل المستحيل لكي تفشل في أي عمل تقوم به أو يظل
وراء أي علاقة ناجحة لها مع الجيران أو الأصدقاء حتى تفشل وتنكسر أمام جيرانها
عندما يحرجها معهم أو يتدخل بينها وبين صديقاتها ويزرع الشك في قلبها تجاههن حتى
تبتعد عنهن؟!.
* لماذا حين تستطيع أن تفعل كل شيء وتستطيع أن تتصرف في
مواجهة أي أزمة وتقف بجانبه حتى تمر الأزمة بسلام لا تجد منه سوى النكران
والمعاملة الفظة وكأنه يخاف منها أن تتمرد عليه وكأنه لا يعرفها ويعرف أخلاقها ؟
* لماذا كلما عاشت الزوجة في هدوء وصفاء نفسي يزعجها
بمعاملة خشنة أو يتفوه بكلمة جارحة لا تعني له أي شيء ولا تحقق له شيئا سوى تكدير
صفو زوجته ولا يستريح إلا عندما يري دموعها ؟!
* لماذا كلما أحبته أكثر واقتربت منه لكي تبثه حبها
ولهفتها يقابلها بجفاء ؟
* لماذا الإهانة والتجريح لأقل هفوة تصدر رغما عنها وكأنها
ليس من حقها الخطأ أو التقصير.
* لماذا تسير الزوجة علي حد السيف ولا تحيد عنه مهما يحدث
وإلا يا ويلها؟!
* لماذا يشعر دائما أنها تسير في طريق مسدود من اتجاه واحد
ليس فيه رجوع.
ولا فيه بارقة أمل أو شعاع نور
ينير لها طريقها ؟!
* لماذا يناديها بأقبح الأسماء إليها...؟!
* لماذا يفعل كل ما يضايقها ولا يفعل كل ما تحبه أو تطلبه؟!
* لماذا لا يقابل هديتها في عيد ميلاده بهدية بمثلها في
عيد ميلادها.
ويتعمد ألا يوجد معها في هذا
اليوم ويتعمد أن يفتعل خصاما حتى لا يتحدث معها. ويقضي هذا اليوم مع والدته وليس معها...؟!
* لماذا يتعمد عندما تكون معه في زيارة أهله أن يتجاهلها
وألا يشركها معهم في أحاديثهم؟!
* لماذا لا يحب أن يخرج معها, وعندما تضطره الظروف لذلك فتكون الزيارة لأهله يظل
يسبقها بعدة أمتار,
حتى لا يسير بجوارها وعندما
تسرع الخطي حتى تكون بجانبه لتشعر بأنها زوجة تخرج مع زوجها ويسعد بصحبتها يظل
يصدها في كل كلمة ولا يرد عليها ويظل يسبقها وكأنهما في سباق للجري؟!
* لماذا يكون طيبا وحنونا وعشرته جميلة وتسعد به ثم في
لحظات يتحول الإنسان آخر وتظل حائرة ولا تفهم ماذا فعلت أو ماذا حدث وتدور في
دائرة مفرغة لا تعرف مداها؟!
* لماذا تحترم خصوصياته وأشياؤه الخاصة ولا تلمسها, في حين يفتش هو أشياءها ويقرأ أوراقها ويراجع أرقام
تليفوناتها علي الهاتف ليعرف من تحدثت إليه ومن طلبته وقد كان من الممكن أن يسألها
وتحكي له دون أن يراقب تصرفاتها وكأنها متهمة ؟!
* لماذا يهددها دائما بتركها أو بأنه يعرف إنسانة أخرى إن
هي تهاونت أو قصرت أو أهملت.
* لماذا كلما حاولت إفهامه أنها تحبه ولا تهمل شيئا لأنها
تحبه ولا تقصر في شيء لأنها تحبه وأنها تراعي الله في كل تصرفاتها معه ومع أبنائه
وبيته لأجله فقط وليس للتهديد..
لماذا لا يصدق ذلك ؟!
* لماذا يجبرها باستمرار علي أن تفعل كل شيء بالقهر
والإهانة وقد كانت ستفعل كل شيء دون ؟ قهر ولا إهانة؟!
* لماذا عدم الأمان ولماذا الملل مع كل محاولة للتغيير
والتجديد ولماذا يستغفلها وينقل إليها الإحساس بأنها دائما مغفلة لا تفهم ولا تعي
شيئا مما حولها..
؟!
* لماذا كلما وجدها سعيدة مع نفسها يضايقها...
وكلما وجدها متجددة وأنيقة
وجميلة يخجلها ويصدها وكأنها شيء قبيح مهما تفعل في حين ان كل من يراهن غيرها أحسن
وأفضل منها.
* لماذا دائما يهينها أمام الأبناء وهي تعلمهم ما هو
الاحترام وما هي المعاملة الحسنة؟!
* لماذا يكذب وهي تعلمهم عدم الكذب لأنه ليس من أخلاق
المؤمن الحق؟!
* لماذا يظل يتحدث بصوت مرتفع ويشتم ويسب حتى يسمع الجيران
صوته وهي تحاول تهدئته وإغلاق النوافذ والأبواب حتى لا يسمع صوته أحد؟!
* لماذا تكون محاولة استفزازها هي الأساس بدلا من المعاملة
الطيبة؟!...
* لماذا كلما حاولت معالجة الأمور بقراءة حديث شريف عن
الرسول عليه الصلاة والسلام عن المعاملة الحسنة, ومعاملة أهله والأخلاق الحسنة لعله يفهم منها الرسالة
التي تحاول أن توصلها له.
لا يفهم ولا يفعل سوي عكس كل
هذا ؟!..
* لماذا عندما تطلب منه أن يسأل عن جار مريض أو أحد من
أهله لديه مصيبة لا يفعل..
وعندما لا تطلب منه ذلك يفعل هو
كل هذا ؟
* لماذا يسعد بوحدتها ويقضي أي وقت فراغ له من عمله مع أي
إنسان غيرها أو مع التليفزيون بعد ان تنام لكي يقضي حتي هذه الأمسية وحده؟!
هذه هي الأسئلة والتساؤلات التي
تشغلني وتشغل غيري من النساء,
وإنني أتعجب
من الإنسان الذي يملك إسعاد نفسه وإسعاد أسرته ولا يفعل ذلك بأقل مجهود مما يبذله
لمضايقتهم كما أتعجب من أن يعمى الإنسان عن الحقيقة فكل شيء في حياتنا موجود في
القرآن والسنة لكي نقتدي به ونسير علي نهجه لكي تمضي سفينة حياتنا في أمان ومع ذلك
فلا يفعل...
إن كل ما أفعله هو أن أتصبر كما
أوصانا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم..
وأن أظل أتقي الله وأحتسب أجري
عنده وأعتبر هذا الزوج ابتلاء من الله ولابد لي من الصبر عليه والرضا بقضاء الله
منه وأعيش معه راضية وصابرة..
وحتى هذه لم أسلم من سخريته
منها فكلما توجهت إلي الله بالصلاة والصيام وقراءة القرآن يستهزيء بي ويلقبني بلقب
الشيخه,
فأصبر وأحتسب...
وأحث صديقاتي ألا يضعفن وألا
يستسلمن وألا يملن بمشاعرهن نحو الإغواء والفتنة فيخسرن دينهن ودنياهن, وان يلجأن للقرآن فيجدن سلواهن في السكينة التي تنزل علي
قلوبهن ونفوسهن وألا تحاولن أن يقابل سوء المعاملة وسوء العشرة بمثلها وان يظللن
علي عهدهن وعلي حسن معاملتهن للأزواج لعلهم يشعرون بالذنب تجاهنا ذات يوم.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
سؤال المرء كاشف عن بعض أحواله!
وتساؤلاتك الحائرة تدخل كلها في
نطاق الشكوى من سوء العشرة وافتقاد التقدير العاطفي والمعنوي من شريك الحياة...
والإنصاف يقتضي القول: إنه ليس حالك وحدك ولا حال من تعرفين من الزوجات في تلك
المدينة الجديدة التي تطول فيها أوقات الفراغ ويشتد الإحساس بالوحدة وافتقاد الأهل, مما يثير الأشجان والتأملات, وإنما هو أيضا حال بعض الرجال مع زوجاتهم..
والخطأ المشترك هو نظر البعض
إلي شركاء العمر رجالا كانوا أم نساء وكأنهم حقائق أزليه غير قابلة للتغير أو
الفقدان..
فلا ينشطون لتنبيه المشاعر
وتجديد العواطف,
بإلقاء قطع جديدة من الأخشاب كل
حين إلي المدفأة لكي يستمر لهيبها متراقصا ولا يخمد بطول الإهمال وتجاهل الاحتياج
إلي مدد الوقود كل حين.
ويعتمدون علي اطمئنان الغافلين
إلى أن ما يربطهم بشركاء الحياة من الأبناء والحرص المشترك علي سعادتهم, يغنيهم عن الخوف الصحي المطلوب من فقد الشريك أو نفور
مشاعره أو ضيقه ذات يوم بكل شيء..
فنحن نحرص على مشاعر الآخرين
خوفا من فقدهم لأنه لا يجمع بيننا وبينهم سوي حسن المعاملة.. فإذا أساءها أحد معنا انقطع حبل الود معه..
وانصرفنا عنه بلا ندم في حين لا
نستشعر نفس هذا الحرص علي شريك الحياة اعتمادا علي ان علاقته بنا غير قابلة
للانفصام ـ وهذا خطأ كبير بغير جدال.
فكل شيء في تغير إلا قانون
التغير.
ولابد دائما من رعاية الحب
باستمرار لكيلا تذبل زهوره سريعا مهما يكن عمق العاطفة عند بداية المشوار.
ولابد من الحرص المتبادل بين
الطرفين علي تأجيج المشاعر لكيلا نستسلم للفتور الذي يمهد لموت العاطفة أو تحجرها, إلي جانب احترام الكرامات والحرص علي اللفتات العاطفية
ومكافأة الحب والرعاية والاهتمام بما يماثلها او يزيد عنها, والتقدير المشترك من كلا الطرفين للآخر ولدوره في حياته
وحياة الأسرة,
والاعتراف له بمزاياه الشخصية
بل والفخر بها دون أدني شعور بالنقص أو بالرغبة في خنق البذور وهي في الأرض لكيلا
تترعرع وتملأ الجو المحيط بأريجها.
كما لابد كذلك من الصبر
والتسامح والتجاوز عن الأخطاء والهنات.
وقديما قال محمد بن واسع في
كتاب الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي: ينبغي أن يكون الرجل مع المرأة كما يكون أهل المجنون مع
المجنون يحتملون منه كل أذي ومكروه!
وهي كلمة بليغة..
لكنها تنسحب في واقع الأمر على
كلا الشريكين اللذين ينبغي أن يتحمل كل منهما من الآخر في بعض الأحيان ما يتحمله
الأهل ممن أفلت زمامه.
ولولا ذلك لما صمدت علاقات
كثيرة لعاديات الأيام ولما نجت أسر سعيدة من خطر الانهيار في إحدى اللحظات
العابرة؟
نشرت عام 2001 في جريدة الأهرام باب بريد الجمعة
نقلها وراجعها / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر