فنجان قهوة .. سكر زيادة !
أن يكون لك صديق مخلص فهذه نعمة كبري تعز فيه الصداقة الحقيقية ويشح فيه الإخلاص.وأن يكون هذا الصديق خيراً تفخر بأعماله وإنسانيته فهذا هو النعيم بعينه..أما أن يكون هذا الصديق كأصدقاء عديدين تعرف بعضهم ولا تعرف معظمهم لكنك تسمع من بعيد عن مساهماتهم الخيرة في تخفيف آلام البشر فهذه هي السعادة الحقيقية .. وهذا هو حالي مع بعض الأصدقاء"السريين" الذين شاءت الأقدار أن تمنحني صداقتهم.
فبريد الأهرام ينشر أحياناً بعض الحالات الإنسانية التي تحكي هموم البشر مع الناس والحياة..وبعض أصدقاء البريد يرسلون إلي البريد ببعض التبرعات المالية لمساعدة أصحابها وهؤلاء هم الأصدقاء.العلنيون,أما الأصدقاء السريون,فهم هؤلاء الذين لا أسمع عن أعمالهم إلا من أصحاب هذه الحالات أنفسهم في رسائلهم التي تروي لي أنهم تلقوا عقب النشر من هؤلاء الأصدقاء رسائل تشاركهم همومهم وتساعدهم في حل مشكلاتهم بإرسال شيكات وحوالات بريدية علي عناوينهم .. فأصدقائي هؤلاء يتابعون نشر حالات البريد ويفضلون أن يوجهوا تبرعاتهم إلى أصحابها مباشرة ولا تخلو رسالة من رسائلهم لأصحاب هذه الحالات من رجاء لصاحب الحالة بألا ينشر أسماءهم ومن أكثر ما يمس القلب في هذه التبرعات هو أنها غالباً مبالغ صغيرة لكنها تعبر عن معني نبيل أكبر هو أن هؤلاء المتبرعين يقتطعون من دخولهم ما يشاركون به في تخفيف آلام الغير.
وكثيراً ما تصورت حال بعض هؤلاء الأصدقاء حين يقرئون صحف الصباح وهم يشربون القهوة فيجد الواحد منهم أن هناك إنساناً يحتاج إلى جنيهات للعلاج أو لمواجهة أعباء الحياة ويحس فجأة أن طعم القهوة قد تغير في فمه وأنه لم يعد لها نفس المذاق الحلو قبل قراءة هذه القصة فيقرر أن يساهم في حل مشكلة إنسان ويخرج إلى مكتب البريد ليرسل إليه حوالة بمبلغ صغير .. أو يخرج دفتر شيكاته ويحرر له شيكاً بمبلغ من المال ثم يضعه في خطاب مع رسالة رقيقة ويلقي بالخطاب في صندوق البريد ويعود إلى عمله أو بيته سعيداً .. يحس بأن مذاق الحياة قد أصبح أقل مرارة وأن طعم القهوة في فنجانه أصبح فجأة "سكر زيادة" .. ويحس أيضاً برضا غريب عن نفسه وعن حياته .. أي بمعنى آخر .. يحس بأنه سعيد ليوم أو لساعات ليس مهما .. لكنه سعيد وهذا هو الثمن الغالي للعطاء البسيط !
ومن هذه النماذج الحكاية التي ترويها لي رسالة القارئ علي أحمد عبد العال من كوم امبو وهو بحار بري سابق بوزارة الري خرج إلى المعاش وتعثر صرف معاشة لفترة طويلة وقد نشرها البريد بعنوان "الرد غير عاجل" وقد تلقيت منه منذ أيام رسالة يقول لي فيها:بعد نشر مشكلتي في بريد الأهرام فوجئت برسالة رقيقة من مواطن مصري لا أعرفه هو الدكتور جمال يقول لي فيها : إلحاقا بما نشر في بريد الأهرام بعنوان الرد غير عاجل يسرني أن أرسل لكم الشيك عليه بمبلغ .. ويمكنكم صرفه من البنك الأهلي فرع كوم أمبو..إلخ .. وفي نهاية الخطاب تمنيات من المرسل إلى المرسل إليه بالصحة والسعادة وطول العمر..
ومن هذه النماذج أيضاً ما ترويه رسالة القارئ سعد أحمد الكاشف الذي نشر البريد قصته مع ابنتيه المصابتين بضعف الإبصار وحيرته مع العلاج وهو الفلاح البسيط, فقد كتب إليّ يقول:تلقيت بعد النشر خطاباً من بعض المواطنين الصالحين يتضمن حوالة بريدية بمبلغ من المال مساهمة في نفقات العلاج, وقد سعدت كثيراً بهذه الرسالة وبما تضمنته من كلمات رقيقة وقد أحسست أن الدنيا بخير بالرغم من أني لم أستطع صرفها لأني كنت قد أرسلت إلى البريد رسالتي باسم الشهرة سعد أحمد عثمان وهو يختلف عن اسمي بالبطاقة سعد أحمد الكاشف..
لكن ذلك لم يقلل من قيمة هذه الرسالة ولا هذه المشاركة الطيبة من هؤلاء المواطنين الخيرين.
وغير هذه النماذج رسائل كثيرة يروي لي أصحابها ما يصنعه معهم أصدقائي السريون .. أصدقاء الخير والعطاء والمشاركة..فشكراً لهم جميعاً..وشكراً للأقدار التي منحتني صداقاتهم الغالية.
* نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 28 يناير 1983
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر