النبوءة الصادقة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1994

 

النبوءة الصادقة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1994

 

قرأت رسالة "الزائر الثالث" التي تروي فيها الدكتورة أستاذة الجامعة التي تعمل بإحدى الدول العربية أن عاملة هندية قد قرأت وتنبأت لها بأن طفلها الصغير سيموت لا قدر الله وهو صغير فاكتأبت وتشاءمت وأصبحت لا تفارقه , وقد أشفقت كثيرا على هذه الدكتورة ولم أتعجب من قبولها فكرة قراءة الكف أو الفنجان لأننا جميعا نفعل ذلك كعادة وليس عن تصديق رغم أننا نعرف أنه حرام وأن من يقرأه لنا يخدعنا .. كما ألتمس لها العذر أيضا فيما أحست به من اكتئاب وخوف على طفلها , لكني أريد أن أروي لها قصة حقيقية يعرفها كل من حولي حدثت لزوجي وهو ربان أعالى البحر , فحين كان ضابطا بحريا صغيرا عمره 20 عاما وصلت سفينته إلى الهند وصعد إلى ظهرها رجل هندي عرض على البحارة أن يقرأ الكف لمن يريد مقابل أجر , وقرأ الكف لزوجي فقال له أنه سيموت في سن الأربعين بعد أن يكون قد افتقر وفقد ثروته .. ولم يهتم زوجي بما قال الرجل وانطلق يعيش حياته بالطول والعرض لكنه حين بلغ الأربعين من عمره انتابته ليلة عيد ميلاده نوبة بكاء هيستيرية طويلة وأقام لنفسه بغير أن نعرف حفلة جنائزية أستعدادا للموت , ونام وحيدا في فراشه مستقبلا النهاية فصحا في اليوم التالي فوجد نفسه كالرهوان ولم يجد شيئا قد تغير فيه فضحك واستعاد مرحه وروي لي القصة وما فعله بالأمس فضحكنا منها كثيرا وظللنا نتندر بها طويلا .. وعاش زوجي بعد ذلك حتى بلغ منذ أيام 65 عاما , وصحته جيدة جدا جدا بل أنها بدون حسد كالحديد ولم يمرض مرة واحدة في حياته .. بل لقد حدثت له حادثة تصادم مروعة منذ سنوات وانطبقت عليه سيارته وتعذر إخراجه منها فاضطروا لنشر أبوابها بالمنشار لإخراجه فعاد للبيت و"جلس" فيه أربعة أيام وهو تعبان بعض الشئ ربما من "الخضة" ثم نهض كالحصان والحمد لله وواصل حياته بالطول والعرض من جديد وهو الآن بخير وسلام وتزوج خلال عمره المديد 3 مرات .. غير"التسالي" !

فهل تريد الدكتورة شيئا أكثر من ذلك يبدد مخاوفها ! إنني أنصحها بأن تردد دائما "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" بعد قراءتها لآي الذكر الحكيم وأن تستعيذ دائما بربها من همزات الشياطين وأن تتذكر أنه في علم النفس يقولون أن الإنسان حين يحب شخصا حبا كبيرا فإنه يتخيل أحيانا أنه قد فقده .. مع تحياتي لها ورغبتي في أن أتعرف عليها وأراسلها لأحكي لها نوادر أخرى عن زوجي سوف تخفف عنها بعض همومها !

جميع الحقوق محفوظة لمدونة "من الأدب الإنساني لعبد الوهاب مطاوع"

abdelwahabmetawe.blogspot.com

 

ولـــكـــاتـــبة هـــذه الـــرســـالــة أقــول:

 

شكرا لك على رسالتك الطريفة الصادقة هذه التي أردت بها _نبلا وكرما_ أن تخففي عن كاتبة رسالة "الزائر الثالث" مخاوفها وهواجسها , والحق أنك قد لمست فيها نقطة هامة وصادقة حين أشرت إلى ارتباط الحب نفسيا بالخوف على من نحب .

فالإنسان خاصة في سن الطفولة يعبر أحيانا عن هذا الخوف الغامض من أن يفقد من يحبهم أو يعتمد عليهم في حياته بتخيل رحيل أبويه أو أقربهما إليه ومن سوف تتأثر حياته عاطفيا وماديا واجتماعيا برحيله أكثر من غيره وقد يتمادى أحيانا في هذه التخيلات فيتخيل نفسه يبكيه ويندبه بل ويسير في وداعه منهارا وأصدقاؤه يخففون عنه ثم يساوره فجأة إحساس غامض بالذنب ويلوم نفسه على هذه التخيلات ويخجل منها وقد يتهم نفسه ظلما بأن تخيلاته هذه قد تعبر عن "أمنية" صامتة له في وفاة من يتخيل رحيلهم مع أنها لا تعبر في حقيقة الأمر إلا عن شدة حبه لمن يتخيل موته وشدة هلعه وخوفه من هذا الاحتمال , ويتغير هذا الإحساس مع إختلاف مراحل العمر فيعبر عن نفسه فيما بعد في خوف الإنسان من أن يفقد من يحب أو يشاركه حياته .. ثم أبناءه وأعزاءه إلخ .

وكلما إزداد حبنا .. ازداد خوفنا من أن نفقد من نحب , كما يقولون وفي النهاية يا سيدتي فإنه لا يفوق حب زوجك للحياة وإسرافه على نفسه في الاستمتاع بها على هذا النحو العجيب .. إلا نبلك وسماحته وخفة روحك وتواؤمك مع الأمر الواقع الذي لا تملكين تغييره .. فعسى أن يقدر لك زوجك الربان كل ذلك .. فتستقر سفينته على شاطئك الهادي إلى نهاية العمر ..بعد طول "مغامرة" و"إبحار" في مواني الحياة , أما عن مراسلة كاتبة الرسالة فمؤكد أنها سوف ترحب بالتعرف عليك .. وأرجو أن تكتب إلي بعنوانها لأبلغك به .. وشكرا مرة أخرى.

رابط رسالة الزائر الثالث 

نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" فبراير 1994

كتابة النص من مصدره / بسنت محمود

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي

 

Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات