المثال .. رسالة من بريد الجمعة عام 1993

 

المثال .. رسالة من بريد الجمعة عام 1993

المثال .. رسالة من بريد الجمعة عام 1993

 

أنا سيدة في الواحدة والثلاثين من العمر تزوجت وأنا صغيرة وانجبت من زوجي طفلين ولم أوفق في زواجي وطلقت بعد تسع سنوات من الزواج وتنازلت لزوجي عن كل شئ وبقيت في شقة الزوجية لأني حاضنة , ثم طرق النصيب بابي مرة أخرى وتزوجت من زوجي الحالي منذ سنة وانجبت منه طفلة وهو متزوج من أخرى منذ 17 عاما وله منها 5 أولاد , وزوجته الأولى لا تحمل إلا الشهادة الاعدادية أما أنا فأحمل شهادتين جامعيتين .. ولقد أحببت زوجي هذا رغم أني لم أعرفه إلا حين تقدم لي لأني كنت في حاجة لأن أشعر بعاطفتي التي افتقدتها في زواجي الأول , فأقبلت على حياتي الجديدة مع زوجي بحنين كبير للحب والسعادة وقمت له بكل واجباتي تجاهه عن حب وليس عن إجبار إبتداء من الاعتناء بملابسه وكل شئونه إلى تقليم أظافره والعناية بقدميه , لكن زوجي رغم ذلك يقارنني دائما بزوجته الأولى ويريدني أن أكون صورة أخرى منها في كل شئ , وقد أبدى لي رغبته في أن أرتدى الخمار كالأخرى ثم أتضح لي أنها لا تضع سوى إيشارب عادي وكاب , وترتدي الكعب العالي .. ومع ذلك فهو يصورها لي وكأنها السيدة نفيسة كما أنها تخرج وتزور أهله وإخوته ..         وأنا محرومة من زيارات أهله أو أن يزورني لأنني الزوجة الثانية التي ينبغي ألا تخرج إلى الشارع وألا يراها أحد وألا تدخل بيوت الأهل والأقارب أو يزوروها وابنتي التي ولدت لم يرها أعمامها ولا جدها حتى الآن , فضلا عن الاختلاف الكبير في مستوي المعيشة بين مسكني ومسكن زوجته الأولى من ناحية الأثاث والأجهزة وغير ذلك وكلما طلبت منه شراء شئ تعلل بأنه حين يشتري للأولى شيئا جديدا فإنه سوف يشتري لي مثله !

 

إن الماديات لا تعنيني كثيرا بدليل قبولي للحياة معه في مسكن غير لائق , وما يهمني حقا هو ألا يجرح مشاعري بالمقارنة مع الزوجة الأولى وبمحاولته أن يجعلني صورة منها .. إنني أرجوك أن توضح له وهو من قرائك أنني لا أستطيع أن أكون نموذجا مكررا من زوجته الأخرى لأن لي شخصيتي وجذوري المختلفة عن جذورها .. فالأشقاء قد يتربون في بيئة واحدة ومع ذلك فقد تكون لكل منهم شخصية وعادات وطبائع مختلفة عن الآخر وليس من الضروري أن يتشابهوا في كل شئ .. كما أرجو منك أن تنبهه إلى ضرورة مراعاة إحساسي ومشاعري وآدميتي فأنا أريد أن أعيش حياة سعيدة وتنشأ طفلتي في أمان ولو كانت زوجته الأولى هي المثال الذي يريديني أن احتذيه في كل شئ فلماذا تزوج عليها قبل أن يتزوجني وطلق ولماذا تزوجني الآن ؟

جميع الحقوق محفوظة لمدونة "من الأدب الإنساني لعبد الوهاب مطاوع"

abdelwahabmetawe.blogspot.com

 

ولـــكـــاتـــبة هـــذه الـــرســـالـــة أقـــول:

 

منطق الأشياء يؤيد وجهة نظرك ليس فقط من ناحية أنه لو كانت زوجته هي المثال الذي ينبغي أن تحتذيه النساء فلماذا تزوج عليها , وإنما لأنه ليس من العدل أن يطلب منك زوجك أن تكوني إمرأة أخرى غير نفسك , لأن الناس يختلفون في شخصياتهم وطباعهم ومزاجهم النفسي ويندر أن نرى شخصين متماثلين في تكوينهم النفسي وتصرفاتهم واستجاباتهم للإنفعالات والأحداث .. فالإنسان هو نفسه وليس طبعة مكررة من أحد ولا ينبغي له أن يكون كذلك .. نعم لا بأس بأن نقلد الآخرين في فضائلهم وأن نحاول اكتسابها لأنفسنا , لكن ذلك لا يعني أبدا أن نجعل من أنفسنا نسخا مكررة منهم , ولو فعلنا ذلك لفقدنا هويتنا وتفردنا وآدميتنا وتحولنا إلى قوالب متماثلة لا تفكر ولا تبادر بشئ إنتظارا لأن يفكر "المثال" ويبادر نيابة عنا ثم نقلد نحن تصرفه , أما حكاية لماذا تزوج على زوجته مرة. وأخرى إذا كانت زوجة مثالية في نظره، فقد لا يكون ذلك لعيب في "المثال" نفسه , وإنما لعيب في شخصية الزوج .. وفي عدم اكتفائه بإمرأة وخمسة أولاد , وتطلعه إلى المزيد من المتعة .. أو ربما كان ذلك لسبب شخصي آخر من أسرار الآخرين لا يجوز لنا التطفل عليه والله أدرى بدخائل النفوس .

أما أنت فنصيحتي لك ألا تقلدي أحدا إلا في فضائله .. وألا تكوني سوى نفسك بشخصيتك الأصيلة وانفعالاتك الصادقة , ومادمت قد قبلت لنفسك وضع الزوجة الثانية غير المعترف بها غالبا في الوسط العائلي للزوج .. فتحملي تبعات اختيارك بلا شكوى .. واستمتعى بما يتيحه لك هذا الوضع رغم نواقصه مما حرمت منه من ارتواء عاطفي في زواجك الأول .. ولا تحاولي تغيير الأوضاع العائلية المستقرة في مثل ظروفك حتى لا تغرق سفينة زواجك بعد أن أثمر طفلة وليدة .. فإذا كان لي أن أوجه لزوجك كلمة أخرى فإني ألفت نظره إلى مراعاة العدل بينك وبين زوجته الأولى في مستوى المعيشة وفي كل شئ حتى لا يأتي يوم القيامة "وشقه مائل" كحال من لا يعدل بين زوجاته .. وألا يطالبك بما لا طاقة لك به كما ألفت نظره أيضا إلى أن مفهوم العدل هذا يشمل كذلك العدل بين طفلته منك وبين أولاده من الأخرى في كل الحقوق الشرعية , وأولها أن يعرفها ذووها وأهلها وأن يعترفوا بها ولأنها ثمرة زواج شرعي ولأن الأبرياء لا ذنب لهم في اختيارات الآباء , وشكرا .

 

نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" أغسطس 1993

كتابة النص من مصدره / بسنت محمود

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي

Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات