صرخة الفزع .. رسالة من بريد الجمعة عام 1993
أنا قارئة من قارئاتك المنتظمات وطالبة بالسنة النهائية بإحدى الكليات وعمري 26 سنة.
منذ عامين حدث حريق صغير في مسكننا أصيبت فيه بحروق شديدة أختي التي تصغرني بخمس سنوات , وكانت اصاباتها في الوجه واليدين وقد استنفدنا كل امكانياتنا المادية في علاجها وهي الآن بخير والحمد لله .. والمشكلة ليست مادية والحمد لله ولكن نفسية، فقد واجهت الصدمة وحدي , وأنقذت شقيقتي بمفردي حين شب فيها الحريق , ورغم مرور عامين حتى الآن على هذا الحادث فإن منظر شقيقتي والنار تمسك بها وهي تصرخ من الفزع والألم يطاردني في خيالي طوال اليوم ويمنعني من النوم أثناء الليل .. ولقد كنت أظن أن هذه الحالة سوف تختفي تدريجيا بعد فترة من الحريق , لكنها استمرت حتى الآن ومازال هذا المنظر البشع يلاحقني في مخيلتي بإصرار.
إنني أحس أنني تائهة وليس لي هدف في الحياة وتنتابني نوبات اكتئاب فظيعة وقد حاولت أن ألتمس العلاج النفسي عند أحد كبار الأطباء النفسيين ففوجئت بأن ثمن الجلسة الواحدة عنده ثمانون جنيها , ورجعت يائسة من المحاولة.
فهل تستطيع أن تتصل بهذا الطبيب الكبير وأن تقنعه بعلاجي بالأجل على أن أكتب له كمبيالة بالمبلغ المستحق أسدد له قيمتها حين أجد وظيفة الآن أو بعد التخرج أعين بها نفسي وأهلى الذين استنفد الحادث المؤلم كل امكانياتهم ؟
جميع الحقوق محفوظة لمدونة "من الأدب الإنساني لعبد الوهاب مطاوع"
abdelwahabmetawe.blogspot.com
ولكـــاتـــبة هـــذه الــرســـالــة أقـــول:
من الواضح يا آنستي أنك تعانين من آثار الصدمة المؤلمة التي واجهتها عند مبادرتك لانقاذ شقيقتك من الحريق .. ومن آثار مثل هذه الصدمة المؤلمة اضطراب النوم لفترة بعدها بسبب كثرة استدعاء الذاكرة لتفاصيلها المزعجة وما تمثله في عقلك اللاواعي أثناء النوم من تهديد للحياة وللشعور بالأمان , وما ينتج عن ذلك من اضطرابات الفزع أثناء النوم , اضطرابات معروفة في الطب النفسي وتتكرر فيها نوبات الاستيقاظ المفاجئ من النوم مصحوبة أحيانا بصرخة فزع , وينهض المصاب بها من نومه وعلامات الخوف بادية عليه في اتساع إنسان العين والعرق الغزير الذي يتصبب من جسمه وسرعة التنفس وسرعة النبض بل ووقوف الشعر أحيانا , ويظل في هذه الحالة العصبية بعض الوقت حتى يقل فورانه الداخلي , وتهدأ أعصابه قليلا ويتأكد من عدم وجود خطر حقيقي يواجهه في هذه اللحظة وكل ذلك مفهوم في مثل حالتك ويصاحبه عادة اضطراب نفسي كالقلق العام والنوبات الاكتئابية , ولاشك أنك في حاجة إلى علاج نفسي منتظم سيعيد إليك اطمئنانك وأمانك بإذن الله فاتصلي بي مساء الاثنين القادم ولا تشغلي نفسك بأمر التكلفة المادية بإذن الله.
نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" نوفمبر 1993
كتابة النص من مصدره / بسنت محمود
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر